قالت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية إن دول الخليج الغنية بالنفط تسعى للاستفادة من ثرواتها في تعميق العلاقات مع الصين، مدفوعةً إلى ذلك بالمخاوف بشأن مستقبل الشراكة الأمنية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، حسبما جاء في تقرير نشرته الوكالة، يوم السبت 15 يوليو/تموز 2023.
بعد سبعة أشهر من مشاركة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في القمة الصينية الخليجية الأولى بالرياض، تسارعت التبادلات الاقتصادية بين ثاني أكبر اقتصاد في العالم ودول الخليج -وعلى رأسها السعودية والإمارات- وامتدت إلى ما هو أبعد من مشتريات النفط الخام التي كانت بكين تهيمن عليها بالفعل منذ سنين.
ويأتي من بين الصفقات التي يمكن أن يُستفاد من تعزيز العلاقات في إتمامها خلال الأشهر المقبلة: الطرح العام الأولي الذي تخطط له شركة البذور الصينية العملاقة، “مجموعة سينجينتا”، في بورصة شنغهاي بتكلفة 9 مليارات دولار.
حيث كشفت مصادر على دراية بالموضوع، أن مستشاري الشركة المدعومة من الدولة الصينية قد أجروا مناقشات مع الصناديق السيادية في دول الخليج، ومنها “جهاز أبوظبي للاستثمار” و”صندوق الاستثمار العام السعودي”، للانضمام إلى المستثمرين الأساسيين بالشركة.
تدفق استثمارات دول الخليج على الصين
من جهة أخرى، أشارت بيانات جمعتها وكالة بلومبيرغ الأمريكية إلى أن عمليات الاستحواذ واستثمارات الشركات الخليجية في الصين قد ارتفعت بأكثر من 1000% على أساس سنوي، لتصل قيمتها إلى 5.3 مليار دولار. وتُظهر البيانات أن هذا العام على وشك أن يصبح أكثر عام يشهد مثل هذه الصفقات على الإطلاق.
بينما قال أشخاص مطلعون إن صندوق الثروة السيادية في أبوظبي، “شركة مبادلة للاستثمار”، الذي تبلغ قيمة أصوله 280 مليار دولار، يكثف عمليات البحث عن استثمارات في الصين. وقد شهدت دبي زيادة بنسبة 24% في عدد الشركات الصينية التي أقيمت بالمنطقة الحرة للسلع بعد عروض ترويجية في الصين.
أما المسؤولون في الرياض فيصفون الصين بأنها شريك لا غنى عنه لرؤية 2030 السعودية. وقد فازت مجموعة من الشركات الصينية بعقود للمشاركة في بناء مدينة المستقبل “نيوم”.
كما امتدت العلاقات كذلك إلى خارج الجبهة الاقتصادية، فقد عرض الرئيس الصيني في قمة ديسمبر/كانون الأول، التوسطَ في محادثات بين إيران والسعودية، وأسفر ذلك في مارس/آذار الماضي، عن توقيع الخصمين اللدودين لاتفاق تاريخي يقضي باستئناف العلاقات بينهما.
نفوذ الصين في الشرق الأوسط “يهدد” أمريكا
يتحدث بعض المراقبين في واشنطن بالفعل عن مخاوف من أن نفوذ الصين المتنامي في الشرق الأوسط يمكن أن يتعرض للمصالح الأمريكية على المدى الطويل.
رغم أن الولايات المتحدة لا تزال أكبر شريك عسكري لدول الخليج، فإن الجنرال مايكل إي كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، حذَّر في شهادة حديثة له أمام الكونغرس، من تأثير الجهود الصينية المنظمة في تقويض تلك العلاقات، مستدلاً على الأمر بالتزايد الكبير في مبيعات بكين التجارية والعسكرية إلى المنطقة.
قال حسن الحسن، الباحث في شؤون المنطقة بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن الاستياء من المظلة الأمنية الأمريكية ما انفك يتراكم بين دول الشرق الأوسط منذ 15 عاماً على الأقل، ثم تفاقم في السنوات الماضية، بسبب ما تراه دول الخليج سياسات أمريكية غير متوقعة تجاه المنطقة.
