كتب: مروان اميل طوباسي
قبل استعراض أستحقاقات نجاح لقاء الأمناء العامين بالقاهرة ، من الضرورة الاشارة الى ما يجري بدولة الاحتلال وانعكاساته على واقعنا ومستقبلنا وكفاحنا الوطني .
فبغض النظر عن تباين الاجتهادات حول الشكل والنتيجة الذي ستذهب اليه الأزمة البنيوية والتصدع الحاصل بدولة الاحتلال الأستيطاني الأحلالي ، ومدى تاثير جهات دولية في محاولة حصر ذلك وتحديدا من الولايات المتحدة بتقديم صفقات جديدة بالمنطقة . فأن نتنياهو لم يبدأ بالأنقلاب الفاشي في الأشهر الستة الماضية ، لقد بدأ بذلك بشكل واضح في فترة اتفاق أوسلو كزعيم للمعارضة ، بأفعال ومواقف أدت إلى اغتيال رابين انذاك ، لقد كانت تلك مجرد بداية العملية التي استندت الى مواقف العصابات الصهيونية ومعلميها الاوائل ، والتي يستمر بها اليوم والتي لن يكون هنالك نهاية قريبة لها ، وهو يريد إنهاء النظام الذي أتى برابين إلى السلطة ، كما ويريد القضاء على فرصة ظهور رابين آخر حتى لا يظهر شريك محتمل للتسوية والسلام مع شعبنا . فلم يكن يغئال عمير القاتل قد نشأء وحيدا ، لقد خرج من داخل معسكر أيديولوجي ينتمي نتنياهو وأفراد حكومته وقطيعه اليه وغيره من الاحزاب الصهيونية ايضا التي لا تستوعب بعد فكرة السلام وانهاء الأحتلال . فمنذ الاغتيال نمت الفاشية الإسرائيلية بشكل أكثر قوة ووضوحا . حيث لم يعد هناك حاجة لاخفائها من وجهة نظرهم في غياب المحاسبة والعقاب الدولي في ظل النظام الدولي القائم ، فلم يعد هنالك حاجة لقاتل جديد فقد اصبح القاتل اليوم هو حكومة الأحتلال نفسها وقطيع نتنياهو . إنهم من يغتال “الديمقراطية الإسرائيلية” التي يعتقد العلمانين والليبرالين بها بنظامهم ، دون ان يقتنعوا بان القاتل الأساسي للديمقراطية اليهودية التي يدّعون بها هو استمرار جوهر نظامهم الأستعماري واستمرار الأحتلال الأحلالي واضطهاد شعبنا الفلسطيني وتغليب التمييز العنصري والهوية الدينية ، وهي اسباب تشكل البيئة المناسبة لنمو الفاشية .
ولحين إمكانية قناعة هؤلاء المتظاهرين الذين يشكلون ما يقارب من نصف مجتمعم ضد انقلاب نتنياهو وحكومته الفاشية الدينية بذلك ، سيكون نتنياهو وليفين وبن غفير وسموتريتش ومعسكرهم قد نفذوا مكونات الانقلاب الأخرى للأطاحة بالنخبة السياسية من الصهيونية العلمانية الغربية التي استطاعت السيطرة على مفاصل نظامهم ودولتهم العميقة منذ النشأة التي ارتبطت بقيم ومفاهيم مع الغرب الأستعماري على حساب الشرقيين والمتدينين منهم بحكم نشؤ الصهيونية في رحاب الغرب واستغلالها السياسي للشرقيين وفقراء اليهود وديانتهم انذاك حين تم سلخهم عن مجتمعاتهم وقومياتهم الأصلية ، لابتداع فكرة “الشعب اليهودي والقومية الضطهدة .”
