لنجازف منذ البداية وقبل الخوض في الإجابة على السؤال/ العنوان بالقول: لا شيء تغير ولن يتغير. ربما يصلح هنا الإتكاء على المأثور الشعبي: المكتوب يقرأ من عنوانه، والعنوان كان يقول ان الإجتماع بترتيباته وظروف انعقاده وإدارة السلطة لظهرها في وجه دعوات تهيئة الظروف لنجاحة، وأهمها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، نقول لكل ذلك كان العنوان واضحاً: حفلة خطابات مكرورة وممجوجة من التنظيمات الملتفة حول سلطة أوسلو، ومن معارضي تلك السلطة، كنا نعرف بالمجمل ماذا سيقول كل خطاب، ولذلك نقول مكرورة وممجوجة، لا حوار لا من قريب أو بعيد، تاكيد شرعية مطعون بها لمؤسستي السلطة والمنظمة. ويقرأ من عنوانه أيضاً بالقرار الصادر عنه: تشكيل لجنة. حتى بيان لم يصدر.
لم يتغير شيء. سيبقى فريق اوسلو عند موقفه باستجداء التفاوض مع الصهاينة، عبر الأمريكان، فهذا خياره أولاً وأخيراً، مع علمه ان الحكومات المتعاقبة للصهاينة لا تريد التفاوض معه بقدر ما تريد شطب الشعب الفلسطيني من الوجود، وابتلاع أرضه وتهويدها تماماً، وإن لم يقل هذا علانية سوى صريحو الصهيونية الفاشية التي تمثلها الحكومة الحالية، وإن كانت حكوماتهم المتعاقبة تسعى لتطبيقه بمختلف السبل والوسائل.
لم يتغير شيء. بقي فريق أوسلو عند موقفه بالدعوة للمقاومة السلمية التي تعني دون مواربة الرفض المطلق للمقاومة المسلحة، والتي يتم الإساءة لها والسخرية منها ومن مقاتليها باستخدام توصيفات من نوع (الطكخيخة) و(الصواريخ العبثية)، وترديد مقولة (السلاح الواحد)، والتي لا تعني سوى الحملة ضد المقاومين وسلاحهم.
لم يتغير شيء. بقي رهان فريق أوسلو، وكانسجام مع منهجه، باتجاه المعسكر العربي الرسمي، على الأقل بعض أفرقائه، معسكر يغرق أطرافه بشكل متزايد في التطبيع الذي وصل حد التعاون العسكري والاستخباري.
لم يتغير شيء. بقي الاعتقال السياسي للعشرات قائم وممارس ولسان حال فريق أوسلو يقول لمن اجتمعوا: جئتم واجتمعتم معنا ضمن هذا الواقع وهذا لن يتغير.
لا أعتقد ان هناك مَنْ يرى في الدعوة لتشكيل لجنة، كما أعلن الاجتماع، لبحث القضايا المختلف عليها اي تطور جديد، او تطور يوحي بمصداقة، أو جدية سيتمخض عنها كلجنة حلول ما للأزمة، سواء أزمة شطب المنظمة ومؤسساتها لصالح فريق أوسلو، أم أزمة برنامج الدولتين، المسمى زوراً البرنامج الوطني، الذي يخسر يوماً بعد يوم الملتفين حوله كبرنامج وهدف، أم أزمة الانقسام الذي أحدثه فريق أوسلو قبل 30 عاماً عندما وقع اتفاق الكارثة الوطنية/ اتفاق أوسلو، أم أزمة قمع الحريات والاعتقال السياسي والارتهان الاقتصادي للصهاينة، ربما هناك مَنْ يتمتع بملكة التتبع الاستقصائي المكثف ليكشف لنا عدد اللجان التي تم تشكيلها منذ الانقسام الفلسطيني حتى اليوم فتمخضت عن لا شيء.
على المقلب الآخر فالقوى المقاومة دفعت ثمن منشاركتها في مسرحية الاجتماع. لحست موقفها من قضية الاعتقال السياسي، ويصعب عليها تبررير موقفها من حوارها مع مَنْ يعتقل كادراتها ومناضليها المقاومين والنشطاء. إن كل متابع للكتابات على شبكة التواصل الاجتماعي يلحظ حجم الغضب لدى المحسوبين على تلك القوى، وكأنهم جميعاً اتفقوا على أسئلة محددة يوجهونها لفصائلهم قبل الاجتماع: لماذا ستذهبون، وبعد الاجتماع: لماذا ذهبتم أصلاً؟ وتلك أسئلة حارة تفتح المجال لتخمينات وإجابات وتحليلات، صحيح أن بعضها صبياني ومراهق ويقع في باب المزاودة السياسية، ولكنها بذات الوقت تعكس حجم الرفض لخيار قوى المقاومة بالذهاب للاجتماع.
ولن يتغير شيء. سيظل فريق أوسلو، وهو ذاته فريق المنظمة، يسعى ما أمكنه للعودة للتفاوض البائس معتمداً على وضع اوراقه كلها في سلة ( الوسيط الأمريكي والأوربي) كما فعل دائماً، وكما فشل دائماً، وليس هذا لأن لا خيار آخر، فالمقاومة اليومية بكافة أشكالها، ومحور المقاومنة المتشكل عربياً وإقليمياً، وتضعضع مكانة ونفوذ الامبريالية الأمريكية في المنطقة، وأزمة الكيان الصهيوني المتصاعدة، وانهزام عقيدته العسكرية الهجومية واندحارها في لبنان وغزة وجنين، كل ذلك يعزز ويزكي خيار المقاومة، ويطرحه بقوة، وفريق اوسلو يقرأ ذلك ولا شك، ولكنه يفتقد للإرادة أولاً، ويمثل نخبة طبقية ترى في الارتباط بمشروع التسوية الأوسلوي مصلحتها الاولى التي لا تتنازل عنها، إن هذا الارتباط هو مبرر وجودها ولن تتنازل عنه.
بالمقابل لن يتغير شيء على محور ونهج المقاومة. سيستمر في تهيئة كل ما يلزم للمعارك القادمة، والمعركة الفاصلة مع كيان يترنح منذ سنوات تحت ضربات المقاومة المتتالية والمتصاعدة، سيستمر شعبنا بفعاليات المقاومة، وبكافة الاشكال التي يرتئيها ويختبرها بنفسه، وسيستمر يحقق على الأرض الوحدة الميدانية للمقاومين من كافة الفصائل والاتجاهات فهي ما ثبت مصداقيتها وفعاليتها وعبر النضال الدموي اليومي في جنين كما في القطاع كما في نابلس والقدس وكل مواقع المواجهة اليومية..