هآرتس – بقلم تسفي برئيل – الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ينشغل مؤخراً بعملية غزل معقدة، أكثر من السياسيين الذين يصرخون في إسرائيل ويطالبون بشن عملية “واحدة وإلى الأبد” ضد “بنى الإرهاب التحتية” و/أو إنهاء السلطة الفلسطينية. يعرف السيسي جيداً ما معنى عملية واسعة في الضفة، ويعرف الجدول الزمني البيولوجي للرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويدرك العداء الكبير داخل صفوف فتح حول شخصية الوريث، والتداعيات التي ستلحق بمصر إذا اندلعت حرب جديدة في الضفة، التي ستنزلق برمشة عين إلى غزة وتقضي على الجهود المصرية في الساحة الفلسطينية من حيث خلق وحدة فلسطينية سياسية بين الفصائل الفلسطينية لوضع أساس لتهدئة بعيدة المدى بين إسرائيل والفلسطينيين.
في 29 تموز، اجتمع في مصر الأمناء العامون لـ 14 تنظيماً فلسطينياً، باستثناء “الجهاد الإسلامي” الذي طلب إطلاق سراح سجنائه الموجودين في سجون السلطة الفلسطينية شرطاً لمشاركته. ومثل لقاءات كثيرة في السابق، لم يثمر هذا اللقاء حتى الآن أي نتائج ملموسة، لكن الشعور بالحاجة إلى هذه العملية أدى إلى ضرورة انعقاد لقاء فلسطيني واسع في مصر الأسبوع القادم، في محاولة للمضي بخطة مصر.
قبل ثلاثة أيام من اللقاء في مصر، التقى محمود عباس وإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أصبح شريكاً مقبولاً في إدارة المفاوضات الفلسطينية الداخلية بعد استئناف العلاقات مع مصر وإسرائيل، بل وحصل هذا على تشجيع من إسرائيل.
الوقت ينفد، ويعمل في هذه الساحة السياسية عدد من الشركاء، الذين لا يرون جميعهم جهود مصر بنفس المنظار. مثلاً، قرار السعودية تعيين قنصلها العام في الأردن في منصب القنصل العام في الضفة وفي القدس، أدى إلى هزة ليس فقط في إسرائيل، التي لم تفهم بعد سبب هذه الخطوة، بل أيضاً في الأردن والقاهرة ورام الله. الأردن الذي يخشى من إبعاده بكونه المسؤول عن الأماكن المقدسة، وهي المكانة التي تم تثبيتها في ملحق اتفاق السلام الذي وقع بينها وبين إسرائيل، يعتبر خطوة السعودية نية لوضع حقائق على الأرض من خلال استغلال توق إسرائيل للتطبيع مع السعودية.
هذه ليست المرة الأولى التي تعبر فيها السعودية عن رغبة في أن تكون المسؤولة عن جميع الأماكن الإسلامية المقدسة. يفسر الأردن التقارب بين السعودية وحماس، الذي تم التعبير عنه بإطلاق عدد من نشطاء حماس من السجن وإعطاء إذن لقيادة حماس بأداء فريضة الحج في مكة، على أنه جزء من هذا الجهد كي تحصل لنفسها على الدعم من المنظمة الفلسطينية للمكانة التي تسعى الرياض إليها.
في الأسبوع الماضي، التقى ملك الأردن والرئيس الفلسطيني بشكل مستعجل مع الرئيس المصري لمناقشة “المواضيع المتعلقة بالقضية الفلسطينية”. والثلاثاء الماضي، التقى وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، مع السيسي لمناقشة “تعزيز التعاون بين مصر والأردن”، ووراء هذه البيانات الرسمية القصيرة يبدو الهدف واضحاً جداً: إظهار التضامن مع “أصحاب الشأن المباشرين” أمام نوايا السعودية.
للسيسي، مثلما لملك الأردن والرئيس الفلسطيني، سبب لمراقبة خطوات السعودية، لا سيما في الساحة الفلسطينية، لكن ليس فيها فحسب؛ فمصر التي بنت لنفسها مكانة مؤثرة بفضل قدرتها على التوسط بين إسرائيل وحماس في كل مرة، تريد أن تمنع انتقال هذه المكانة إلى يد محمد بن سلمان.
للزعماء الثلاثة مشكلة مشتركة صعبة مع الحكومة الإسرائيلية، التي لم تكن من قبل. حسب مصادر في مصر، ليس للسيسي ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل ثقة برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. رجال السيسي يفضلون إدارة اتصالات مع نظرائهم العسكريين وممثلي “الشاباك”، لكن هذه النقاشات تجري بشكل عام حول مواضيع تكتيكية تتعلق بمنع مواجهات عنيفة بين غزة وإسرائيل. ليس لمصر شريك إسرائيلي في ما يتعلق بالتخطيط السياسي، وإلى جانب ذلك: هناك وزراء في حكومة إسرائيل الحالية يعتبرون مصر عاملاً يقيد حرية عمل الجيش الإسرائيلي. أما مع الأردن، فالتعاون الاستخباري والعسكري يجري على مستوى جيد، وحتى عال، لكن انقضت تلك الأيام التي فيها كان رئيس الحكومة يتصل مع القصر في الأردن لإجراء محادثة ودية.
ذريعة إضافية
ظروف العمل لنشاط دبلوماسي إسرائيلي أردني ومصري، وبالأحرى إسرائيلي – فلسطيني، آخذة في التفاقم إزاء سيطرة وزراء اليمين المتطرف على تحديد جدول الأعمال في الضفة. تنظر مصر بجدية إلى طلبات وزراء في إسرائيل للعودة إلى تصفية قادة حماس و”الجهاد”، هذه المرة ليس في “المناطق” [الضفة الغربية] فقط، بل أيضاً في لبنان وسوريا. وهناك رسائل من مصر أرسلت مؤخراً لإسرائيل تحذرها فيها من تكرار أخطاء الماضي التي أدت إلى عمليات عسكرية عديمة الجدوى.