كما وسيكون أمام هذا المعسكر الصهيوني الفاشي الديني الفرصة لتنفيذ ما يسمونه “الحسم المبكر” من خلال توسيع الأستيطان وضم مناطق محتلة بشكل متسارع وتهويدها. كما جرى مع القدس حتى في ظل حكومات “يمين علمانية صهيونية” التي ارتكبت الجرائم ايضا ، لكن ذلك سيكون اليوم بشكل متصاعد ومتسارع خوفا من أن هذا الائتلاف الفاشي الديني لن يبقى طويلا بالحكم في وقت تتصاعد الاحتجاجات ويتصاعد الانقسام حتى بمؤسستهم العسكرية وتزايد هجرة الصناعة والمال والأفراد إضافة إلى ضغط الإدارة الأمريكية بهدف التخلص من احزاب الصهيونية الدينية واستبدالها “بغانتس” الذي تحظى شعبيته اليوم بصعود كبير “كمخلص لإسرائيل” ، لاستمرار الدور الوظيفي لإسرائيل كحليف استراتيجي وفق محددات العلاقة التي أشرت لها في مقالي الأسبوع الماضي ،
لتنفيذ رؤيتها ومخططاتها بالمنطقة خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية واتساع رقعة خلافاتهم مع الصين وروسيا .
حتى الأتحاد الأوروبي الذي أعلن إنه يرى بالاحتجاجات على التشريعات القضائية ما هو إلا تعزيز “للديمقراطية الفاعلة باسرائيل” ، في تجاهل وتغييب لما ستتجه عليه الأمور اثر تلك التشريعات الانقلابية أن كان على استقرار المجتمعات الإسرائيلية وكيفية تصاعد الانقسامات البنيوية فيها ومخاطر حرب أهلية من جهة ، وعلى مدى تصعيد إجراءات الحرب المفتوحة ضد شعبنا الآن ومخاطر نكبة جديدة وإصدار شهادة موت فعلية لحل الدولتين الذي نشأ كخيار دولي بموافقة الاتحاد الاوروبي ، لكن دون رغبة من الغرب بالعمل على متابعته وتحقيقه من جهة اخرى . فالاتحاد الاوروبي رغم اطلاقه تصريحات لفظية ، فانه مستمر بسياسة النفاق والتبعية للولايات المتحدة خاصة اليوم مع صعود اليمين واليمين الشعبوي وحتى الفاشي في اوروبا وتصاعد العنصرية في عدد من دوله أيضا ضد المهاجرين .
الآن ، بغض النظر عن ما ستتجه له الأمور ، وقد يكون احتمال انهيار كيانهم القريب غير قائم موضوعيا لأسباب مختلفة من وجه نظري . فإن فرصة استثمارنا نحن لصورة المستعمرة المتمثلة بدولة الأحتلال العنصرية أصبحت أكثر من أي وقت مضى ضرورية وبجرأة رغم وضوحها منذ ٧٥ عاما كمشروع استيطاني دون حدود ودستور اساسي يخدم مصالح قوى الأستعمار ، ومحاولة القضاء على حق شعبنا بتقرير المصير وهويته الوطنية وحقوقه في وطنه التاريخي .
هذا التصدع المجتمعي والسياسي في دولة الأحتلال ، يحمل مخاطر جدية لتغيير كل المقاربات والتضاريس الديمغرافية بصورة غير مسبوقة ، تُغلق الباب أمام أي أمل بتسوية مهما كانت طبيعتها وسيكون لذلك آثار وتداعيات كبرى على الإقليم برمته، وعلى واقع وتشكيل حركتنا الوطنية الفلسطينية واطرها وتعبيراتها المختلفة .
ان صورة النظام الاستيطاني التوسعي المرتبط بمفهوم الأبرتهايد الذي يسعى لتنفيذ رؤية الدولة اليهودية التوراتية في كل ارض فلسطين التاريخية او لحدود اوسع او اقل حتى ولو كان اليهود هم اقلية فيها ، بدأت تظهر أمام العالم وشعوبه كنظام ثيوقراطي عنصري يطيح بشكل المجتمع الليبرالي الصهيوني ويعزز العنصرية وفق ارادتهم بيهوديتها وقانون قوميتهم بحق أبناء شعبنا اينما كانوا بفلسطين التاريخية ، ويشكل مخاطر أكبر على الأستقرار المفترض بالمنطقة الأوسع وعلى مفهوم السلم العالمي الذي تتلاعب به الولايات المتحدة من جهة اخرى .
