قال المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان إن حكومة الاحتلال الاسرائيلي توفر الغطاء لإرهاب المستوطنين، فيما يمنح وزير الامن الداخلي ايتمار بن غفير المستوطنين مرتكبي الجرائم الارهابية شهادات تقدير.
وجاءت الأحداث الأخيرة في قرية برقة بمحافظة رام الله والبيرة لتفتح على نطاق أوسع ملف الارهاب اليهودي الذي يتخذ من المستوطنات بشكل عام ومن البؤر الاستيطانية المحيطة بها بشكل خاص، ملاذات آمنة تحت سمع وبصر كل من القيادة السياسية في دولة الاحتلال وقيادة الجيش.
ففي الرابع من آب الجاري اقتحم مستوطنون مسلحون القرية من الناحية الغربية والشمالية الغربية، وجلبوا معهم عددا من المواشي، في مؤشر على نيتهم الاستيلاء على أراض في تلك المنطقة لإقامة ما بات يعرف في لغة حكومة الاحتلال ولغة المستوطنين “مستوطنة رعوية”.
وجاء هؤلاء المستوطنون من البؤرتين الاستيطانيتين “عوز تسيون” و “رمات ميغرون” القريبتين، فتصدى لهم الأهالي دفاعا عن اراضيهم وقريتهم وارتقى في المواجهة قصي جمال معطان (19 عاما) برصاص أحد الارهابيين من ذوي السوابق الاجرامية يدعى اليشا بارد.
وانقسم الرأي في دولة الاحتلال في الموقف من الممارسات الارهابية ل “شبية التلال” و “تدفيع الثمن”، ففي الحكومة لاذ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالصمت، فيما غرق سموتريتش وزير المالية ووزير الاستيطان في وزارة الجيش، في وحل عنصريته بتجميد مخصصات السلطات المحلية العربية داخل الخط الأخضر ومخصصات التعليم العالي في مؤسسات القدس الشرقية التعليمية، أما ايتمار بن غفير فقد تبنى ذلك العمل الارهابي، زاعما أن الفلسطينيين “مثيرو الشغب” رجموا المستوطنين “الأبرياء” بالحجارة، فردوا عليهم بالضغط على الزناد، ولم يكتف بن غفير بالمطالبة بالافراج عن الذين تم اعتقالهم من الارهابيين، بل دعا الى منح القاتل “وسام تقدير”.
وفي اوساط المعارضة الصهيونية، كما في أوساط الجيش وجهاز “الشباك” كانت ردود الفعل مختلفة، فقد وصف بيني غانتس زعيم ما يسمى “المعسكر الوطني” الحدث بأنه إرهاب قومي يهودي خطير، وأضاف: “أمامنا إرهاب قومي يهودي خطير.. إحراق منازل ومركبات وإطلاق نار والعديد من الحوادث، وما جرى في برقة ينضم لسلسلة أحداث وقعت مؤخرًا، وفي الحقيقة هناك أعضاء من الحكومة والائتلاف يدعمون هؤلاء المتطرفين، وهذه وصمة عار لن تمحى وتشكل خطرًا على صورتنا وعلى أمننا”.
ومثله فعل زعيم المعارضة يائير لابيد، كما في قيادة الجيش وقيادة المنطقة الوسطى في الضفة الغربية وفي جهاز الشاباك، غير ان ما يلفت النظر في موقف هؤلاء جميعا هو الإطار الذي وضعت فيه صورة هذا الارهاب اليهودي في برقة، كما في غيرها من بلدات وقرى الريف الفلسطيني على أيدي منظمات ترفض دولة الاحتلال بسلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية تصنيفها كمنظمات ارهابية.
فهذه الاعمال الارهابية ليست مرفوضة من حيث المبدأ، بقدر ما هي مرفوضة لأنها تشكل “خطرا على صورة اسرائيل وعلى أمتهم أمام الرأي العام الأميركي بشكل خاص والدولي بشكل عام.
والارهابي اليشا بارد هو أحد قادة “زعران التلال” وناشط خطير خدم كمسؤول في حزب القوة اليهودية الذي يتزعمه الفاشي بن غفير، وعمل بضعة أشهر مديرًا لمكتب عضو الكنيست عن حزب بن غفير، المتطرفة ليمور سون هار ميليخ التي تولت هي الأخرى الدفاع عن جريمته أمام وسائل الاعلام، ثم غادر وانتقل للعمل الميداني يقود زعران شبيبة التلال في اعتداءاتهم على الفلسطينيين واراضيهم وممتلكاتهم، وهو يعيش في بؤرة “رمات ميغرون” وشارك في العديد من الهجمات ضد الفلسطينيين في الآونة الأخيرة، وصنفته القناة 14 اليمينية كواحد من بين 75 شابًا واعدًا في إسرائيل.
