قدم الرئيس شي جين بينغ اقتراحا من ثلاث نقاط خلال الاجتماع مع الرئيس عباس في بكين حزيران 2023. كما أكد شي مجددا استعداد الصين “للعب دور إيجابي” لدفع محادثات السلام بشأن القضية الفلسطينية. ويدعو الاقتراح إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وزيادة التنمية والمساعدات الإنسانية للفلسطينيين، كما ناقش حشد الدعم الدولي لفلسطين للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة. يأتي ذلك وسط ديناميكيات جيوسياسية متغيرة في الشرق الأوسط بعد اتفاق توسطت فيه الصين أعاد العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، بعد سبع سنوات من العداء، ووافقت المملكة العربية السعودية وسوريا على استعادة العلاقات الدبلوماسية بعد عقد من الزمان.
اقترحت الصين مبادرات ونظمت محادثات سلام بشأن القضية الفلسطينية عدة مرات خلال فترة ولاية شي، لكن دون نتائج ملموسة. عام 2002، عينت الصين مبعوثا خاصا, وعام 2013، اقترح شي مبادرة سلام من 4 نقاط للرئيس عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ودعت المبادرة إلى “حل الدولتين”، ووقف الأنشطة الاستيطانية في الأراضي المحتلة، وتنسيق الجهود الدولية لحل الصراع. تم توسيع الاقتراح في عام 2017 خلال زيارة عباس الأخيرة، مع الدعوة إلى حوار ثلاثي مع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، ودعم التنمية الفلسطينية من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تهدف إلى زيادة الترابط من خلال جلب رأس المال والعمالة مع الحكومات الشريكة لتنفيذ مشاريع البنية التحتية مثل المطارات والطرق والموانئ والسكك الحديدية والاتصالات السلكية واللاسلكية.
فاجأ دور الصين الأخير في المنطقة، خاصة بين السعودية وإيران، العديد من الأنظمة وفي مقدمتها قوة الاحتلال الإسرائيلي وامريكا. وفي الوقت نفسه، يتوجه نتنياهو لزيارة الصين وفي ضوء كل هذه التطورات، تمضي الصين قدما نحو تعزيز علاقاتها العربية من خلال دفع آفاق المستقبل الاستراتيجي الصيني العربي المشترك، وتثير الصين اليوم الاهتمام بشأن دورها في الشرق الأوسط وفي تسوية قضية فلسطين.
======
يدرك الرئيس الفلسطيني جيدا أهمية التوازن في العلاقات الدولية وخطر ترك فراغ، وتأتي هذه الحكمة بعد تجارب عديدة مع الأنظمة العربية والأجنبية، عمل الرئيس أبو مازن على حشد الدعم العالمي لتعزيز الموقف الفلسطيني في الساحة الدولية بعد الفراغ الذي خلفته الإدارات الأمريكية. يحتاج الفلسطينيون إلى حلفاء أكثر من أي وقت مضى، فمنذ عهد ترامب ثم بايدن، تراجع الدور الأمريكي الفعلي في دفع عملية السلام، وتحول الدور الأمريكي علنا من الميسر إلى فرض الحقائق على الأرض عبر مسار اقتصادي تحت مظلة اتفاقيات إبراهيم. لا نقلل من شأن دور واشنطن المهم في صنع السلام، ولكن يجب أن يكون هناك طرف آخر لضمان عدم استمرار الوضع الراهن الذي يعززه الدعم الأمريكي الأعمى لإسرائيل لتعزيز الاحتلال المطول والاستيطان الاستعماري للأراضي الفلسطينية المحتلة.
