كتب: رجب أبو سرية
للوهلة الأولى، أثارت زيارة الرئيس محمود عباس إلى أنقرة اهتمام المراقبين، كونها تزامنت مع زيارة مرتقبة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للعاصمة التركية، وفتحت الباب بالتالي لتخميناتهم حول مغزى ذلك التزامن، وإن كان الهدف لدى الرئيس التركي هو «تمرير» استقباله لنتنياهو، على شعبه وحلفائه من الإسلاميين المقاومين، نقصد «حماس» على وجه الخصوص، لكن ذلك الاحتمال تبدد حين اضطر نتنياهو إلى تأجيل زيارته لتركيا التي كانت مقررة يوم الثلاثاء الماضي، أي قبل لقاء الرئيس عباس بالرئيس التركي رجب الطيب أردوغان بيوم واحد، وذلك بسبب ما انتابه من اضطراب في نبض القلب، ادخله للمستشفى، أو إن كان يعود ذلك إلى تدخل تركي لتقريب وجهات النظر بين حركتي فتح وحماس عشية عقد لقاء الأمناء العامين في القاهرة المقرر يومي غد السبت وبعد غد الأحد.
وحقيقة الأمر، أن زيارة الرئيس عباس لأنقرة، لم تكن استجابة لمحاولة تركية لإحداث اختراق في الملف الفلسطيني/الإسرائيلي يعلي من قدر تركيا في نظر العالم، ولا حتى لتعبيد الطريق أمام اجتماع الأمناء العامين في القاهرة، بل جاء وفق ما تضمنه الوفد من مرافقي الرئيس، ومن بينهم د. محمد مصطفى عضو اللجنة التنفيذية، الذي يتولى مسؤولية ملف الاقتصاد الذي تزداد أهميته لدى القيادة الفلسطينية مع مرور الأيام، خاصة بعد الإعلان عن الاتفاق الثلاثي باستخراج غاز مارين الفلسطيني، قبل أسابيع، وهذا يعني بأن فلسطين تسعى منذ وقت لتوسيع دائرة التبادل التجاري مع الدول على طريق فك ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، كما أن الزيارة تأتي ضمن سلسلة زيارات يقوم بها الرئيس منذ فترة لدول مهمة على الصعيدين الدولي والإقليمي، وذلك لأن إسرائيل في محاولتها لإحباط طموح الاستقلال الفلسطيني، تسعى دائما لفرض العزلة السياسية على القيادة الفلسطينية.
مع ذلك فقد كانت زيارة الرئيس لأنقرة مناسبة للقاء قيادة حماس بمن فيهم رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، وهذا يعني زيادة فرص نجاح اجتماع القاهرة، خاصة وأن الرئيس الذي لا يعتبر طرفا أو رأس فصيل، رغم رئاسته لحركة فتح، وهذا يمنح الاجتماع حرية خاصة للفصائل لتتفق وتتوافق، ويخرج السلطة من حسابات ذلك الاجتماع، خاصة وأن الرئيس هو من دعا لعقد هذا الاجتماع مطلع هذا الشهر، إبان اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلية لمدينة ومخيم جنين الباسلة، ومعروف بأن الأمناء العامين للفصائل هم أعلى سلطة حزبية، وما يتفقون عليه يعني وحدة ميدانية، تعيد الاعتبار لما كنا نسميه بالجبهة الوطنية المتحدة، والتي عادة ما تكون بين أحزاب وقوى تحارب الاحتلال الأجنبي.
أي أن الأمناء العامين تقع عليهم مسؤولية، إدارة جبهة المقاومة، وإطلاق قوى شعبنا ميدانيا للتصدي لاجتياحات جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه، وليس من مهمتهم البحث في إدارة الشأن الداخلي، أي تفاصيل عمل سلطتي فتح في الضفة الفلسطينية وحماس في قطاع غزة، وهذا ما يعني بأن دعوة الرئيس كانت بمثابة الرد الحقيقي على العدوان الإسرائيلي على جنين، كذلك الرد العملي والفعلي والحقيقي على تطرف الحكومة الإسرائيلية. ورغم أن هذه الهيئة تعتبر أعلى هيئة سياسية فلسطينية، وتوازي اللجنة التنفيذية لـ «م ت ف»، وقد جاء تشكيلها ضمن سياق اتفاقات المصالحة وإنهاء الانقسام، كهيئة تدير الشأن السياسي العام خلال المرحلة الانتقالية، وذلك تمهيدا لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، التي كان يفترض إجراؤها قبل سنوات، إلا أنها لم تجتمع سوى مرة واحدة في بيروت _ حسب علمنا_ قبل عدة سنوات، لكن اجتماعها مهم لأنه ليس لقاء ثنائيا، ولا بين الوفود التي عادة ما تحتاج للعودة من أجل القرار لمراجعها الحزبية.