ولهذه البؤر سجل ارهابي حافل، ليس في محافظة رام الله والبيرة فقط، بل وفي مختلف المحافظات في الضفة الغربية، والأمثلة على ذلك كثيرة، ففي حزيران 2022 اقتحمت مجموعة من “شبيبة التلال” أراضي خاصة لسكان من قرية إسكاكا في محافظة سلفيت، وبدأت في تنظيف الأرض تمهيداً لإقامة بؤرة استيطانية، وعندما حاول سكان القرية طردهم قام أحد المستوطنين بطعن المواطن الفلسطيني علي حرب (27 عاما) حتى الموت، وفي أحد أيام السبت في شباط 2023، وصلت مجموعة من هؤلاء الارهابيين من مزرعة “يئير” إلى موقع بناء في قرية قراوة بني حسان، واعتدت على العمال، وتصدى لهم المواطنون ورشقوهم بالحجارة وفي المواجهة أطلقت النار على مثقال ريان (27 عاما) وأصيب برأسه من مسافة 30 متراً واستشهد متأثرا بجراحه.
ويجري كل هذا في ظل انتشار واسع للسلاح في المستوطنات بعد ان دعا وزير الأمن القومي بن غفير، في حزيران الماضي الى زيادة عدد المواطنين الإسرائيليين الذين يسمح لهم باستصدار رخصة لحمل السلاح، بما في ذلك النساء في المستوطنات.
فبعد ان كان بأيديهم عام 2021 نحو 150 الف قطعة سلاح، ارتفع العدد في ظل الحكومة الحالية بضغط وتحريض من سموتريتش وبن غفير الى نحو 165 الفا منتصف العام الحالي.
ويأتي الارتفاع في معدلات الحصول على رخصة لحمل السلاح في صفوف الإسرائيليين عامة والنساء اليهوديات خاصة، في ظل الادعاء بانعدام الأمن وتصاعد أعمال المقاومة الفلسطينية خاصة في مناطق الضفة الغربية بما فيها القدس، وفقا لمزاعم إذاعة جيش الاحتلال، حيث أفادت تلك الاذاعة بأن عدد النساء اليهوديات اللواتي حصلن على رخصة حمل سلاح ارتفع بنسبة 88% منذ بداية الحالي 2023، علما أن قرابة نصف النساء اللواتي تم تسليحهن يعشن في المستوطنات بالضفة الغربية، وبحسب المعلومات المتوفرة، فإنه منذ ولاية الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو، فإن 510 نساء حصلن على رخص لحمل السلاح، مقابل 270 امرأة حصلن على ذلك في ذات الفترة من العام 2022 وأن من بين الـ 510 اللواتي حصلن على رخص لحمل السلاح 42% يقطن في المستوطنات في الضفة الغربية.
وظهر هذا العام على نحو صارخ نمط جديد من النشاطات الاستيطانية التي ترعاها دولة الاحتلال، فقد سجل عام 2023 زخما غير مسبوق في بناء البؤر الاستيطانية غير القانونية شأنها كشأن المستوطنات بشكل عام، وكانت ظاهرة انتشار البؤر الاستيطانية قد بدأت إثر دعوة أرئيل شارون وزير الطاقة والبنية التحتية في حكومة نتنياهو الاولى المستوطنين المتطرفين لاحتلال التلال والمرتفعات الفلسطينية حيث قال في حينه: “يجب على كل شخص أن يتحرك وأن ينتزع المزيد من التلال ويوسع المنطقة.. كل ما يتم السيطرة عليه سيكون بين أيدينا، عدا ذلك سيكون في أيديهم (أي الفلسطينيين)”، وكان ذلك بمثابة الضوء الأخضر لتأسيس تنظيم ارهابي متطرف أصبح يعرف ب”شبيبة التلال”.
وحتى العام 2015 كان عددها وفق تقديرات المكتب الوطني للدفاع عن الارض نحو 116 بؤرة استيطانية منها 40 بؤرة في محافظة نابلس و 25 بؤرة في محافظة رام الله والبيرة و 15 في محافظة القدس و 20 في محافظة بيت لحم و 22 في محافظة الخليل، أما الباقي فقد تناثر على مختلف المحافظات في الضفة الغربية، وفي العام 2022 تجاوز العدد 200 بؤرة استيطانية بتركيز على المحافظات المذكورة.
