تناولت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، في تقريرٍ لها، الحديث المتزايد حول احتمالات عودة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية. وأكدت الصحيفة أنّ وصوله يثير قلقاً لدى العديد من المسؤولين الأوروبيين بشأن العلاقات مع واشنطن، وتماسك حلف شمال الأطلسي، ومسار الحرب في أوكرانيا.
وجاء تقرير الصحيفة تحت عنوان “في أوروبا، قلّة هم الذين يريدون التحدث عن ترامب الجزء الثاني”، بقلم ستيفن إرلانغر، كبير المراسلين الدبلوماسيين لديها في أوروبا.
وأشار تقرير الصحيفة إلى أنّ المناقشات بين القادة الأوروبيين حول إمكانية عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تتكثّف مؤخراً، كما يُعتبر احتمال ترشيح الحزب الجمهوري للرئيس الأسبق للرئاسة، موضوعاً رئيسياً للنقاش الخاص في أوروبا، لافتاً إلى أنّه بالنسبة لمعظم الحكومات الأوروبية، “مِن المزعج للغاية التفكير في الأمر”.
عودة ترامب أمرٌ مرعب لأوروبا
وأورد التقرير حديثاً للدبلوماسي في الاتحاد الأوروبي، والذي سيدير معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية قريباً، ستيفن إيفرتس، قال فيه عن احتمال عودة ترامب رئيساً، إنّه “أمرٌ مرعب بعض الشيء، لكنّنا الآن مضطرون لمواجهة سؤال بشأن عودة ترامب مرةً أخرى”.
وأضاف إيفرتس أنّه بالنظر إلى الدور الهائل الذي تلعبه الولايات المتحدة في الأمن الأوروبي، “يتعين علينا الآن أن نفكر مرةً أخرى بشأن ما تعنيه عودة ترامب بالنسبة لسياستنا وللدفاع الأوروبي ولأوكرانيا نفسها”.
كما أجرت الصحيفة أيضاً مقابلةً مع المسؤول الحكومي الألماني السابق، توماس كلاين-بروكهوف، والعامل حالياً مع صندوق “مارشال” الألماني في فرعه في برلين، وهو مركز الأبحاث والمؤسّسة الأميركية المانحة، وأكّد فيها أنّ عهد ترامب الثاني “سيكون مختلفاً عن الأول، وأسوأ بكثير”، مُشيراً إلى أنّ ترامب “غاضب الآن، ولديه خبرة أكبر، ويعرف ما يجب أن يسحبه”.
ولفتت “نيويورك تايمز” إلى تصاعد الحديث بشأن تقدم ترامب نحو البيت الأبيض، وذلك على الرغم من هجوم السادس من كانون ثاني/يناير 2021 على مبنى “الكابيتول”، الذي قام به أنصاره، ومحاولته لقلب نتائج انتخابات 2020، إلى جانب التشكيك بنتئاجها، وقرارات الاتهام المختلفة التي واجهها ويواجهها.
وذكّرت الصحيفة بتهديدات ترامب، التي أطلقها خلال فترة رئاسته، بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وحديثه بإعجاب عن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ووقف المساعدات الأميركية عن أوكرانيا، مُشيرةً إلى أنّ ذلك كان موضوع أول محاكمة له، بالإضافة إلى أوامره بانسحاب الآلاف مِن أفراد القوات الأميركية المتواجدة في ألمانيا، وهي الخطوة التي ألغاها فيما بعد سلفه، جو بايدن.
عودة ترامب تهديد لوجود “الناتو”
من جهته، أشار السفير الأميركي السابق لدى حلف “الناتو”، إيفو دالدر، في حديثٍ للصحيفة، إلى أنّ “حلف الناتو ليس التزاماً بمعاهدة إنشائِه بقدر ما هو التزامٌ بالثقة”، مُذكّراً بالشكوك التي أثارها ترامب حول تماسك الحلف، في فترة ولايته الأولى، ومُشدّداً على أنّ عودته كرئيس “قد تعني نهاية التحالف”.
وأوضح دالدر أنّه لمس في محادثاته مع الأوروبيين، أنّهم “قلقون للغاية بشأن انتخابات 2024 الأميركية، وكيف ستؤثر على التحالفات مع الولايات المتحدة”، مضيفاً أنّ هذا “هو السؤال الوحيد المطروح حالياً”.
كما شدّد المسؤول الدفاعي الألماني السابق، جان تيشاو، والعامل حالياً في مجموعة “أوراسيا”، على أنّ قيام الولايات المتحدة بإدارة ظهرها سيؤدي إلى “مشكلةٍ وجودية” لأوروبا، مُشيراً إلى أنّ ذلك، إن حدث حينها، فسيكون في وقتٍ “تعمل فيه كل من الصين وروسيا بشغف على تعميق الانقسام” بين واشنطن وبروكسل.
وتطرّق تيشاو إلى تصورات وطموحات كلٍ من ألمانيا وفرنسا المختلفة داخل الاتحاد الأوروبي، والتي ستتزايد وتتضح في “غياب المشاركة الأميركية”، وذلك في فترةٍ رئاسية ثانية لترامب، ينفّذ فيها تهديداته، حيث سيكون هناك “تدافع مدمر على النفوذ”، حسبما قال تيشاو.
وتحدّث مُعد التقرير في “نيويورك تايمز” إلى مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، توماس غومارت، الذي قال إنّ عودة ترامب “يمكن أن تكون صدمةً كبيرة للأوروبيين”.
وسيعني فوز ترامب، حسب غومارت، دعماً أميركياً أقل لأوكرانيا، والمزيد من الضغط عليها للتسوية، بالإضافة إلى الضغط على الأوروبيين للتعامل مع الرئيس الروسي بأنفسهم، مشدّداً على أنّ ” هذا هو ما لسنا مستعدين للقيام به”.
ويُتوقّع أنّ فوز ترامب قد يبثّ حياةً جديدة في القوى اليمينية المناهضة للديمقراطية في أوروبا، كما فصّل المحلل الفرنسي في معهد “مونتين” البحثي، دومينيك مويسي، والذي قال للصحيفة الأميركية إنّ ولاية ترامب الثانية ستكون “كارثية بالنسبة لمواجهة أوروبا للشعبوية واليمين المتطرف”.
وتتعزّز مخاوف الأوروبيين انطلاقاً من أنّ “ترامب لا يمكن التنبؤ به لدرجة غير مريحة للجميع”، وذلك بحسب ما صرّح به للصحيفة، ميشال بارانوفسكي، العضو في صندوق “مارشال” الألماني.