كتب: أكرم عطالله
كفلسطيني سأكون مخادعاً لو أبديت أي قدر من التعاطف لما تتعرض له، بل سأكون أكثر صراحة وأقول إنني أتابع بقدر من الاهتمام لأن صدفة الأقدار شاءت أن تضعك بنفس المكان الذي كنته، ولسوء حظك أنك كنت في المكان الآخر الذي تتظاهر ضده ويتعامل معك باحتقار واستعلاء.
يدهشني أنك تندهش من تعامل الحكومة والائتلاف معك كيساري محتقر، وكأن هذه ممارسة غريبة لم يتم استخدامها في التعامل مع العرب.
أكاد أسمع صراخك العالي المنبعث من أرصفة كابلان المليئة بالبشر بما تعتبرونهم حقوقاً طبيعية بحياة ديمقراطية ومساواة، وأسمع تصريحات الحكومة التي تدير ظهرها وتمضي للأمام في النيل من الديمقراطية حيث لا ترى إلا نفسها ولا تسمع إلا صوتها. هذا الواقع عاشه ويعيشه الفلسطيني.
أنت من أقام الدولة، وأنت من لا يزال عماد الجيش والشرطة والقضاء المستهدف وأنت من قام بالسيطرة على شعب آخر والتنكر لحقوقه واستخدام القوة لقمع مطالبه بحياة كريمة وديمقراطية وعادلة.
يدور التاريخ لتشرب من نفس الكأس، ويهمني هنا أن تفكر عسى أن تلك اللحظة تضيف لوعيك شيئاً ما كان خافياً في ذروة قوتك ونشوة سلطتك قبل أن تجد نفسك فجأة مواطناً من الدرجة الثانية.
هل جربت المياه العادمة والرائحة الكريهة جداً ؟ ماذا فعلت تلك المياه بجينز الليفايس وتي شيرتات البولو وجاكيت هيوغو بوس وكل البراندات التي يرتديها ابن تل أبيب ؟
هل غطى عطر «سافاج ديور» رائحة المجاري على شعرك ؟ الفلسطيني لا يتظاهر بماركات عالمية ليس بسبب فقره الذي أنتجه احتلالكم الطويل، ولكنه أصبح صاحب خبرة امتدت لعقود في المطالبات بحقوقه وفي التعرض للمياه العادمة والرصاص أيضاً.
لأول مرة ترى خيل الشرطة الأسود العالي المخيف عن قرب إذا ما دهسك، أنت تعرف الخيل فقط في نزهات أحراش الكرمل في عطلة السبت. هل عرفت أنه كان يستخدم لعشرات السنين ضد العرب الفلسطينيين؟.
أحببت أن يفتح هذا الخيل صندوق عقلك الأسود الذي ظل مظلماً يرى تفوق اليهودي على الفلسطيني لدرجة أعطى نفسه رخصة دائمة للسيطرة عليه.
فتش في زوايا ثقافتك وقوميتك علك تجد أساساً ومرجعاً أيدلوجياً لما يحدث لديكم، هي الثقافة التي تنتج ممارستها السياسية.
ومثير أن تظاهراتك للحفاظ على إسرائيل دولة علمانية في حين أن أساسها ديني وقوميتها دينية وتعاملها مع العرب من منطلقات دينية وترفض السلام والانسحاب من الضفة لأسباب دينية باعتبارها مسرح التوراة وتتحدث عن دولة علمانية. هل تصدق نفسك ؟
أدرك أنك لم تفكر بكل هذا سابقاً وأنت ثمل بنشوة انتصارات العلمانية في الداخل وعلى المحيط وبالسيف الذي لم تغمده «شيق كان اللقاء بين نتنياهو ورئيس الأركان هرتسي هليفي، الأخير يقول إن الجيش تتراجع كفاءته لقتال العرب واحتلال الفلسطينيين، ونتنياهو يطالبه بإعلان كفاءته لضمان الاحتلال وقتال الفلسطينيين، وأنت تريدها دولة سوية وديمقراطية. بربك هل هذا نقاش يحدث في دول ديمقراطية، الديمقراطية لا تتجزأ صديقي العلماني، وثقافة التمييز والاحتقار لا حدود لها. فهي كالدودة ما أن تنتهي من هدفها الأول حتى تزحف لتنهش الثاني.