وجديد هذه البؤر أن الادارة المدنية للاحتلال بدأت وبتوجيه من حكومة اليمين تضفي الشرعية على عدد منها، من “جفعات أرنون” و”جفعات هرئيل” و”جيفعات هروعيه” و”حومش” و”أفيتار” في محافظة نابلس، الى و”أفيجايل” و”عشهال” و”بني كيدم” حيث يقيم عضو الكنيست من حزب “الصهيونية المتدينة” المتطرف سيمحا روتمان، رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست، في محافظة الخليل، و”ملاخيه هشالوم” على أراضي قرية المغير شرق رام الله، و”بيت حجلة” في أريحا، و”متسبيه يهودا” في القدس، و”سدي بوعز” في محافظة بيت لحم، وذلك من أصل 77 بؤرة استيطانية، طالب بن غفير بإضفاء الشرعية عليها.
فمنذ بداية العام جرى شرعنة 22 مستوطنة اعتُبرت في السابق بؤرا استيطانية غير قانونية، فخلال الأشهر السبعة من العام جرى إضفاء شرعية احتلالية على عدد أكبر من البؤر الاستيطانية مقارنة بالسنوات الماضية بأكملها، وذلك تحت ضغط شديد من الوزيرين سموتريش وبن غفير، كما تلقت أربع من أصل 22 مستوطنة أقرتها الحكومة الحالية تصاريح تخطيط بأثر رجعي من الإدارة المدنية، بعد أن تم بالفعل البناء غير القانوني.
وتتوزع هذه البؤر الاستيطانية على مساحات واسعة من الأراضي المصنفة (ج) بين امتداد لمستوطنات قائمة وبين ما بات يعرف بالبؤر الاستيطانية الرعوية التي باتت توصف باعتبارها التجلي الأكبر للنشاط الاستيطاني الجاري في جبال وتلال الضفة الغربية، وهذه المزارع الاستيطانية التي اخترعها المستوطنون للاستيلاء على المناطق (ج) يقف خلفها مبدأ بسيط هو: القليل من المستوطنين على الكثير من الأرض، وتأمين إقامة أسرة أو مجموعة شبان في مكان استراتيجي ورعي الأغنام ووضع حدود لتلك الأراضي.
وفي الواقع لا يوجد عدد دقيق لتلك المزارع الرعوية الاستيطانية، لكن التقديرات تشير بأن هناك العشرات من هذه المزارع، وبسببها تعاظمت المواجهات بين المستوطنين والفلسطينيين لأن سكان هذا النموذج من البؤر الاستيطانية تحول بفعل القائمين عليها الى بؤر خطيرة للإرهاب.
وتسير سياسة التوسع في إقامة البؤر الاستيطانية جنبا الى جنب مع سياسة تطهير عرقي تجري بتسارع في المناطق المصنفة (ج) في الضفة الغربية، خاصة بعد أن تولى سموتريتش ملف الاستيطان في الادارة المدنية، فوفقا لمعطيات عرضتها هذه الادارة في الجلسة الأخيرة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست يتبين ان سلطات الاحتلال رفضت 95 بالمئة من طلبات تصاريح البناء في هذه المناطق وبأنه على مدى السنوات العشرين الماضية كان متوسط منح تصاريح بناء فيها أقل من عشرة تصاريح في السنة في منطقة يعيش فيها 300 الف مواطن فلسطيني، في وقت هدمت فيه سلطات الجيش نحو 800 بيتا ومنشأة فلسطينية مقابل نحو 88 في البؤر الاستيطانية المحيطة بالمستوطنات بين عامي 2022 والنصف الاول من عام 2023.
وتركز سياسة التطهير العرقي التي تمارسها سلطات الاحتلال على مناطق التجمعات البدوية، مستخدمة منظمات الارهاب اليهودي من “شبيبة التلال” و”تدفيع الثمن” أداة رئيسية من أدواتها، فخلال الاسبوع الماضي أجبر تجمع القبون البدوي الى الشرق من رام الله على الرحيل عن منازلهم، كما حصل مع التجمع البدوي في عين سامية قبل اسابيع وتجمع بدوي في المعرجات وأخر في مسافر يطا، أي أن هذا هو التجمع الفلسطيني الرابع الذي يتم تهجيره بسبب اعتداءات وتهديدات متكررة من جانب المستوطنين.
وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة قد أشار إلى أن الفلسطينيين تعرضوا خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2023 الى نحو 600 اعتداء على ايدي المستوطنين، ما أسفر عن سقوط ضحايا بينهم أو إلحاق الأضرار بممتلكاتهم أو كلا الأمرين معاً، وكان للتجمعات البدوية نصيب كبير اسفر عن تهجير نحو 400 فلسطيني بينهم 224 طفلا و 175 امرأة على امتداد العام 2022 والنصف الاول من العام 2023.
