المكتب الوطني: الخلافات الإسرائيلية يجري حلها على حساب الفلسطينيين

قال المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان أن الخلافات بين جيش الاحتلال وقادة المستوطنين تنتهي بحلها لصالح المستوطنين.


ففي أعقاب لقائه الاسبوع الماضي مع قادة المستوطنين، تحدث رئيس أركان جيش الاحتلال هيرتسي هليفي عن القضايا التي تناولها اللقاء، ومن بينها ضرورة امتناع المستوطنين عن تنفيذ “جرائم قومية” يرتكبونها في اعتداءاتهم المتكررة على الفلسطينيين، وبشكل خاص مهاجمة القرى الفلسطينية وإحراق البيوت والسيارات وإتلاف المزروعات فيها، بزعم الرد على عمليات مسلحة ينفذها فلسطينيون ضد مستوطنين أو ضد قوات الاحتلال.

ووصل حديث هليفي الى وسائل الاعلام الاسرائيلية من خلال بيان صادر عن الجيش، الأمر الذي أثار حفيظة وغضب قادة المستوطنين، والذين ردوا على بيان الجيش بأن هليفي قدم صورة كاذبة عن ذلك اللقاء إلى وسائل الإعلام.

وتجاهل قادة المستوطنين دعوة هليفي الى ضرورة إبداء مسؤولية قيادية وتعزيز التنسيق بين الجيش الإسرائيلي والمستوطنات مثلما جرى أثناء العملية العسكرية الأخيرة في جنين (البيت والحديقة) وتشديده على أن الجيش الإسرائيلي مسؤول عن الأمن والقانون في المنطقة ويتوقع شراكة من جانب المستوطنين من أجل التركيز على محاربة الإرهاب بالمبادرة والحزم، حسب تعبيره.

وادعى قادة المستوطنين أنهم فوجئوا من بيان الجيش وهو يبرز موضوع الجرائم القومية التي يرتكبها المستوطنون، وأكدوا أن الشراكة بين الجيش الإسرائيلي والمستوطنين كانت وما زالت سارية، وليس واضحا لماذا اختار رئيس هيئة الأركان تقديم صورة كاذبة إلى وسائل الإعلام وهو يعلم بأنه طوال العملية العسكرية على جنين وفي الأيام التي سبقتها أيضا حصل على دعم كامل من قادة المستوطنين والمستوطنات.

ولم يقف غضب قادة المستوطنين وردود أفعالهم عند حدود البيان المذكور، فدائرة الغضب اتسعت لتغطي البيان المشترك الذي صدر قبل أسبوعين عن رئيس الاركان هليفي ورئيس الشاباك رونين بار، والمفتش العام للشرطة يعقوب شبتاي، الذين وصفوا فيه هجمات المستوطنين على القرى الفلسطينية بأنه “إرهاب قومي”، حيث قال رئيس ما يسمى “مجلس إقليمي بنيامين” للمستوطنات في محافظة رام الله والبيرة يسرائيل غانتس إن هذا بيان مسيء وظالم للاستيطان والواقع.
وخاطب قادة الاجهزة الأمنية قائلا: “لقد صنعتم صورة مشوهة وحولتم الخطاب في وسائل الإعلام والعالم إلى خطاب عدواني “إرهاب يهودي” ضد العرب، فيما الحقيقة عكس ذلك”.

هذا السجال السياسي الذي برز للعلن جاء يلقي الضوء على طبيعة العلاقة بين جيش الاحتلال والمستوطنين وقادتهم، وظاهريّاً يبدو أن هناك مساران لفهم هذه العلاقة؛ فمن ناحية يسيطر الجيش سيطرة كاملة خاصة على المناطق المصنفة (ج) في الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، وهو يمثل الدولة المحتلة على هذا الصعيد، دولة تستولي على أراضي الفلسطينيّين بطرق متعددة حازت على غطاء جهاز القضاء بدءا بالمستشارين القضائيّين وانتهاء بقضاة المحكمة العليا.

ومن ناحية أخرى، هناك المستوطنون الذين يسطون على اراضي الفلسطينيين تارة بمبادرة ذاتية وبالعنف وأخرى بقرارات سياسية من الحكومة يغطيها القضاء ويوفر لها الجيش الحماية عند التنفيذ.

هذان المساران يمكن جمعهما في مسار واحد يمارس فيه المستوطنون عُنفهم ويستولون كل يوم على اراض جديدة، كجزءٌ من سياسة حكوميّة تذهب أبعد من الاستيلاء على الارض في اتجاه تسليح هؤلاء المستوطنين فيما القوّات الرسميّة للدّولة لا تمنع هذا العنف بل هي تشارك فيه أحيانا.

على ان تسليح المستوطنين في مستوطنات الضفة الغربية، بما فيها القدس في ظل وجود جيش وظيفته حمايتهم، ليس بالأمر الجديد، فوزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الاسبق جلعاد أردان حاول تنظيم المسألة وتقديم السلاح لأكبر عدد من المستوطنين حتى أصبح بين أيديهم عام 2021  نحو 150 الف قطعة سلاح، ليرتفع العدد في ظل الحكومة الحالية بضغط وتحريض من وزير المالية والوزير في وزارة الجيش بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي ايتمار بن غفير الى نحو 165 الفا منتصف العام الحالي، وهذا يعني أننا أمام مستوطنين مسلحين يشكلون نسبة مهمة من مجموع المستوطنين.

ليس هذا فحسب، ففي الجيش نفسه هناك تغلغل للمستوطنين في صفوفه وهناك كتائب نظامية وشبه نظامية لها اكثر من مرجعية، وهناك أجهزة أمنية تعمل في الضفة الغربية أهمها الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) والشرطة وحرس الحدود وغيرها.

وبدون مستوطنين يبقى الأمن في أيدي الجيش الإسرائيلي (وبالتحديد قائد المنطقة الوسطى)، غير أن الواقع القائم دفع سلطات الاحتلال إلى تشكيل اكثر من جهاز للأمن، فهناك الجيش النظامي (قيادة المنطقة الوسطى) وهناك الأجهزة الأخرى.

والى جانب هذا كله هناك قوات الحماية المسؤولة عن محيط المستوطنات، وهي قوات موجودة على مستوى المستوطنة أو المجلس الاستيطاني، وقد تطورت صلاحياتها تدريجيا، وهي لا تتبع مباشرة الى الجيش، وإنما الى مجلس المستوطنة.
وهناك كذلك لواء كفير، وهو لواء في الجيش الإسرائيلي ويضم ست كتائب: كتيبة نحشون (مسؤولة عن منطقة قلقيلية وطولكرم)، كتيبة شمشون (مسؤولة عن منطقة غوش عتصيون)، كتيبة حروف (مسؤولة عن منطقة نابلس)، كتيبة دوخيفت (مسؤولة عن منطقة رام الله)، كتيبة لافي (مسؤولة عن منطقة جبل الخليل)، وكتيبة نيتساح يهودا (مسؤولة عن منطقة شمال الضفة ومدينة جنين).

ونظرة فاحصة لعمل اللواء تكشف أنه يتبع بشكل أكبر للمستوطنين، وهذا اللواء يمتنع عن “طرد اليهود من بيوتهم ومن أرضهم”، وفوق هذا كله هناك الحاخامات المدنيين والعسكريين المسئولين عن المدارس الدينية والعسكرية في المستوطنات وهناك الصهيونية الدينية التي تسيطر على نحو 35 بالمئة من المستوطنات في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، وهناك المستوى السياسي داخل الكنيست وداخل الحكومة الذين يقدمون للمستوطنين الحصانة ويبعثون برسالة واضحة تحدد لقادة الجيش وبقية الأجهزة الأمنية الأخرى العاملة في الضفة الغربية سلوكهم وعلاقتهم بالمستوطنين، وهذا ما يفعله كذلك وكلاء وزير المالية ووزير الاستيطان في وزارة الجيش بتسلئيل سموتريتش، في الادارة المدنية، الذين ينشغلون هذه الأيام بتغيير الأولويات في المناطق المصنفة (ج) ويركزون على ضرورة اعتماد سياسة جديدة فيما يتعلق بهدم المباني التي توصف بأنها “غير قانونية” بزيادة البناء اليهودي ووقف البناء الفلسطيني في تلك المناطق.

ولهذه الاعتبارات، يمتنع جيش الاحتلال عن الدخول في مواجهات مع المستوطنين رغم أنّه من الناحية القانونيّة يمتلك صلاحيّة توقيفهم واعتقالهم، وعوضا عن ذلك يفضّل الجيش مواجهة الفلسطينيين بكل قوة ووحشية، وعندما يعلن هذا الموقع أو ذاك “منطقة عسكريّة مغلقة” فذلك يسري فقط على الفلسطينيّين، وفي النتيجة تبقى خلافات الجيش مع قادة المستوطنين خلافات داخل البيت الواحد يجري حلها لصالح المستوطنين، وهذا الذي يفسر أن 95 بالمئة من شكاوى المواطنين الفلسطينيين ضد عنف وإرهاب المستوطنين يتم إغلاقها بدون تقديم لائحة اتهام.

