شكك محللون ومراقبون فلسطينيون بنجاح اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في العاصمة المصرية القاهرة يوم 30 يوليو الجاري في ظل اتساع الهوة بين الأطراف الفلسطينية وفقدان الأرضية المشتركة بينهم.
ويقول المحللون والمراقبون لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن الفصائل الفلسطينية لا تريد إلغاء أو تأجيل الاجتماع في ظل الهوة الكبيرة حتى لا تتحمل المسؤولية أمام الشعب الفلسطيني بالظهور بمظهر غير المعني بالوحدة، في الوقت الذي تزداد الحاجة إليها.
ويأتي اجتماع القاهرة الطارئ تلبية لدعوة القيادة الفلسطينية عقب اجتماعها برئاسة الرئيس محمود عباس في مقر الرئاسة قبل نحو أسبوعين، للاتفاق على رؤية وطنية شاملة وتوحيد الصف لمواجهة العدوان الإسرائيلي والتصدي له.
وجاء اجتماع القيادة في حينه لبحث تداعيات العملية العسكرية واسعة النطاق في جنين ومخيمها للاجئين شمال الضفة الغربية التي أسفرت عن مقتل 12 فلسطينيا وإصابة 150 آخرين بينهم حالات خطيرة، بالإضافة إلى دمار كبير في البنية التحتية والمحال التجارية والمنازل.
ومن المقرر أن يضم اجتماع الأمناء العامين 14 فصيلا فلسطينيا أبرزها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والمقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين وحزب الشعب الفلسطيني.
وأكد نائب رئيس حركة فتح محمود العالول في تصريحات صحفية قبل أيام أهمية إنجاح الاجتماع ليكون هناك مسؤولية جماعية تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من جرائم وانتهاكات متواصلة من قبل قوات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين.
بدوره قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عزام الأحمد للصحفيين في رام الله إن الاجتماع مقدمة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، لتبدأ فور تشكيلها باتخاذ خطوات عملية في غزة والضفة الغربية لبسط سيادة القانون حتى إنهاء الانقسام.
— الاجتماع تكرار لما هو سابق أم التقاط الفرصة الأخيرة
يقول الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات من الضفة الغربية إن اجتماع الأمناء العامين للفصائل الذي يفترض أن يشكل مدخلا هاما لمعالجة الشأن الداخلي الفلسطيني وكيفية إدارة الصراع مع إسرائيل لابد من ضرورة توفير عناصر النجاح له وتوفير ضمانات تنفيذ ما يتم التوافق عليه من مخرجات.
ويضيف عبيدات أن الأمناء العامين للفصائل عليهم الخروج عن المألوف بعدم استخدام نفس العبارات والمصطلحات السابقة لأنها حتما ستقود إلى الفشل وتعميق الأزمة والفراق في الساحة الفلسطينية في ظل حكومة إسرائيلية يمينية.
ويتابع أن المشاركين في الاجتماع مطالبين بوقف العمل بالمرحلة الانتقالية لاتفاق (أوسلو) الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993 بما يعني سحب الاعتراف بإسرائيل والوقف التام لكافة أشكال التنسيق الأمني معها والخروج من التبعية الاقتصادية لها.
ويرى عبيدات أن “فشل اجتماع الأمناء العامين للفصائل يعني أن الساحة الفلسطينية ستدخل في المزيد من الأزمات والخلافات والانقسامات وتعمق حالة السخط الشعبي وفقدان الثقة بالفصائل ويجعل أي حوار قادم بدون جدوى”.
وتزامنا مع التحضيرات لعقد اجتماع القاهرة نظمت فصائل فلسطينية من بينها حركتا حماس والجهاد الإسلامي تظاهرات ووقفات احتجاجية في مناطق مختلفة من الضفة الغربية وقطاع غزة رفضا لما أسموه “الاعتقال السياسي وملاحقة المقاومين”.
من جانبه، اعتبر الأمين العام للجهاد الإسلامي زياد النخالة في بيان أن “الاعتقالات ضد أعضاء الحركة في الضفة الغربية قد تعرض اجتماع الأمناء العامين للفصائل للفشل”.
كما طالب عضو المكتب السياسي لحماس حسام بدران في بيان السلطة الفلسطينية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن “المعتقلين خاصة في جنين ومخيمها”، داعيا “مختلف الجهات لإنهاء ورفض الاعتقالات السياسية”.
في المقابل، قال المفوض السياسي العام الناطق الرسمي باسم المؤسسة الأمنية الفلسطينية اللواء طلال دويكات في بيان إنه “لا اعتقال لأحد على خلفية الانتماء السياسي”.
