الخوف من عمليات أخرى بعد العملية الصعبة في حوارة، وقع على هيئة عملية صعبة أخرى بالقرب من الخليل. مثل هذه العمليات ذات النتائج الناجحة بالنسبة لمنفذيها، تستخدم نموذجًا للإلهام وتشجّع على التقليد.
التحريض على شبكات التواصل الاجتماعي، وتمجيد المنفذين، والدعوات الموجهة لعموم الشعب الفلسطيني لأخذ زمام المبادرة والقيام بعمليات تلقى آذانًا صاغية.
على خلاف العملية في حوارة، والتي كانت استغلالًا للفرصة ضد الإسرائيليين الذين وصلوا بمبادتهم الشخصية إلى الضفة، عملية الأمس نُفذت ضد إسرائيليين يعيشون في المنطقة ومُضطرين للتحرك على محاور حركة المرور في الخليل، كجزءٍ من الروتين اليومي. فرق آخر هو أن عملية إطلاق النار من السيارة العابرة تستوجب مستوىً عاليًا من الإعداد، تنفيذًا وسلاحًا بجودة أعلى. الافتراض العملي الأولي هو أن العملية نُفذت من قِبل مهاجميْن اثنيْن على الأقل، أحدهما قاد السيارة والآخر قام بإطلاق النار.
سواء دار الحديث عن خلية شُغلت من قِبل فصيل منظم أو خلية مستقلة، سلسلة العمليات منذ بداية السنة، والتي بلغ ثمنها من الدماء حتى الآن 34 قتيلًا؛ تستوجب تفكيرًا عميقًا من أجل مناقشة “استراتيجية محاربة الإرهاب المتصاعد في الضفة الغربية”. على سبيل المقارنة، طوال العام 2022 قتِل 32 إسرائيليًا وأجنبيًا، والعدد هذه السنة أعلى حتى من عدد القتلى في سنة 2015، المعروفة بـ “انتفاضة السكاكين”. الكمية كبيرة من السلاح، والموجودة في المنطقة، تسببت هذه السنة بعمليات أكثر دموية. التحريض الكبير في شبكات التواصل، التابعة لحماس والجهاد الإسلامي، تشعل الشارع وتدفع الكثيرين إلى “الإرهاب” الفردي واسع النطاق.
سيُقال على الفور: أيّ استراتيجية، حتى وإن كانت الأكثر نجاحًا، لن تستأصل الظاهرة بشكل تام، كما أن المعارك من هذا النوع تستمر أحيانًا لعدة سنوات، على سبيل المثال الحرب ضد “إرهاب الانتحاريين” (الاستشهاديين) في الانتفاضة الثانية. إضافة إلى ذلك، التقليص الكبير لحجم “الإرهاب” وكم العمليات مُمكن بالفعل.
أولًا: على الحكومة الإسرائيلية أن تدرس الاستمرار في سياسة الفصل بين الساحات، بين غزة والضفة الغربية، على الأقل في كل ما يتعلق بحرية عمل المنظمات الفلسطينية في التحريض الوحشي، تمويل ودعم وعشرات محاولات تشكيل الخلايا “الإرهابية”. أتخيل أن معادلة الهدوء في غزة، والتي تسمح بحرية عمل حماس والجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، جديرٌ بأن تدرس من جديد، وجيدٌ لو حدث هذا في وقت مبكر.
ثانيًا: الجهد الذي تعوزه للأسف الشديد الكثير من الموارد، النفس الطويل والصبر، محاربة إغراق المنطقة بالوسائل القتالية. إغلاق الحدود مع الأردن لمنع التهريب هو واجب فوري، تكفي الإشارة إلى نموذج إغلاق الحدود مع مصر، والتي كانت تنتهك على مدار سنوات والفوائد الكثيرة التي جنيناها من السياج الأمني، والذي أضر كثيرًا بعمليات التهريب من منطقة سيناء.
فيما يشبه إغلاق الحدود مع مصر، يجب إنهاء إغلاق الفجوات في السياج ما بين الضفة الغربية وإسرائيل أيضًا. لا اعتبار، سواء كان سياسيًا ومعه الخوف من إثبات حقائق سياسية بالتنازل عن أراضي الضفة أو اقتصاديًا من أجل السماح لآلاف الفلسطينيين بالعمل في إسرائيل، يبرر مهزلة السياج الأمني المُنتهك. مستقبل الضفة الغربية يتحدد وفق سياسة وحكومة منتخبة بطريقة منظمة من خلال معابر أمنية رسمية فقط.
من غير المُمكن طبعًا التنصل من دعوات السياسيين من جميع ألوان الطيف السياسي، التي يعيبها في أفضل الأحوال أنها غير مهنية، وفي أسوأ الأحوال فهي موقف متطرف واضح. الحل السياسي لا يُمكن تطبيقه في الوقت الراهن، بسبب تحركات الشارع الفلسطيني، وتطبيق أفكار حل الدولتيْن أو الانفصال أحادي الجانب ليسا عملييْن أو أنهما لا يأخذان بالحسبان الاعتبارات الأمنية المهمة. في المقابل، الدعوات لمحاصرة القرى (“السياسة المشددة”، “جمع السلاح” أو “السور الواقي 2”) هزيلة بنفس القدر وتحدِث الضرر بشكل أساس. عن الدعوات إلى الانتقام ومحو القرى وبقية التعبيرات المشابهة لا ينبغي توسيع الحديث بشأنها، ويجب أن نندم على الضرر التي تحدِثه.
سيكون من الجيد إذا ما ناقش صناع القرار بشكل مُعمّق الاستراتيجية المطلوبة، وأن يوجهوا الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” للقيام بالخطوات العملية على الأرض على قاعدة المعايير المهنية.