على صعيد آخر، تواصل مخططات الاستيطان زحفها دون توقف بقرارات تصدر عن الحكومة الإسرائيلية وبلدية القدس المحتلة، وبجري تغطيتها من المستوى القضائي وما يسمى “حارس الأملاك العام” وحمايتها من جيش وشرطة الاحتلال.

ويؤشر على ذلك مصادقة حكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير الفاشية على 12855 وحدة استيطانية في النصف الأول من عام 2023، أي أكثر من ثلاثة أضعاف جميع الوحدات المصادق عليها في عام 2021 (3645) وفي عام 2022 (4427).

وفي الوقت الذي تخطط فيه هذه الحكومة لتوسيع الاستيطان وتعميقه، تقوم في الفترة ذاتها من العام الجاري بهدم 300 منشأة فلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس، بني عدد منها بتمويل من الاتحاد الاوروبي.

وتبقى القدس المحتلة في بؤرة تركيز النشاطات الاستيطانية والتهويدية، ففي إطار تصاعد معركة تهويد القدس المحتلة؛ قررت حكومة الاحتلال اليمينية إقامة مستوطنة جديدة بين بلدات فلسطينية في قلب القدس وذلك بالتزامن مع اقتحام قوات الاحتلال البلدة القديمة وطرد عائلة نورا صب لبن في حي عقبة الخالدية من منزلها لتسليمه للمستوطنين.

مشروع المستوطنة الجديدة جاء بدفع من حارس الأملاك العام مخططا لبناء 450 وحدة سكنية على مساحة 12 دونما في منطقة تقع بين قرية ام ليسون وجبل المكبر، خطوة على طريق بناء مستوطنة كبيرة في المكان الذي كان، كما زعمت حكومة الاحتلال قبل بضعة أعوام كذبا، بأنه مخصص لبناء وحدات سكنية للفلسطينيين وفق ما سمي في العام 2020 الخطة الخمسية لتطوير شرق القدس.

وقد بادرت إلى المخطط شركة مقاولات استيطانية مدعية أن الأراضي مسجلة بملكية يهود قبل العام 1948، وذلك على حساب وعود لتقليص الضائقة السكنية للمقدسيين، كانت كاذبة من أساسها، وكان حارس الأملاك العام في وزارة القضاء الإسرائيلية يبادر دائما إلى الدفع بمخططات إقامة بؤر استيطانية، سريعا ما تتحول الى مستوطنات في أحياء القدس المحتلة، كمستوطنة “غفعات هشكيد” المحاذية لقرية شرفات، ومستوطنة “كدمات تسيون” على اراضي جبل المكبر والتي تقضي إقامتها تهجير الفلسطينيين من أملاكهم ومنازلهم.

كما تتواصل جرائم التطهير العرقي، حيث تلاحق سلطات الاحتلال التجمعات البدوية بهدف تهجيرها من اراضيها ومراعيها ونقلها الى المستوطنين.

فقد أصدرت سلطات الاحتلال الاسبوع الماضي أمرا عسكريا بمنع دخول أراض تقع قرب معسكر لجيش الاحتلال جنوب شرق قرية الجفتلك تقدر مساحتها بنحو 150 دونما، وتقطنها نحو 25 عائلة من تجمع بدو أبو العجاج، مع السماح للسكان البدو القاطنين بشكل دائم في المنطقة الاستمرار في البقاء، شرط عدم إضافة أي جديد إلى منشآتهم السكنية الزراعية، وتقييد تحركاتهم، ويسري هذا الأمر العسكري حتى نهاية عام 2027، لكن المخاطر قائمة بإصدار قرار لاحقا بالاستيلاء على الأرض بشكل كامل لصالح المعسكر الإسرائيلي القريب منها.

وفي الوقت نفسه، جرى تهجير قسري لتجمع البقعة البدوي الذي عانى خلال الأسابيع الأخيرة من اعتداءات المستوطنين اليومية، والتي كان مصدرها إحدى البؤر الاستيطانية السبع التي أقيمت في أعقاب عنف المستوطنين في قرية ترمسعيا، وبهذا ينضم تجمع البقعة إلى تجمع راس التين وتجمع عين سامية المجاورين اللذين تم تهجيرهما عن أراضيهما.