وذكر دويكات أن “الاعتقال أو التوقيف الذي طال بعض الأشخاص جاء بناء على مذكرات قانونية صادرة من جهات الاختصاص بعد أن قدم بعض المواطنين شكاوى، وبناء عليه، جاء توقيفهم لاستكمال الإجراءات القانونية”.
— ضبابية القضايا المطروحة في الاجتماع
ويقول الكاتب مصطفى إبراهيم من غزة “لا يوجد معلومات حول الأجندة والقضايا التي سيتم مناقشتها في الاجتماع وعناوينه ضبابية، في غياب الحقيقة وتعطل مسار المصالحة وعليه فإن قادة الفصائل مطالبين بالتراجع عن السياسات التي تزيد من حالة التوتر ووقف الاعتقالات السياسية وتهدئة الساحة”.
ويتابع أن البعض من النخبة الحاكمة مرتبطة بمصالحها الخاصة مع عدم نسيان سياسات الاحتلال الإسرائيلي في تدمير حياة الفلسطينيين وإفقارهم، وأن هناك فلسطينيين يعيشون أوضاعا اقتصادية صعبة وتزايد معدلات البطالة والفقر بنسب كبيرة.
ويرى أن العودة من القاهرة أضعف وأشد انقساما سيكلف الكثير سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ومزيد من التحريض والكراهية والخضوع لسياسة الاحتلال وشروطه والاكتفاء بما يقدمه من تسهيلات اقتصادية تبقي الناس بين الحياة والموت.
ويشير إلى أن العودة من القاهرة بدون نتائج سيخلق المزيد من خيبات الأمل للفلسطينيين والمحبين لفلسطين والداعمين لها ومنح المطبعين فرصة أخرى لتعزيز العلاقة مع إسرائيل، لأننا لم نستطع تقديم النموذج لإدارة شؤوننا والوجه الحقيقي للشعب الفلسطيني الذي يسعى للحرية وتقرير مصيره.
ويعاني الفلسطينيون من انقسام داخلي منذ منتصف العام 2007 إثر سيطرة حركة حماس على الأوضاع في القطاع الذي يقطنه أكثر من مليوني نسمة بالقوة، فيما فشلت عدة تفاهمات في تحقيق المصالحة.
— إعادة إنتاج الحوارات والاتفاقيات السابقة
يقول مدير مركز (مسارات) للأبحاث والدراسات في رام الله هاني المصري إن سيناريو إنتاج الحوارات محتمل وله فرصة كبيرة بالتحقق من خلال صدور بيان من المجتمعين على غرار اتفاقات سابقة لم تنفذ او نفذت جزئيا وسرعان ما انهارت.
ويضيف المصري أن المجتمعين قد يتفقوا على تشكيل حكومة متفق عليها تكرس الأمر الواقع وهي لا تنهي الانقسام ولا تجري انتخابات على الأقل في القريب العاجل، إلا أنها تخفف من الاحتقان وتساعد على إدارة بعض الملفات مثل التعامل مع مخططات وسياسات الحكومة الإسرائيلية.
ويتابع المصري أن حركتي فتح وحماس متمسكتان بشروطهما التي حالت دون نجاح جهود الوحدة في السابق، إضافة إلى العوامل الخارجية المعرقلة للوحدة التي لا يمكن التقليل من تأثيرها، مشيرا إلى أن فريق من طرفي الانقسام لا يريد الوحدة إلا إذا تمكن من إلحاق الفريق الآخر تحت قيادته.
ويرى أن الجهود الفلسطينية تواجه عقبة كبيرة تتمثل بوجود حكومة إسرائيلية ستكون أكثر معارضة لأي خطوة يمكن أن توحد الفلسطينيين بما في ذلك إجراء انتخابات فلسطينية من شأنها تقوية الفلسطينيين في مواجهتها وهي تسعى لإضعاف الفلسطينيين وشرذمتهم بصورة أكبر يسهل عليها تصفية القضية الفلسطينية بكل أبعادها.
ويشير إلى أن التشاؤوم من حدوث تقدم في اجتماع القاهرة يرجع لأن جماعات مصالح استمرار الانقسام هي الأقوى والمتحكمة في السلطتين المتنازعتين، بينما القوى والجماعات التي تتحرك لإنهاء الانقسام وتجسيد المصلحة الوطنية والوحدة لا تزال ضعيفة وغير موحدة في رؤاها ومطالبها.
ويؤكد المصري ضرورة مراكمة القوة لبلورة تيار ثالث يضم قوى وحراكات تؤمن بضرورة التغيير وتعمل على توفير متطلبات حدوثه لأن المنطقة والعالم يشهدان تحولات وتغييرات يمكن أن تفتح أبواب الفرص والتغيير الفلسطيني الذي من دونه لا يمكن السير على طريق الإنقاذ الوطني.