على صعيد آخر، وفي مجال البنى التحتية التي تخدم حركة المستوطنين، تضغط وزيرة المواصلات والنقل الليكودية اليمينية المتطرفة ميري ريغيف في اتجاه تسريع إنجاز وتشغيل عدد من الطرق الالتفافية وتعتبرها في صدر اولويات كل من الوزارة والحكومة.
وفي هذا الصدد، انجزت وزارتها سبعة مشاريع خاصة بالشوارع الاستيطانية باستثمارات إجمالية قدرها 64.2 مليون شيكل، وتعمل هذه الوزارة على تنفيذ 12 مشروعاً باستثمارات إجمالية قدرها 164.2 مليون شيكل، هذا الى جانب 11 مشروعاً استيطانياً قيد التخطيط، بتكلفة 570 مليون شيكل.
وترى ريغيف ان وزارتها معنية بانجاز المزيد من الشوارع الالتفافية الاستيطانية التي تعبر الضفة الغربية من شمالها إلى جنوبها، بميزانية تتجاوز مليار ونصف المليار دولار، ومن بين الطرق التي يجري عمل حثيث لإنجازها، التفافي حوّارة الذي يعتبر الأكثر أهمية لحماية المستوطنين وتأمين تنقلهم الى جانب تقاطع “الشرطة البريطانية” و”شاعر بنيامين” ضمن الطريق 60 الذي تخطط الوزارة لتشغيله في أوائل العام 2024، الى جانب التفافي العروب بمسارَين من القدس إلى الخليل وصولاً لمستوطنة “كريات أربع”، والتفافي آخر حول بلدة اللبن الغربية بتكلفة 120 مليون شيكل، وفق ما اتفقت عليه ريغف مع يوسي دغان رئيس المجلس الاستيطاني في شمال الضفة الغربية.
وتطلق ريغف على ما يجري بثورة في المواصلات على طرق المستوطنين في الضفة الغربية، وتؤكد أنها سموتريتش قد اتفقا على تخصيص ميزانية تتجاوز حدودها ستة مليارات شيكل لتطوير شبكة الطرق الاستيطانية في الضفة الغربية خاصة تلك التي توفر للمستوطنين حركة سريعة دون حاجة للمرور في مناطق سكنية مأهولة بالفلسطينيين.
وتبقى الأغوار الفلسطينية، كما القدس في عداد اولويات السياسة الاستيطانية الاستعمارية لحكومة اليمين المتطرف، التي تخطط وتنفذ وتوفر كل الوسائل المتاحة للمنظمات والجمعيات والحركات الاستيطانية في تكامل جهد واضح.
والحركات النسائية في صفوف المستوطنين لها ايضا دور وهي تلقى الدعم والتشجيع من الحكومة ومن مجالس المستوطنات، وتعمل “حركة السيادة” جنبا الى جنب مع الحكومة ومجلس المستوطنات لاقامة مشاريع استيطانية في الأغوار الفلسطينية، وتدعو هي الاخرى لفرض السيادة الاسرائيلية على الأغوار والتسريع في إقامة مشاريع استيطانية تشمل مجمع فنادق في الجزء الشمالي من البحر الميت ومطار دولي تحت سيادة اسرائيلية مع السماح للفلسطينيين في الضفة الغربية باستخدامه للسفر الى الخارج بدلاً من التوجه للأردن، مع إبقاء الطرق المؤدية إلى معبر الكرامة مفتوحة ونقل إدارة “قصر اليهود” من الإدارة المدنية إلى جهة تجارية تطور في الخدمة المقدمة نحو الافضل، إضافة إلى إنشاء مدينة سياحية أخرى بالقرب من الحدود الأردنية تكون نقطة التقاء لرجال الأعمال من إسرائيل والأردن ودول الخليج وتكون معفاة من الضرائب كما هو الحال في إيلات.
وتحظى هذه الخطة بدعم العشرات من أعضاء الكنيست الذين ينتمون للائتلاف الحكومي وحتى من المعارضة وقد شارك في إعدادها كوبي إليزار، الذي كان مستشارًا لشؤون المستوطنات لأربعة وزراء لجيش الاحتلال، والمحامي عيران بن آري، الخبير في الأراضي والقانون في الضفة الغربية.
ويعتقد معدو الخطة أن تنفيذها يتطلب أولاً فرض السيادة الإسرائيلية على الأغوار الفلسطينية، باستثناء مدينة أريحا والعوجا وطوباس، ومنح “الإقامة في إسرائيل” لسكان البلدات والقرى التي تدخل في اطار المشروع، على غرار مكانة الفلسطينيين في مدينة القدس.