وفي إطار تهيئة البنى التحتية المناسبة لخطط الضم التي تعمل عليها حكومة اسرائيل، أقامت سلطات الاحتلال على مدخل بلدة حوارة الشمالي ومفترق مستوطنة “يتسهار” جسراً لطريق التفافي بدأ العمل به عام 2021 يهدف الى ربط المستوطنات والبؤر الاستيطانية المحيطة بمدينة نابلس (براخا وايتمار والون موريه ويتسهار) بعابر السامرة وبالداخل الفلسطيني دون الحاجة للمرور بمناطق فلسطينية مأهولة بالسكان.

وفي نفس الاطار،من المتوقع أن تفتتح وزيرة المواصلات الإسرائيلية ميري ريغف، قريبا الطريق الالتفافي الذي يلتف على مخيم العروب وقرية بيت أمر في محافظة الخليل على شارع رقم 60 الذي يبدأ في الناصرة شمالا، مرورا بجنين ورام الله والخليل في الضفة الغربية، وصولا إلى بئر السبع جنوبا والذي بدأ العمل به منذ عام 2017 ورصدت له ميزانية قدرها 300 مليون شيكل، وأطلق عليه اسم “الحاخام موشيه ليفينغر” وهو أحد أوائل قادة المستوطنين المتطرفين والعنصريين.

وهذا الطريق سريع بمسارين في كل اتجاه بطول 7.5 كيلومتر، وتعتبر هذه الطرق الالتفافية إحدى أدوات الاحتلال المستخدمة في تنفيذ سياسة فرض الوقائع على الأرض وتشكيل جغرافيا الضفة الغربية.

كما اعلنت بلدية الاحتلال في القدس عن انتهاء المرحلة الأولى من مشروع ربط مستوطنات القدس الشرقية المحتلة مع مستوطنات الغور عبر الشارع الأميركي، حيث تعمل البلدية بالتعاون مع الوزارات المختلفة في الحكومة ومجلس التجمعات الاستيطانية على انجاز شبكة طرق التفافية تنقل المستوطنين بحرية من المستوطنات والبؤر الاستيطانية في شمال وجنوب الغور نحو القدس الشرقية ومستوطنات الوسط دون عوائق وبعيدا عن التجمعات والقرى والاحياء الفلسطينية.

وفي سياق شرعنة المزيد من البؤر الاستيطانية رفضت الحكومة الإسرائيلية في ردها على التماس للمحكمة العليا إخلاء معهد لتدريس التوراة في البؤرة الاستيطانية العشوائية “حوميش” على اراضي قرية برقة في محافظة نابلس، الأمر الذي يؤكد تورطها في إعادة المستوطنين للبؤرة، وادعت النيابة العامة الإسرائيلية في ردها على الالتماس أنه بالرغم من تنفيذ هذا النقل بصورة غير قانونية، فإن النية كانت السماح بوجود إسرائيلي مؤقت من أجل استكمال إجراءات استقرار هذا الوجود بشكل دائم والحفاظ عليه بموجب القانون، دون عرقلة استخدام أصحاب الأراضي الخاصة (أي الفلسطينيين) لأراضيهم، رغم أن أصحاب الأراضي الفلسطينيين يؤكدون عكس ذلك.

وتعترف سلطات الاحتلال بأن الهدف من نقل البؤرة الاستيطانية هو شرعنتها، خاصة وأن الإدارة المدنية للاحتلال سمحت لما يسمى “مجلس السامرة الإقليمي” بالبدء بإجراءات تخطيط تتعلق بالأرض التي تتواجد فيها البؤرة الاستيطانية.

وفي الوقت الذي تتزايد فيه هجمات المستوطنين ضد قرى وبلدات فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، أصدر الوزير الإسرائيلي المتطرف بن غفير تعليمات جديدة تهدف إلى “تسهيلات في الضغط على الزناد” بمنع مصادرة الأسلحة أو التحقيق مع مطلقي النار على الفلسطينيين بمجرد الاشتباه بوقوع عمليات، وتأتي هذه التعليمات الجديدة لتشجيع المستوطنين على إطلاق النار على المواطنين الفلسطينيين حتى في حالة المواجهات في الدفاع عن اراضيهم، أي في الحالات التي قد لا يكون فيها إطلاق النار مبررًا على الاطلاق.

واتفق بن غفير والشرطة الإسرائيلية على إلغاء التعليمات السابقة التي كانت تتيح مصادرة أسلحة مطلقي النار والتحقيق معهم وفقًا لتقديرات ومراجعات ضباط الشرطة.

Exit mobile version