ان هذه المجريات من الصدع بمفاصل نظامهم السياسي والعسكري واستمراره حتى الآن، رغم وجود الإجماع الصهيوني من كافة احزابهم بخصوص تجاهل بل والتنكر لحقوق شعبنا غير القابلة للتصرف ، بل وتحللهم هم من ما جاء من بنود اتفاقية أوسلو سوى من ما يخدم مصالحهم التوسعية والأمنية والمالية . هي فرصة لنا اليوم للانطلاق باستراتيجية متجددة قائمة على ضرورات الجرأة بتقيم انجازاتنا واخفاقاتنا عبر مسيرة كفاحنا ، لننطلق ببرنامج وطني جامع وبهجوم معاكس يكون ملزما للجميع ويتفق عليه الأمناء العامون في لقاء القاهرة الذي يفترض انعقاده بدعوة من الأخ الرئيس أبو مازن خلال أيام ، كي نعرف أين نحن والى اين نحن ذاهبون رغم تعقيدات المشهد الدولي ومتغيراته التي قد تكون عاملاً ايجابيا في مسار حريتنا .
حيث بعد سلسلة لقاءات المصالحة الداخلية الفلسطينية على مدار السنوات الماضية ، والتي كانت كقصص الف ليلة وليلة والتي لم تفضي إلى تنفيذ اي من نتائجها بما يعيد وحدة النظام السياسي وتحقق المصالحة الوطنية المرجوة . تبرز الآن تحديات صعبة من وجهة نظري ، لكنها مسوؤلية وطنية وتاريخية اليوم امام المشاركين باللقاء وامام كل الحركة الوطنية الفلسطينية في هذا الظرف ، حيث فشلت كل المحاولات السابقة في تحقيقها أو على الأقل تذليل جوانب منها لعدد من الاسباب التي باتت معروفة للقاصي والداني .
لذلك فاني ارى ضمن ما تراه قطاعات شعبنا الواسعة والتي عبرت عنه بحرص وطني بنداءات متعددة ومتنوعة الأصول خلال الأيام الماضية ، ان هنالك بعض الاستحقاقات الوطنية الضرورية التي يجب تناولها بجرأة دون دفن الروؤس بالرمال وتغليب المصلحة الوطنية على اي مصالح اخرى خارجية او عقائدية او فئوية حتى تفتح آفاق جادة لنجاح لقاء القاهرة المفترض ، يمكن تلخيصها بالأمور التالية والاتفاق على اَليات تنفيذها حتى تفتح آفاق جادة لنجاح وتنفيذ قرارات لقاء القاهرة المفترض ؛
* إنهاء تداعيات الأنقسام الحاصل بنتيجة الأستيلاء على السلطة بقوة السلاح في قطاع غزة . * اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية بحكم الإجماع الوطي والأعتراف الدولي بها ممثلا شرعياً وحيداً لشعبنا في كافة أماكن تواجده وانضمام الكل الوطني اليها وتفعيل دورها حتى لا تتسع الهوة بين الشعب والفصائل ، والأتفاق على دورها الكفاحي ومكانتها التاريخية المستهدفة من خلال تعزيز الإجراءات الديمقراطية فيها وتحقيق الأنتخابات المستحقة لكافة المؤسسات والمراجع الوطنية بما فيها الرئاسية والتشريعة وبالمقدمة منها بالقدس اعتماداً على أن الشعب هو مصدر السلطات . * اعتبار وثيقة أعلان الاستقلال التي أعلنها الزعيم الخالد أبو عمار عام ١٩٨٨ بالمجلس الوطني بمثابة العقد السياسي والاجتماعي لشعبنا تُحقق بالضرورة الحريات العامة والخاصة ، كما الواجبات والحقوق للجميع وايضا العدالة والمساواة الاجتماعية والتقدم وفصل السلطات ، يلتزم بها الجميع وبالقانون الاساسي بغض النظر عن نتائج اي انتخابات مستحقة والتي يفترض اجرائها في أقرب وقت . * ولأننا جزء من هذا العالم نتأثر ويجب ان نؤثر به ، أعلان الجميع التمسك بالقرارات والمواثيق والمعاهدات الدولية التي انضممنا اليها ، كما وبالقانون الدولي والانساني والتي تضمن حقوقنا التاريخية والسياسة في وطننا وبالمقدمة منها الحق بتقرير المصير والاستقلال الوطني ومقاومة المُحتل أسوة بكل الشعوب الأخرى بكافة الوسائل ، السياسية والدبلوماسية بالمحافل كافة بما فيها المحاكم الدولية، والاتفاق على برنامج سياسي واحد واستراتيجة مقاومة وطنية واحدة تحافظ على بقاء وصمود شعبنا حتى انهاء الأحتلال الاستيطاني كمهمة أساسية أولى * التمسك بإعلان الدولة على كافة الأراضي المحتلة عام ٦٧ وبالمقدمة منها القدس العاصمة التي نالت اعتراف ١٤٠ دولة حول العالم واستكمال إجراءات عضويتها الكاملة بالأمم المتحدة ، كما والتمسك بأرض فلسطين التاريخية وطناً لشعبنا لا نملك سواه .
