تظهر التقديرات الأمنية الإسرائيلية، مزيدًا من التشاؤم حيال الأوضاع الأمنية المتدهورة في ظل تزايد العمليات الفلسطينية التي قتل بفعلها 34 إسرائيليًا، منذ بداية 2023، ما يجعل العام الجاري هو الأصعب منذ نهاية الانتفاضة الثانية في 2005 – 2006.
والعام السابق بأكمله، قتل 33 إسرائيليًا، وبدون الأرقام المسجلة في حرب لبنان الثانية، 165، والعملية في غزة عام 2014 والتي قتل في عامها 75 إسرائيليًا، فإن العام الجاري يعد الأكثر حصدًا لأعداد القتلى قبل أن ينتهي. كما تذكر صحيفة يديعوت أحرونوت.
وتشير الصحيفة، إلى أن الحكومة اليمينية الحالية رغم مهاجمتها سابقًا أثناء تواجدها بالمعارضة للحكومة السابقة بزعامة بينيت – لابيد، إلا أنها لم تقدم أي جديد للإسرائيليين في الملف الأمني أو تغير من الواقع الذي أصبح أكثر شراسةً.
وبينت الصحيفة، أن الحكومتين قبلتا بموقف الجيش الإسرائيلي والشاباك، فيما يتعلق بالعمليات العسكرية والمدنية، كما أن بنيامين نتنياهو يؤيد بشكل كامل تعزيز السلطة الفلسطينية لكن ببساطة يمتنع عن إعلان ذلك لأسباب سياسية، ولكنه يعرف جيدًا أنه لو لا وجود أجهزة أمنية فلسطينية فعالة، لكان الوضع أسوأ بكثير، وكان على الجيش الإسرائيلي أن يجند ليس فقط 72 كتيبة احتياطية كان قد جندها بالفعل سابقًا في رقم قياسي يسجل، ولكن كان سيجند أكثر من 100 كتيبة، خاصة وأن الألوية النظامية تلقت ضربة عندما خسرت 30% من قوة تدريباتها للحرب بسبب العمليات التي تقوم بها في الضفة.
وأشارت الصحيفة، إلى تحذير استراتيجي وجهه رئيس الشاباك رونين بار، لنتنياهو، حول التزايد المتوقع والكبير في نطاق الهجمات، وأن الوضع على عتبة فقدان السيطرة، وفي وقت معين، كان يصل هناك 200 تحذير وهو رقم لم يسجل في عام واحد منذ عام 2005.
وبينت أنه تم منذ بداية العام الجاري إحباط 350 عملية إطلاق نار، حيث اعتبر مسؤول أمني كبير عدم سقوط قتلى في هذه الهجمات كل يوم بمثابة معجزة، وأن الهجوم الذي وقع في الخليل أمس وحوار يوم السبت، يؤكد استمرار الهجمات الخطيرة.
واعتبرت الصحيفة كما ترى المنظومة الأمنية الإسرائيلية أن دخول الخليل على خط الهجمات باعتبارها أكبر محافظات الضفة الغربية والأكثر هدوءً حتى الآن، فإن ذلك يحمل مؤشرًا خطيرًا، خاصة وأنه توجد بنية تحتية كبيرة لحماس في المحافظة، ولذلك يعني هذا أنه سيكون هناك تحديًا كبيرًا للأجهزة الأمنية، الأمر الذي سيتطلب استخدام قوات واسعة النطاق ومعها قوات احتياط لمواجهة ذلك.
ورأت أن العملية أمس في الخليل نفذت بنفس الطريقة التي تنفذ فيها سلسلة هجمات باستخدام مركبات يتم إطلاق النار منها، ما يصعب من مهمة إحباطها وتحديد مكان الخلايا المنفذة، لذلك يجري التركيز حاليًا على حماية المحاور والطرق الاستيطانية وتعزيزها بقوات إضافية، ولكن هناك خوف من أن تؤدي نجاحات هذه العمليات إلى تقليدها.