تهديدات إسرائيل تسمع جيداً أيضاً في لبنان، فهناك يعيش بعض رؤساء التنظيمات الذين هم على لوحة الأهداف. التقدير السائد هو أن عملية عسكرية ضد أهداف فلسطينية في لبنان قد تستدعي ليس فقط رداً عنيفاً من غزة، بل من “حزب الله” أيضاً. يجدر التعامل مع هذا التقدير بدرجة من الشك، حيث إنه رغم التشجيع والمساعدة التي يوفرها “حزب الله” لبعض التنظيمات الفلسطينية، فإنه يبعد نفسه عن التدخل العسكري المباشر ضد إسرائيل لصالح “القضية الفلسطينية” من أجل الحفاظ على مكانته كمدافع عن لبنان، وكمن يعمل فقط من خلال مصالح لبنانية. على سبيل المثال، بعد أن هاجمت إسرائيل أهدافاً لحماس في جنوب لبنان عقب إطلاق عشرات الصواريخ من لبنان نحو إسرائيل في نيسان الماضي، فـ “حزب الله” لم يتحمل المسؤولية عن إطلاق الصواريخ، بل وسمح لهذه المواجهة بأن تمر من فوق رأسه.
لقد ولدت لـ”حزب الله” في هذا الأسبوع ذريعة أخرى لتجنب فتح جبهة عنيفة مع إسرائيل. الخميس، بدأ التنقيب الأول في حقل الغاز اللبناني “بلوك 9″، الذي من شأن نتائجه أن يحدد إذا سيصبح للبنان مصدر طاقة وتمويل ينقذه من أزمته الاقتصادية. “حزب الله” الذي بارك اتفاق ترسيم الحدود مع إسرائيل واعتبره إنجازاً تاريخياً، لن يرغب الآن في أن يكون العامل الذي يحطم هذا الإنجاز فقط لخدمة المقاومة الفلسطينية من داخل لبنان، أو حتى كضريبة كلامية يدفعها لـ “وحدة الساحات” التي تدفعها قدماً حماس والجهاد الإسلامي، حيث القصد مواجهة مشتركة ومدمجة في غزة والضفة إضافة إلى تجنيد “حزب الله”.
هذه الفكرة التي تبدو مهددة وصعبة على التنفيذ لأن أمام “حــزب الله” اعتبارات لا تتساوق مع اعتبارات التنظيمات الفلسطينية. على سبيل المثال، قبل ثلاثة أسابيع، حدث في مخيم عين الحلوة الفلسطينية في جنوب لبنان مواجهة صعبة ودموية بين رجال فتح وأحد التنظيمات الإسلامية، “الشباب المسلم”. أربعة من أعضاء فتح، أحدهم من القادة الكبار، أشرف العرموشي، قتلوا بداية المواجهة. وهذا عدد ارتفع خلال يومين إلى 11 شخصاً. قادة حماس، من بينهم إسماعيل هنية ونائبه صالح العاروري ورئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، وممثلون فلسطينيون كبار في لبنان، توجهوا إلى حسن نصر الله وللحكومة اللبنانية للمساعدة في وقف المواجهات وتهدئة النفوس في المخيم.
هذه المواجهات ليست جديدة؛ فقد حدث مثلها وأصعب منها خلال السنين في مخيمات اللاجئين الفلسطينية بين الفصائل المختلفة حول السيطرة على المخيمات. الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني لا يعملان في المخيمات، هم يتموضعون على مداخلها فقط. مع ذلك، يسمح لأعضاء التنظيمات حمل السلاح داخل المخيمات حتى يتمكن السكان هناك من الدفاع عن أنفسهم. المشكلة أن أي مواجهة في المخيمات تثير من جديد مسألة السلاح الفلسطيني وتطرح طلب نزعه منهم. وفي كل مرة يطرح فيها هذا الطلب، يقف “حزب الله” الذي يدير معركة طويلة ضد خصومه الذي يطالبون بتجريده من سلاحه، كدرع واق صلب، ولا توجد قوة في لبنان يمكنها نزع السلاح.
النتيجة أن “حزب الله” ليس راضياً عن الوضع الذي تستخدم فيه التنظيمات الفلسطينية السلاح داخل المخيمات وحتى ضد إسرائيل، عندما تخلو هذه النشاطات من التنسيق معه أو قد تضر بمصالحه. من هنا، ورغم تأييده لفكرة “وحدة الساحات”، فإنه يحرص على أن يكون هو من يرسم حدود هذه الوحدة.
على هذه الخلفية، فأي مواجهة بين إسرائيل وحماس والجهاد الإسلامي على الأراضي اللبنانية ربما تخرق استراتيجية “حزب الله” التي تقول بأنه مستعد لمساعدة وتدريب وتسليح “المقاومة” الفلسطينية في حربها ضد إسرائيل ما دامت تحدث على الأراضي الفلسطينية ولا تجره أو تملي عليه قواعد المواجهة.
حتى الآن، أدركت إسرائيل قواعد اللعب هذه، ولم تخرقها. ولكن حتى الآن، لا تعرف الحكومة الإسرائيلية نفسها كيف تتصرف، وتبحث عن حلول سريعة، بالأساس استعراضية وغير متوقعة، ربما تقود إلى توسيع ساحة المواجهة بدلاً من تقييدها في المناطق التي تسيطر عليها، وربما تقود أيضاً إلى هز منظومة علاقاتها الحيوية مع الدول التي تبقي المواجهة على نار هادئة نسبياً بمساعدتها.