* تنفيذ كافة مقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير كمرجعية لحكومة وحدة أو توافق وطني وتأكيد مفهوم ودور السلطة الوطنية كمرحلة نحو الاستقلال لتكون تعبير عن الكيانية الفلسطينية المستقلة بالدفاع عن شعبنا ومقدراتنا ، كما وصياغة شكل العلاقة مع الأحتلال على اساس التناقض والصراع مع المُحتل طالما قد تَنكر هو بشكل كامل لكافة الاتفاقيات حيث باتت غير ملزمة لنا ، وذلك بهدف الخروج من مفهوم إدارة الأزمة والحلول الأمنية والاقتصادية التي إدارتها الولايات المتحدة باحتكار احادي لاستدامة الاحتلال وجرائمه وفق مشروع صفقة القرن . وذلك من أجل فرض واقع جديد يدفع العالم للتدخل لحل الصراع بعيدا عن الهيمنة الأمريكية ، والاستعانة بذلك بأصدقاؤنا حول العالم من دول واحزاب تقدمية وشعوب مناصرة للحق والعمل الاستراتيجي معها خاصة في ظروف التحولات الدولية الجارية.
* استكمال الحوار الوطني الشامل بما يتجاوز دور الفصائل فقط على أهمية مكانتها التاريخية والثورية ، ليشتمل على كافة قطاعات ومؤسسات شعبنا الجماهيرية والأهلية وخاصة قطاع الشباب والأسرى الأبطال حتى وهم خلف قضبان السجون ، حتى تكون المسؤولية وطنية جامعة لمواجهة التحديات وتحديد المسارات بتوسيع قاعدة العمل الوطني دون محاولات تنفيذ او فرض اجندات خارجية ليس لها علاقة بالقرار الوطني ، واعتبار أن الدين لله والوطن للجميع .
الان وعلى المدى القريب والبعيد لن يستفيد اي طرف فلسطيني من هذا الانقسام الناتج عن الاستيلاء على السلطة بغزة بقوة السلاح ووصول الاوضاع فيها الى ما هي عليه الان ، لأن دولة الاحتلال في النهاية لن تسمح ببقاء اي طرف فلسطيني يتمتع باي سيادة حقيقية وقوة في الضفة او بغزة، مهما كان اسمها أو توجهاتها ، لذلك ستعمل إسرائيل على ضرب القوى الفلسطينية أينما كان ومحاصرتها لمحاولة تمرير مشاريعها وتُبقي السلطة الوطنية دون سلطة وفق ما اشار له الأخ الرئيس مرارا ، مع استمرار حصار غزة ومحاولات فرض “الدويلة” او الأمارة فيها بدعم من بعض قوى اقليمية خدمة لمشاريعهم ، واقامة دولة المستوطنين في المناطق المصنفة “ج” بالضفة إذ لم نحقق وحدة برنامج وارادة شعبنا وفق ما ينتظر من قرارات اللقاء . ولن ينظر إلينا العالم بعدها كما يجب ان ينظر لشعب يسعى لحريته وحقه بتقرير المصير واستقلاله الوطني وعودته.