ومع أهمية اجتماع الأمناء العامين، ورغم أنهم يمثلون قمة هرم أحزابهم، إلا أن تجربة لقاءات واجتماعات المصالحة وإنهاء الانقسام، أبعدت كثيراً التفاؤل عن أنوفنا، بل إن الاهتمام العام بها لم يعد يلحظ، ورغم هذا فإن الواجب الوطني يحتم على الضمير الفلسطيني أن يضغط باتجاه أن يخرج هذا الاجتماع بما من شأنه أن يضع خطة أو آلية مؤكدة لإنهاء الانقسام، ولا نقول ذلك من باب التمني أو التذكير بأن الظروف تغيرت، ولم يعد هناك سوى حقيقة نشوء قوة ارتبط وجودها بالانقسام، تحول دونه، مع أن الظروف المحلية والإقليمية صارت أكثر دفعا وضغطا على الجميع وطرفي الانقسام بشكل خاص، ولم تعد هناك حتى المبررات التي كان يسوقها طرف غزة، الخاصة بالتفاوض مع الإسرائيليين الذي لم يعد موجوداً منذ تسع سنوات، كذلك لم يعد هناك تنسيق امني، بل إن جنين ونابلس تقول بأن السلطة لم تمنع الظاهرة المسلحة من النشوء والظهور فيهما.
وحقيقة الأمر، بأن الفصائل كلها موجودة في غزة، ورغم ذلك لا تتدخل في إدارة حماس للقطاع، ومثل هذا الأمر يمكن أن يحدث في الضفة الفلسطينية، أي أن تترك إدارة الشأن المحلي لسلطة فتح، فيما تتفق الفصائل بأمنائها العامين على مثل ما تقيمه في قطاع غزة، مما يسمى الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة، وقد أعلن عضو مكتب سياسي حماس حسام بدران أول أمس بعد لقاء الرئيس عباس، إسماعيل هنية، بأن حركته أكدت خلال اللقاء على أن المقاومة الشاملة، أي متعددة الأشكال، هي السبيل الأنجح لمواجهة الاحتلال، وهذا مصطلح قريب مما ظلت تقول به فتح والرئيس عباس شخصياً، نعني المقاومة الشعبية.
الغريب في الأمر هو أن لقاء الرئيس عباس قيادة حماس في تركيا جاء بناء على طلب من حماس نفسها، وفق ما قال الأخ عزام الأحمد، وقد يعود ذلك إلى أن حماس تحاول أن تظهر كعامل وحدة، على أن تكون تلك الوحدة مقتصرة على الضفة الفلسطينية، أي وحدة ميدانية، خاصة بعد أن ظهر الخلاف بين فتح والجهاد في جنين، وبعد أن اشترط أمين عام الجهاد لحضوره اجتماع القاهرة، إطلاق السلطة سراح من قال بأنها اعتقلتهم من مجاهدي حركته، فيما الشارع الفلسطيني يأمل بالطبع أن يمتد بساط الوحدة الداخلية ليشمل جناحي الوطن، أي الضفة والقطاع بالأساس، مع أهمية الوحدة الميدانية في مواجهة الاحتلال في القدس والضفة، وذلك أمر يمكنه أن يتحقق، بشيء من المرونة، في مفهوم الوحدة، أي يمكن ترك التفاصيل الميدانية الخاصة_كما أشرنا بإدارة الشأن العام الحكومي_ لسلطتي فتح وحماس، فيما تدار المواجهة بقيادة فصائلية من هذا الإطار بالتحديد، مستعينا بلجان اختصاص، وهناك ما هو جديد ويغري حماس بالتقدم نحو إنهاء الانقسام، ونعني بذلك حديث استخراج الغاز، الذي لن يكون بمقدورها أن تأخذ حصة منه، إلا عبر إنهاء الانقسام، لأن الحقل خارج حدود سيطرة «القسام» الميدانية.
هكذا يمكن أن تتحقق الوحدة بين جناحي الوطن، وذلك بحكومة وحدة وطنية، تدير المعابر الخارجية، كذلك القطاعات الرئيسية بمركزية ما، فيما تمنح الإدارة المحلية اكبر قدر ممكن من السلطة الذاتية، وكما أشرنا أعلاه، يتوجب على الفصائل أن لا تميز بين حماس وفتح، وما دامت هي تقبل سلطة حماس وإدارتها للشأن العام في قطاع غزة، فعليها أن تقبل سلطة فتح وإدارتها للضفة الفلسطينية، وبذلك يصبح بصراحة كاملة، الاتفاق على إدارة الشأن العام، أو آلية وشكل ومضمون إنهاء الانقسام، ووحدة سلطتي غزة والضفة، شأناً ثنائياً بين حركتي فتح وحماس، بحيث يمكن أن تتوافقا على أن تبقى إدارة كل منهما ميدانياً وبالتفاصيل حيث هي حالياً، مع إعلان وحدة خارجية، تخرج غزة من سطوة الحصار، وتعزز من مكانة السلطة، كسلطة تمثل الكل الفلسطيني، شعبياً وفصائلياً، والأهم تمثل الوطن بجناحيه.