الدودة لديكم تنهش الفلسطيني بلا توقف، احتلال ومياه عادمة وخيول سوداء ورصاص للأبد، وهي ضدكم الآن، هل فكرت في الفلسطيني وبتاريخك ومواقفك ؟ هل من لحظة تأمل في كابلان تجاه من يتعرض منذ عقود لما تتعرض له في أشهرك الأخيرة ؟ هل أنت قلق على ديمقراطيتك ؟ على حريتك ؟ وماذا عن الفلسطيني ؟ هل فكرت بذلك ؟ هل ستنهي اعتصامك في كابلان وتذهب بعدها لأداء خدمتك العسكرية في الضفة على الحواجز ؟ وتفكر بالحرية والديمقراطية ؟ هكذا ترى نفسك سوياً ومتصالحاً مع ذاتك؟.
تقاتل في الشوارع وتتحمل مياه المجاري والضرب أحياناً، ومستعد للبقاء على مدار العام لتحقيق ديمقراطية لليهود وماذا عن الفلسطينيين ؟ هل فكرت في ذلك ؟ أحياناً نحتاج إلى صدمة كبيرة للإفاقة لتعيد لنا الوعي، هل حدثت هذه الصدمة لديك أم ستنجز مهمتك في انتزاع حقوقك من اليمين الديني لتتفرغ للاستعلاء والتمييز واحتلال الفلسطيني واستمرار مصادرة حقوقه ؟
أيها العلماني قد أصدمك إذا قلت لك إن الثقافة مثل هرم بورخوف وهو مفكر يهودي: إما تتماثل وتتكامل أو لا بالكامل، هي ليست انتقائية إما أن تكون إنسانية شاملة وإما أن تكون غير إنسانية، ومحاولتك للترقيع لن يكتب لها النجاح إلا حين تحدد في أي موقع أنت، الاحتلال حالة دكتاتورية مظلمة فإما أن تكون ديمقراطياً كاملاً وإما أن تتوقف عن التظاهر بادعاء الحرص على الديمقراطية، إلا إذا كنت تؤمن بأن الديمقراطية لليهود وأن العربي الفلسطيني ليس إنساناً وله ذيل ومتوحش كما صورت لك المناهج الدراسية «العلمانية» التي تدافع عنها، حينها يمكن لك أن تستمر بالتظاهر ولكن عليك أن تعرف أن بن غفير ليس طارئاً على مجتمعك، وأن سموتريتش ليس مستورداً من ثقافات أخرى، دقق في برنامجه وارجع لتصريح حوارة وقارن مع الكتب لتعرف من أين جاء بكل هذا، وأن مي غولان ليست نبتة شيطانية فهم ضدك وضد الفلسطيني هل اكتشفت ذلك ؟ اقرأ أول من أمس مقال إيهود باراك، الجنرال الذي يحاول متأخراً الخروج من متاهته.
*****
ملاحظة: هذا المقال ليس موجهاً للقراء الفلسطينيين والعرب بل لليهودي العلماني وجاءت فكرة كتابته بعد أن زارني الصحافي المحترم ميرون ربابوت المتصالح مع نفسه بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية والذي انضم لطرح المفكر الفلسطيني سعيد زيداني «دولتان في وطن واحد» للتداول في الفكرة ليفاجئني بنماذج ترجمات بعض ما أكتب في الشأن الإسرائيلي في «الأيام» وتنشر بالعبرية في إسرائيل «واي نت» و «منتدى التفكير الإقليمي». رأيتها فرصة إذا ما سمح بترجمة هذا المقال لمخاطبة الإسرائيلي العلماني المشوّه بشكل مباشر والذي يطالب بديمقراطية وهو شريك بالاحتلال ….لعلّ اللحظة في كابلان أحدثت صدمة الإفاقة ……!