تتمتع القيادة الفلسطينية بعلاقة قوية مع الصين منذ عقود، وهناك عمق في العلاقات الفلسطينية الصينية، حيث كانت بكين مؤيدا قويا لحقوق الفلسطينيين في تقرير المصير، وكانت أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية. وفي ظل تراجع الدور الأميركي الحقيقي في المنطقة، فإن الصين مستعدة للاستثمار مع العرب، على عكس الأميركيين، الذين يقترحون حلولا للاستثمار في المال العربي! أعلنت بكين استعدادها لتسهيل محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، في الماضي أعلنت الصين استعدادها لكنها لم تكن جريئة بما يكفي للعمل، لقد تغير الزمن مع التحولات الديموغرافية في المنطقة. نجحت الصين في كسب القبول العربي بعد جهودها الناجحة لرعاية التقارب الإيراني السعودي. لقد تقدمت العلاقات الصينية السعودية كثيرا لدرجة أنه تم توقيع شراكات وعقود اقتصادية بمليارات الدولارات. تريد الصين تعزيز علاقاتها مع العالم العربي، والسعودية في الطليعة، وتتفهم موقف المملكة مقارنة بالدول الأخرى التي انجرفت وراء التطبيع، على عكس السعودية التي لا تزال متمسكة بمبادرة السلام العربية التي طرحتها منذ عام 2002.
بدأت العلاقات الدبلوماسية الصينية الإسرائيلية في عام 1992 عندما اعترفت ببعضها البعض رسميا، وجاءت العلاقات الثنائية على حساب التركيز على تسوية الصراع، عندما يتعلق الأمر بالعلاقات التجارية، فإن إسرائيل أكثر قيمة بكثير من فلسطين، التجارة الصينية الإسرائيلية أكبر 35 مرة من علاقات الصين التجارية مع الفلسطينيين، حيث تجاوزت صادرات إسرائيل إلى الصين أربعة مليارات دولار وتجاوزت صادرات الصين إلى إسرائيل 16 مليار دولار، نمت تجارة الصين مع الضفة الغربية وغزة من 89 مليون دولار في عام 2000 إلى 344 مليون دولار في عام 2020 (صندوق النقد الدولي)، وبلغت الصادرات الصينية إلى فلسطين 248 مليون دولار والصادرات الفلسطينية إلى الصين 337 الف دولار. في حين أن الاستثمارات الصينية مع الإسرائيليين أكبر 40 مرة من الاستثمارات مع الفلسطينيين; 4.1 مليار دولار مع إسرائيل مقابل 102 مليون دولار مع البنك الدولي وغزة.
إن سجل الصين في الأمم المتحدة في دعم الحقوق الفلسطينية يكاد يكون مثاليا. ولكن على الرغم من أن الصين عضو دائم في مجلس الأمن، فإن موقفها لم ينفذ. في عام 2015، يجب علينا ان نذكر أن بكين أرسلت طلبا إلى مواطنيها وعمالها المهاجرين إلى إسرائيل بعدم العمل في المستوطنات! شيء لم تتم الإشارة إليه لاحقا.
في عالم براغماتي هناك مجال لتعدد الأقطاب من خلال العلاقات الاقتصادية الدولية وبناء الشراكات من أجل التنمية والأمن والتكنولوجيا التي ستحد من هيمنة الولايات المتحدة. تنظر الشعوب العربية إلى الصين ودول البريكس كمنفذ جديد وتأمل في لعب دور حقيقي في القضية الفلسطينية. لم تُخفِ بكين حماسها في عام 2020 تجاه اتفاقيات التطبيع مع الإمارات والبحرين، وتعلن الصين مرة أخرى دعمها للدولة والحقوق الفلسطينية، وسيستمر القادة الفلسطينيون والصينيون في الإشادة بالعلاقة التاريخية. ولكن عندما يتعلق الأمر بالممارسة، فإن ذلك لا يكفي لتغيير سلوك الصين تجاه الدولة ما لم يقترن بانفراجة كبيرة قد تأتي على شكل علاقات مفاجئة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، والتي على عكس الاتفاقات السابقة ستجلب الفلسطينيين على الطاولة، ومع تزايد وضعها الحالي كقوة صاعدة في المنطقة، فإن الصين في وضع جيد للتوسط في هذه الصفقة الكبرى على أساس مبادرة السلام العربية التي جاءت في نفس العام مع مبادرة الـ 4 نقاط الصينية.
– دلال عريقات: أستاذ مساعد في الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.