لكي نبعد قليلا عن السياسة الفلسطينية التي تغم البال ، اخترت في هذه المعادلة اغنية من اغاني الثورة القديمة التي تشرح القلب ، كنا نواظب على سماعها قبل خمسين سنة و أكثر ، قبل وصول الكهرباء الى بيتنا وحيّنا و مخيمنا ، من خلال “راديو أبو بطاريات” فتشحننا بفرح و تمعن و جمال و استمتاع و تأثر ومعنويات عالية ، و أظن ان الغالبية العظمى من أبناء الشعب كانت تستمع الى مثل هذه الأغنيات و تتأثر بها و بوقعها ، فما بالكم بالسياسيين و العاملين في الشأن ، و ما أكثرهم اليوم مقارنة بأيام زمان ، و ما أكثر وسائلهم الإعلامية مقارنة بـ “راديو أبو بطاريات” ، و ساءلت نفسي : لماذا لا يستمع سياسيونا اليوم الى مثل هذه الأغنيات ، واذا استمعوا ، لماذا لا يتوقفوا ولو قليلا عند كلماتها ، ليجدوا فيها ضالتهم و هدايتهم .
“طل سلاحي من جراحي يا ثورتنا طل سلاحي
ولا يمكن قوه في الدنيا تنزع من ايدي سلاحي”
ليس مهما هنا نوع السلاح الذي يختلف عليه البعض مع البعض الآخر ، بل المكان الذي يطل منه هذا السلاح ، و هو الجرح ، جرحنا كلنا ، و هذا السلاح الذي مكمنه جرحنا لا يمكن لأحد انتزاعه من أيدينا ، فالجرح هنا لا يقتصر على أحد دون الآخر ، فالأم التي ثكلت ولدها مجروحة و من جرحها يطل سلاحها ، والابن الذي تيتم – بالاستشهاد او المؤبد – مجروح و من جرحه يطل سلاحه ، والزوجة و الأخ والاخت و العم و الخال و الجار و الجارة ، كلهم عندهم جرح ومن هذا الجرح يطل سلاحا ماضيا .
“دربي مر ، دربك مر ، ادعس فوق ضلوعي ومر” ، ترى ، لمن كان هذا الشاعر يوجه كلامه ، لماذا لا يعترف الأخضر والاصفر و بقية الفصائل ، ان الدرب مر و عسير ، لماذا لا يعترف “السلامي” ان دربه عسير و مر بدرجة لا تقل ابدا عن درب المواجهة و المقاومة . في الماضي لربما ان هذا لم تكن تروق له هذه الأغنيات ، بل لربما لم يكن ليستمع اليها و لا للاغنيات عموما من باب انها حرام شرعا ، لكنهم اليوم يقومون ببثها في تلفزيونهم صوتا و صورة ، و هذا تقدم يسجل له و لمسيرة النضال عموما ، و لسلاح الاغنية و الكلمة و اللحن على وجه الخصوص .
أما ذاك فعليه ان لا يعين نفسه وصيا على النضال و شكله ، يستطيع هو ان يقرر شكل النضال الذي يوائمه و يلائمه ، دون ان يفرض على الآخرين أشكال نضالهم و مقاومتهم للمحتل الذي ما زال يحتل ارضهم و يمعن في عذابهم ، و يثخن في جراحهم ، فتطل منها أسلحتهم التي يرونها مناسبة لمناهضته . لماذا كل هذه المكابرة و هذا الخلاف و التشتت ، لطالما ان دروبنا مرة “دربي مر و دربك مر” ، و عندما ندرك ما ادركه هذا الشاعر الفذ – صلاح الدين الحسيني – ستصبح الدرب اقل مرارة حين يكرس هذا لذاك جرحه جسرا للعبور او المرور : “اصعد فوق ضلوعي و مر” . و هذا بحد ذاته جزء مهم من سلاح الجراح .