كما يرى الحسن أن دول الخليج “تعيد الآن تنظيم سياساتها الخارجية بحيث تتركز على خدمة برامجها الاقتصادية”، وصار “شغلها الشاغل هو العلاقات التي تخدم رؤاها الاقتصادية الوطنية”.
الصين تطمئن الأمريكيين
بينما يقول المسؤولون الخليجيون إنَّ تقاربهم مع الصين ليست الغاية منه إحلالها محل واشنطن شريكاً رئيسياً لدول الخليج، وإنما توسيع تحالفاتهم العالمية.
إذ قال فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، في مؤتمر صحفي عقده في يونيو/حزيران مع أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، أثناء زيارة الأخير للمملكة: “أنا لا أعزو الأمر إلى اتباع سياسة صفرية”، بل “أرى أننا جميعاً قادرون على إقامة شراكات متعددة وارتباطات مختلفة، والولايات المتحدة تفعل الشيء نفسه في أوقات كثيرة”.
كما تؤيد الصين هذا النهج؛ ففي مؤتمر عُقد في يوليو/تموز بجامعة تسينغهوا في بكين، حثَّ وو سايك، المبعوث الصيني السابق للشرق الأوسط، دولَ المنطقة على “السعي إلى تعددية حقيقية” في العلاقات، وقال إن “الصين وغيرها من الدول يمكن أن يتعلم بعضها من بعض، وأن يدعم بعضها بعضاً، وأن تتحرك نحو تعاون مربح للجانبين”.
في هذا السياق، سافر الآلاف من رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين خلال الشهر الماضي، من الصين إلى الرياض، لحضور أكبر تجمع أعمال عربي صيني على الإطلاق.
حيث قالت الحكومة السعودية إنها وقعت مذكرات تفاهم تزيد قيمتها على 10 مليارات دولار، منها صفقة بقيمة 5.6 مليار دولار أبرمها السعوديون لتطوير صناعة المركبات الكهربائية مع شركة “هيومان هورايزونز” Human Horizons الصينية.
في الوقت نفسه، كشفت مصادر على دراية بالموضوع، أن شركة الذكاء الاصطناعي الإماراتية “المجموعة 42” G42، التي يرأسها مستشار الأمن القومي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، ترى أن الصين أفضل سوق لاستثمار رأس المال في الخارج بهذا المجال. ورفض متحدث باسم الشركة الإماراتية التعليق.
بينما لا تزال التجارة، خاصةً تجارة النفط، هي مفتاح التقارب في العلاقات بين الصين والخليج. فقد زادت التدفقات التجارية بين السعودية والصين من 834 مليون دولار فقط قبل 30 سنة إلى 117 مليار دولار العام الماضي.
فيما تنامت التجارة الثنائية بين الإمارات والصين بما يقرب من مئة ضعف، لتزداد قيمتها من 1.15 مليار دولار في عام 1992 إلى 107 مليارات دولار في عام 2022، وفقاً للبيانات التي جمعتها وكالة بلومبيرغ.
إضافة إلى ذلك، فإن العلاقات بين دول الخليج والصين في مجال الطاقة ما انفكت تتعمق أكثر، فقد وقعت السعودية في الآونة الأخيرة عقداً بقيمة 3.6 مليار دولار لشراء 10% من شركة رونغ شنغ للبتروكيماويات الصينية.
في المقابل، علقت الإمارات في عام 2021، محادثاتها مع الولايات المتحدة لشراء طائرات “إف 35” أمريكية، وأسلحة أخرى بقيمة 23 مليار دولار، بعد رفضها الشروط الأمريكية التي تضمنت إزالة شركة “هواوي” الصينية من شبكة الاتصالات الخاصة بها. ووافقت الإمارات بعد ذلك على صفقة لشراء طائرات التدريب والهجوم الخفيف “L15” الصينية.