كتب: د. جهاد عبد الكريم ملكة
لم يكن يوم أمس يوماً عادياً في حياة الشعب الفلسطيني، بل كان يوماً مشهوداً ومليئاً بالأحداث المتلاحقة ومليئاً بالمفاجئات التي لم تخطر على بال احد، فالحدث الأول كان عادي ومكرر ألف مرة، وهو مسلسل “المصالحة” الذي أصبح مملل ولا يحضره اي مشاهد، ولا يحضره إلا سوى العشرة ممثلين الذين يمثلوه، والمخرج العتيق، فيتضاحكون ويتمتعون بأجواء الرحلة “السياحية السياسية”، ويلتقطون الصور الفردية ثم الصورة الجماعية مع المخرج العتيق، ثم يخرجون “البيان الباهت”، ويعلنون عن تشكيل لجنة لتضاف لألاف اللجان التي تشكلت في تاريخ الشعب الفلسطيني ولم تخرج بشيء حتى الآن، او ربما أنها في طور التشكيل إلى يوم القيامة.
وما أن انتهت الفصائل من “رحلتها السياحية السياسية”، إلا وجاءت الصفعة لهم جميعاً، ولحركة حماس بالخصوص كونها من يستفرد بحكم قطاع غزة، بشباب في مقتبل العمر، ولدوا في الانقسام وتربوا في أجواء حالة التشرذم السياسي والفقر الحقيقي، خرجوا هؤلاء الشبان بأعداد كبيرة فاقت عشرات الالاف ليقولوا بصوت عالي: بدنا نعيش، وبدنا كرامة، وبدنا إنهاء الانقسام وبدنا كهربا، وبدنا الفصائل ترحل عنا.
للوهلة الأولى، أصيبت حركة حماس بالصدمة، على الرغم بأن دعوات التظاهر والنزول بتاريخ 30/7 كانت معلنة منذ أكثر من عشرة أيام، إلا ان تقديرات حماس كانت تقول بأنه لن يخرج أحد، بل واصبحوا “المشايخ” يتبادلون النكات فيما بينهم حول حراك بدنا ويستهزؤون بمن يسأل عن هذا الحراك، ويصفونه بأنه حراك “اجندات”، وحراك “عملاء”، وحراك “مشبوه”، وحراك تديره “المقاطعة”، و”مخابرات رام الله”، وهذا غير صحيح خاااالص، فهؤلاء الشبان ليس لهم اجندات إلا أجندة “رغيف الخبز” لأنهم بكل بساطة جوعى!….
ثم ماذا بعد الصدمة الأولى، حاولت حماس استخدام أسلوب قديم كانت تستخدمه دائما لعله ينجح في حرف المسار، وهو اسلوب ” سرقة الحراك” ، وذلك عبر إدخال مجموعات منهم، بمن يطلقون عليهم “أشبال المساجد”، يحملون رايات حركة حماس وتصحبهم سيارة “الفلكس القديمة” التي تحمل سماعات كبيرة وبداخلها إذاعة تقوم ببث الأغاني “الحماسية”، اي اغاني واناشيد حركة حماس، يدخلون في وسط جموع المتظاهرين، ويرفعون الأعلام الخضراء، ليوحوا للناس بأن هذه المسيرة تتبع لحركة حماس وان المشاركين في هذا الحراك هم من حماس، وذلك كي يخاف شباب الحراك وينفضوا دون ان يشعر بهم أحد، لكن هذه الحيلة لم تنفع لسببين” السبب الأول ان اعداد شباب “حراك بدنا نعيش” كبيرا جدا وبالألاف وهو عدد غير مسبوق، واعداد “أشبال المساجد” قليل جدا، لا يغطي المسيرات الضخمة، والسبب الثاني ان لعبتهم هذه أصبحت معروفة ومكشوفة لدى كل الشعب الفلسطيني عامة ولدى شباب الحراك خاصة ولذلك لم يتفرقوا شباب الحراك واستمروا في مسيرتهم.
استنفرت حماس كل طاقتها، من أمن وأجهزة مختلفة، وكلا بدء بعمله، فكتبتهم بدأوا بنشر المنشيتات القديمة وقصص ” الاجندات” والعمالة وال..الخ الخ الخ، والذباب الإلكتروني بدء بمهاجمة الصفحات التي تتشر اخبار الحراك، والامن ومساعديهم بدء بملاحقة الشباب المنتفض بالعصي والهروات ومنهم من اعتلى أسطح المنازل وبدء برشق الناس التي بالشوارع بالحجارة، وأصيب العشرات جراء هذا القمع، ولم يكتفوا بذلك، بل ذهب بعضهم واعتقلوا المصابين من داخل المستشفيات.
ساعات قليلة لكنها مرت ثقيلة على حركة حماس، وكانت رسالة واضحة لحكام غزة منذ 16 عام أن جيلا جديدا قد ولد في ظل الانقسام كسر حاجز الخوف وخرج ليوصل رسالته بأن عصر السكوت قد مضى وان القمع والأساليب القديمة لن تنفع معه وأن التغيير حتمي، والمطلوب هو عتقهم من هذا الحكم، لذلك فإنني اسجل بعض الملاحظات السريعة على ما حدث يوم أمس:
أولا/ يجب عدم ربط صراخ من يُطالب بالخبز ورفع الضرائب والكهرباء والمياه بالتآمر والاندساس ثم اتهامهم أنهم يتبعون إلى جهات سياسية أخرى، ويجب الاستماع لهم وتلبية حاجاتهم بدلا من ضربهم وقمعهم لأن القمع سينتج مزيدًا من العنف والعنف المضاد وسندخل في دوامة الحرب الأهلية لا سمح الله.
ثانيا/ لا يجب على حركة حماس ان تعتبر ان الذي يخرج ليُعبّر عن رأيه ويُطالب بأمور حياتية أو نقابية أو حتى سياسية، لا يجوز اعتبار صراخه هو صراخ ضد المقاومة، وان تعتبرهم خارجين عن الصف الوطني بل يجب ان تخرج من هذه الهواجس وتستمع للناس وتلبى مطالبهم، وإن لم تستطع عليها، فتترك حكم ولتتنحى جانبا وتعيد الأمانة الى الشعب عبر صندوق الانتخابات الذي أتى بها.
ثالثا/ أي تظاهرات سواء كانت ذات طابع مطلبي أو نقابي أو حتى ذات طابع سياسي فهي ليست جريمة حتى لو طالبت بتغيير النظام السياسي كله من خلال المسيرات والإضرابات والبيانات والمقالات، فهي شرعية وحق للناس وكفله الدستور والقانون، لذلك فإن مواجهة تلك المطالب لا تتم من خلال مواجهة من يطالبون فيها بل تتم من خلال ترتيبات سياسية واقتصادية، ولا توجد خصوصية لأي نظام سياسي حتى لو كان يحمل صفة المقاومة.
رابعا/ ما تقوم به الفصائل الفلسطينية من سلوك سياسي يؤدي إلى مزيدا من الانقسام هو عبث ومهزلة ويجب عليهم التقاط اللحظة وإلا سيصبحون خارج التغطية وخارج حسابات الشعب الفلسطيني، ولأن السياسة لا تقبل الفراغ، فإن وجوه جديدة ستنشأ لتقود الحالة الجديدة وستصبح هذه الفصائل نسيا منسياً.
خامسا/ حركة فتح ليست بأحسن حال من حركة حماس، وعليها احتضان أبنائها في غزة وإعادة حقوقهم التي سلبتها الحكومات السابقة كالتقاعد القسري وتفريغات 2005 والترقيات وغيرها من الكثير من القضايا التي حصلت نتيجة الانقسام البغيض ونتيجة التمييز الجغرافي المستمر منذ اكثر من 16 سنة.
تنويه خاص: قناة الجزيرة غطت حراك بدنا نعيش بخبر مقلوب بأن حماس هي من خرجت للتظاهر ضد الحصار، في عالم الجزيرة الافتراضي تجدون قطاع غزة آخر ليس كالقطاع الذي يعرفه كل العالم، فعلا اللي اختشوا ماتوا.