وتقول الصحيفة، إن الجيش الإسرائيلي يجد نفسه حاليًا في معضلة مستمرة، هل يمارس ضغطًا يضر بنسيج الحياة والاقتصاد الفلسطيني الأمر الذي يزيد من دخول فلسطينيين في “دائرة الإرهاب”، أو يستمر في سياسة التمييز بين “الإرهابيين” والسكان، وفي الوقت نفسه السياسة لا تتغير.
ورأت الصحيفة في تصريحات نتنياهو بتحميل إيران المسؤولية الكاملة عن الهجمات من الضفة، بأنها غير واقعية جزئيًا، لكن المشكلة العميقة مختلفة بالنسبة للصراع، خاصة وأن معظم منفذي الهجمات التي بدأت في مارس/ آذار 2022، ليس ليس لديهم انتماء تنظيمي ولا خلفية أمنية سابقة، ما يعني من الصعب رؤيتهم كأعضاء في عملية تديرها إيران، وأن الكميات الجنونية للأسلحة والتحريض عبر شبكات التواصل ووجود شباب فقدوا الثقة بالسلطة الفلسطينية المنهارة، جميعها أسباب أدت لتنفيذهم هذه الهجمات.
وتضيف الصحيفة: من دون حل يبدو المستقبل قاتمًا، فتوفير الأمن لأكثر من نصف مليون مستوطن يعيشون بين 3 ملايين فلسطيني مهمة تقترب من المستحيل في الواقع الحالي، حتى ولو تبين أن هذه المرة خلية منظمة من قامت بالهجوم، إلا أنه لا يمكن أن يرمز لهذه الموجة بأنها منظمة، لذلك لا توجد خيارات كثيرة في الوقت الحالي، لا عملية واسعة النطاق ولا عملية لمرة واحدة، وإلى جانب الجهد الدفاعي في المحاور، يجب بذل جهود هجومية منتظمة ومستمرة في كل قطاع، والخطوة المهمة الأخرى هي فصل الطرق المروية بين المستوطنين والفلسطينيين، ووقف تحريض المستوطنين ضد قيادات الجيش.
من جهتها نقلت صحيفة معاريف العبرية، عن مصادر في الائتلاف الحكومي قولها إن السياسية الحالية لن تتغير، ولكن قد يتم تصعيد النشاطات الهجومية للقضاء على الهجمات المتزايدة.
وبحسب تلك المصادر، فإن أي تغيير من السياسات الحالية سيصطدم برفض الجهات الأمنية والجيش وكذلك سيمارس ضغط دولي شديد على إسرائيل، مشيرًا إلى أن السياسة التي سيتم اتباعها هي التفريق بين غالبية السكان الفلسطينيين والمتورطين بـ “الإرهاب”. وفق تعبيرها.
وحول تصريحات الوزيرين المتطرفين بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير حول ضرورة تغيير السياسة المتبعة، قال مصدر سياسي كبير: “هم يتحدثون لقاعدتهما في المستوطنات التي تعيش في حالة ضغط شديد، لكن ما يجري ليس مبرر لتنفيذ خطوات دراماتيكية”.
وأعربت مصادر سياسية رفيعة عن مخاوفها من أن أي تغيير ضد الفلسطينيين وتجاه السلطة سيعني انتفاضة شاملة وتصاعد الهجمات.
وفي تقرير آخر بصحيفة معاريف لمراسلها العسكري تال ليف رام، فإن هذه الفترة من الهجمات سواء سميت موجة أو انتفاضة، فهي آخذة بالتعاظم، وهي سنة الأصعب بلا شك منذ الانتفاضة الثانية قبل نحو عقدين، رغم أنها لا تعبر عن انتفاضة حقيقية.
وأشار تال ليف رام، إلى أن معظم العمليات القاسية في السنوات الأخيرة خرجت من شمال الضفة وخاصة جنين ونابلس، ولكن ميل الهجمات يتسع إلى أرجاء الضفة، وخاصة الخليل التي ينبغي أن تفاجئ جهاز الأمن، حيث وقعت في السنة الأخيرة وبعض السنوات السابقة عمليات قاسية في هذه الجبهة التي تعتبر مركز قوة لحماس.
ولفت إلى أنه في موجة الهجمات 2014- 2015، تميزت بالطعن والدهس، وكانت غالبيتها من قبل فلسطينيين بشكل فردي، لكن الموجة الأخيرة أصبحت فتاكة على نحو خاص بسبب الاستخدام الشائع للأسلحة النارية التي باتت متوفرة بشكل غير مسبوق في كل بيت فلسطيني، إلى جانب التحريض المستمر، والدعم من قبل بعض المنظمات، ما يخلق نتائج قاسية في الميدان، كما أنه يصعب استخباراتيًا إحباط الهجمات بسبب كثرة انتشار السلاح من أكثر من مصر، والدافعية العالية لتنفيذ هجمات، وكلما كان الهجوم فرديًا وأقل تأطيرًا وتنظيميًا فإنه يصعب الوصول لمعلومات ذهبية لإحباطها.
وتجمع الصحيفة في تقريرها، على أنه لا يوجد حل سحري لوقف الهجمات، كما أنه لا يوجد في المنظور القريب أي أفق سياسي، ولذلك يتوقع استمرار الهجمات.
من ناحيتها، قالت صحيفة هآرتس العبرية، أن 80% من منفذي العمليات خرجوا من شمال الضفة الغربية، ولكن الأوضاع تؤشر إلى توسع نطاق الهجمات إلى الخليل وطولكرم، ما سيزيد من حالة التوتر، التي يفاقمها إرهاب المستوطنين، في ظل وجود وزراء وأعضاء كنيست يشجعون علنًا على الهجمات ضد الفلسطينيين والتي تساعد على إشعال النار.
ووفقًا لزعم الصحيفة، فإنه ليست حماس وحدها تحاول إشعال الأوضاع بالضفة وتضخ الأموال لتصل للخلايا المسلحة وحتى لبعض المنفذين المنفردين، بل أيضًا إيران والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، وكثير من اللاعبين في الساحة ممن هم من الخارج من قيادات تلك الفصائل، يهدفون لإشعال النار ضد إسرائيل وكذلك ضعضعة حكم السلطة الفلسطينية، وبالنسبة لهم يكفي نجاح عملية من بين كل بضع عمليات تنفذ.
من ناحيتهاـ، رأت صحيفة يسرائيل هيوم العبرية، أن الوضع لم يعد يحتمل الصبر، وأن الهجمات الفلسطينية – وفق وصفها – باتت مرض عضال لا شفاء له وبأنها ظاهرة طبيعية لا يمكن منعها، معتبرةً أن الحكومة الحالية فشلت في القضاء على “الإرهاب”، ولا يوجد لديها أي خطة أو مقترحات للعمل لوقف هذه الموجة.
واعتبرت أن نتنياهو ووزرائه فقط كانوا ينقلون وعودًا سخيفة ويطلقون تصريحات جوفاء مثل توعدهم باعتقال المنفذين، وكان ذلك سيمنع الهجوم التالي، كما قالت.
وأضافت: على نتنياهو أن يتخذ سياسة توقف حصاد الدماء، لكن يبدو أنه لا توجد سياسية كهذه .. عملية تتلو عملية، في القدس وتل أبيب والضفة، والحكومة تنام على وجهها، ووزراء وأعضاء كنيست يطلقون تصريحات وبيانات واحدة، لكن ما هو مطلوب منهم عمله كأنه ليس من مسؤوليتهم.
ورأت الصحيفة، أنه على الحكومة اليمينية الحالية أن تترك الحكم في حال استمرت بالفشل أمام سلسلة الهجمات ودون أن تحقق نجاحات واضحة أمام “الإرهاب” المتجول بشكل حر في جنين ونابلس وغيرها.