توصّل تحقيق لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي أن المكتب نفسه تعاقد مع شركة خاصة، لشراء أداة تجسس من صنع شركة القرصنة الإسرائيلية “NSO” المثيرة للجدل، بحسب ما أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، يوم الإثنين 31 يوليو/تموز 2023.
التحقيقات بدأت عقب نشر صحيفة “نيويورك تايمز” مقالاً في أبريل/نيسان الماضي، ذكرت فيه أن شركة خاصة تعاقدت مع الحكومة الأمريكية لشراء أداة تجسس من صنع شركة القرصنة الإسرائيلية، وقال البيت الأبيض آنذاك إنه “لا علم له بهذا العقد”.
في ذلك الحين، وجّه البيت الأبيض تعليمات لمكتب التحقيقات الفيدرالي بالتوصل للجهة التي تستخدم هذه الأداة، وبعد إجراء مكتب التحقيقات الفيدرالي لتحقيق، كشف على الأقل جزءاً من الإجابة؛ أن هذه الجهة هي مكتب التحقيقات الفيدرالي نفسه، وفق “نيويورك تايمز”.
شركة على القائمة السوداء
وفق التحقيقات، فإن صفقة أداة المراقبة جرت بين الشركة المتعاقدة ريفا Riva Networks وشركة NSO في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021. وقبلها بأيام فقط، وضعت إدارة جو بايدن شركة NSO على القائمة السوداء لوزارة التجارة، وهذا الإجراء يحظر على الشركات الأمريكية التعامل معها.
والأداة المقصودة، المعروفة باسم Landmark، مكّنت مسؤولين حكوميين من مراقبة أشخاص في المكسيك دون علمهم أو موافقتهم.
لكن مكتب التحقيقات الفيدرالي يقول الآن إنه استخدم هذه الأداة عن غير قصد وإن شركة ريفا ضللت المكتب. وفور أن اكتشف المكتب في أواخر أبريل/نيسان الماضي أن ريفا استخدمت أداة التجسس من نفسها، أنهى كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، العقد، وفقاً لمسؤولين أمريكيين.
مع ذلك، تبقى تساؤلات كثيرة؛ لماذا استعان مكتب التحقيقات الفيدرالي بهذه الشركة- التي سمح لها مسبقاً بشراء أداة NSO مختلفة تحت اسم مستعار- في عمليات جمع معلومات حساسة خارج الولايات المتحدة؟ ولماذا كانت الرقابة عليها محدودة على ما يبدو؟
ولا يُعرف أيضاً ما هي الهيئات الحكومية الأخرى، إن وجدت، التي ربما عملت مع شركة ريفا لاستخدام أداة التجسس في المكسيك.
في السياق، قال شخصان على دراية مباشرة بالعقد إن أرقام هواتف محمولة في المكسيك كانت مستهدفة طوال عامي 2021 و2022 وحتى هذا العام- أي أطول بكثير من الفترة التي قال مكتب التحقيقات الفيدرالي إن الأداة اُستخدمت خلالها.
ويوضح هذا الحادث أيضاً أنه حتى في الوقت الذي يحاول فيه البيت الأبيض اتخاذ إجراءات صارمة مع شركات التجسس الأجنبية، لا تزال شركة NSO تجد طرقاً لكسب المال من أدواتها.
ولم ترد شركة “ريفا” ورئيسها التنفيذي، روبن غامبل، على عدة طلبات للتعليق على اتهامات مكتب التحقيقات الفيدرالي، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.
التجسس على الهواتف المحمولة
وفقاً لعدد من المسؤولين الأمريكيين، فقد استعان مكتب التحقيقات الفيدرالي بشركة ريفا ومقرها نيوجيرسي لمساعدته في تعقب مهربي المخدرات والهاربين في المكسيك؛ لأن الشركة كانت قادرة على استغلال ثغرات شبكات الهواتف المحمولة في البلاد لتعقب الهواتف المحمولة سراً.
من جانبه، قال أحد كبار المسؤولين في مكتب التحقيقات الفيدرالي إنه في أوائل عام 2021، أعطى المكتب لشركة “ريفا” عدة أرقام هواتف في المكسيك لاستهدافها في إطار برنامجه للقبض على الهاربين.
وقال المسؤول، الذي تحدث للصحيفة ذاتها شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشته تفاصيل حساسة، إن المكتب كان يتصور أن “ريفا” تستخدم أداة تحديد مواقع جغرافية محلية.
ولكن في التحقيق الذي أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد مقالة “نيويورك تايمز”، وجد أنه في وقت ما من عام 2021، بدأت ريفا في استخدام Landmark، أداة NSO، دون إبلاغ المكتب.
وقال المسؤول إن ريفا جددت عقدها مع شركة NSO في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021 دون إخبار مكتب التحقيقات الفيدرالي.
أضاف المسؤول أن المكتب كان قد أبلغ الشركات المتعاقد معها، بما يشمل ريفا، بأنه ليس مسموحاً لها باستخدام منتجات NSO عام 2021، مشيراً إلى أن مكتب التحقيقات الفدرالي لم تصله أي بيانات من أداة Landmark، على الأقل بناءً على ما أبلغت به شركة “ريفا” المكتب.
“لحماية الأمريكيين”
بدوره، قال مكتب التحقيقات الفيدرالي في بيان: “جزء من مهمتنا يتمثل في تحديد مكان الهاربين المتهمين في المحاكم الأمريكية بجرائم العنف وتهريب المخدرات في أنحاء العالم. ولتحقيق ذلك، يتعاقد مكتب التحقيقات الفيدرالي من حين لآخر مع الشركات التي يمكنها تقديم المساعدة التكنولوجية لتحديد مكان هؤلاء الهاربين في الخارج”.
أضاف البيان: “مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يستخدم برامج تجسس تجارية أجنبية في هذه المهمات أو في أي عمليات أخرى. وهذه الأداة الخاصة بتحديد الموقع الجغرافي لم توفر لمكتب التحقيقات الفيدرالي المرور إلى أي جهاز أو هاتف أو حاسوب فعلي. وسنواصل الاستخدام القانوني للأدوات المصرح بها لحماية الأمريكيين وتقديم المجرمين إلى العدالة”.
بدوره، قال مسؤول كبير في البيت الأبيض لصحيفة “نيويورك تايمز” إنه نظراً لأن أداة Landmark منتج من منتجات شركة NSO، يُحظر استخدامها على الحكومة بموجب أمر تنفيذي جديد يمنع الهيئات الفيدرالية من استخدام أدوات التجسس التي تصنعها بعض شركات القرصنة الأجنبية.
لكنّ المسؤولين الأمريكيين يقولون إن استخدام الحكومة لأدوات تحديد الموقع الجغرافي بشكل عام لا ينتهك هذا الأمر التنفيذي