أقرّت دولة الاحتلال الإسرائيليّ أنّها تنظر بقلق بالغة لتحسّن العلاقات بين مصر وإيران بعد 40 عامًا من القطيعة بينهما، مُوضحةً في الوقت عينه أنّ مخاطر هذا التطوّر الجيو_إستراتيجيّ كثيرة وخطيرة على الأمن القوميّ الإسرائيليّ.
وفي هذا السياق رأت دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ، التابِع لجامعة تل أبيب، أنّ تطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران بالنسبة لإسرائيل ليس بمثابة أنْ تكون أوْ لا تكون، وأنّ هذا التطوّر ليس بالضرورة أنْ يأتي على حساب العلاقات المشتركة التي تربط الكيان بمصر، كما أنّ عودة العلاقات ليس من شأنها أنْ تُلحِق الأضرار بالمصالح الإسرائيليّة الحساسّة، ولذا فإنّه يتعيَّن على تل أبيب أنْ تنظر إلى هذا التطوّر بشكلٍ موضوعيٍّ، على حدّ تعبير الدراسة الإسرائيليّة.
وشدّدّت الدراسة على أنّه تمامًا مثل مصر، فإنّ من مصلحة إسرائيل ألّا تزيد التوتّر في منطقة الشرق الأوسط، بل على العكس أنْ تعمل على تخفيض ألسنة اللهب، وبالإضافة إلى ذلك، العمل سوريةً على تحسين الخطوط البحريّة في البحر الأحمر، وزيادة التعاون في الشرق الأوسط في كلّ ما يتعلّق بمجال الغاز، ولجم حركة (حماس) و (الجهاد الإسلاميّ) في قطاع غزّة، وتخفيض حدّة “الإرهاب” الذي مصدره الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة والحركات التابِعة لها بالمنطقة، طبقًا لما أوردته الدراسة.
علاوة على ما جاء أعلاه، أوضحت الدراسة بشكلٍ لا لبس فيه أنّ المصالح الإستراتيجيّة لكيان الاحتلال تكمن في تحسين الوضع الاقتصاديّ في مصر، وبالإضافة إلى ذلك، تعزيز وتكريس الهدوء والأمن في الداخل المصريّ.
الدراسة أوضحت أيضًا أنّه من الطرف الآخر فإنّ العلاقة العربيّة-الإيرانية، بما في ذلك مع مصر، تحمل في طياتها تحديات لإسرائيل، ذلك أنّ توطيد العلاقات بين طهران وبين الدول العربيّة تُساهِم إلى حدٍّ كبيرٍ في مساعي إيران الحثيثة للهروب من العزلة الدوليّة التي كانت من نصيبها، كما أنّ هذه العلاقات ستؤدّي إلى زيادة قوّة إيران في الشرق الأوسط، وبالمُقابِل ستُضعِف الدول العربيّة المُطبّعة مع إسرائيل، ضمن ما تُسّمى باتفاقيات أبراهام، وذلك على وقع النشاط الإسرائيليّ والدول العربيّة المُعتدلة لكبح جماع النفوذ الإيرانيّ في المنطقة، طبقًا لما جاء في الدراسة.
ولفتت الدراسة إلى أنْ تقليص الفجوة بين الإيرانيين والعرب، إلى جانب استمرار التصعيد بين الكيان وبين الفلسطينيين، من شأنهما أنْ تؤدّي مرّةً أخرى إلى تأجيل انعقاد المؤتمر الثاني لـ (منتدى النقب)، علمًا أنّ مصر عضوًا فيه، وأنْ تُعجِّل من إعادة القضية الفلسطينيّة إلى رأس سُلّم الأولويات في الأجندة الشرق أوسطيّة، على ما أكّدته الدراسة الإسرائيليّة.
الدراسة رسمت سيناريوهات أخرى حول التهديدات التي تُشكّلها إعادة العلاقات المصريّة-الإيرانيّة على الكيان، وفي مقدّمة ذلك السماح لسفنٍ إيرانيّةٍ باستخدام قناة السويس بهدف تهريب النفط، أوْ أخطر من ذلك، تهريب الأسلحة، كما أنّ إعادة العلاقات بين الدولتيْن من الممكن جدًا، أوضحت الدراسة، أنْ يفتح الباب على مصراعيه لدخول إيران من المدخل الرئيسيّ إلى قطاع غزّة، وبالإضافة إلى ذلك، من شأنْ هذا التطوّر، أنْ يمس مسًّا سافرًا بتحسّن العلاقات الأمنيّة بين القاهرة وتل أبيب، والتي برزت بشكلٍ واضحٍ في السنوات الأخيرة، على حدّ تعبيرها.
وفي الخلاصة، شدّدّت الدراسة الإسرائيليّة على أنّها تُوصي صُنّاع القرار في تل أبيب إلّا يُعارِضون وبشكلٍ أوتوماتكيٍّ التطبيع القريب بين القاهرة وطهران، إنّما العمل أنْ تكون عودة العلاقات الثنائيّة بينهما في نهاية المطاف ضمن المصالح الإسرائيليّة، ولذا يتحتّم على الكيان أنْ يُجري محادثاتٍ مع القاهرة، وأيضًا مع واشنطن وحليفاتها من الدول الخليجيّة، في محاولة لتحديد مسار التقارب بين الدول العربيّة وإيران، وإذا احتاج الأمر أنْ تُشارِك إسرائيل في هذا “الحلف”، ذلك أنّ تل أبيب، تابعت الدراسة، تملك ما يكفي من وسائل للضغط على القاهرة، وعلى نحوٍ خاصٍّ في المجالات الأمنيّة، الطاقة والسياحة، رغم أنّ التوتر بين الكيان والفلسطينيين ما زال يتصاعد ويمسّ بهم، على حدّ أقوال دراسة مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ.