منزعجة إلى الأبد من صور ظلم خضر عدنان وناصر أبو حميد والشرطة الإسرائيلية وهم يعتدون على موكب جنازة الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة، وصور منقوشة في عقلي وقلبي لإعدام ابن خالي أحمد عريقات في 23 يونيو 2020.
الحق لكل عائلة أن ترقد أحباءها بكرامة ودون عوائق. بعد ثلاث سنوات على إعدام أحمد، ابن الـ ٢٦ عاما، الذي قُتل بدم بارد على الحاجز بين القدس وبيت لحم يوم زفاف شقيقته, اصطدمت سيارته بالخطأ بحاجز “الكونتينر”, وثقت الكاميرات أن أحمد نزل من السيارة ورفع يديه عاليا في الهواء كعلامة على البراءة. ادعى جيش الاحتلال أنه كان هجومًا “إرهابيًا” متعمدًا، لكنه لم يقدم أي دليل على أن الحادث لم يكن حادثًا. ووردت أنباء عن إصابة جندي واحد، لكنه نهض على الفور.
في هذه الأثناء شرع جنديان مسلحان آخران في إطلاق النار على ابن خالي البريء الذي رفع ذراعيه وسقط على الأرض.
طلبت عائلتنا من منظمة أبحاث مقرها لندن، Forensic Architecture، التحقيق في الأمر. وخلص التحقيق: (وفقًا لأنظمة إطلاق النار في الجيش الإسرائيلي، لا يجوز استخدام الذخيرة الحية إلا كملاذ أخير في حالة وجود “خطر يهدد الحياة”. ويتناقض تحليلنا مع ادعاء الجيش، ويظهر أن أحمد لم يطرح أي تهديد فوريًا.)
من اللقطات في نتائج التحقيق، شوهد أحمد وهو يتعرض لإطلاق النار 6 مرات خلال ثانيتين من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي، واضاف التحقيق “آخر 3 طلقات أطلقت عندما كان أحمد على الأرض بالفعل”.
ظهر الإهمال الطبي والقيود المفروضة على الأطباء بشكل واضح عندما وصلت سيارة إسعاف فلسطينية ولكن الجيش الإسرائيلي منعهم من الوصول. وصلت سيارة إسعاف إسرائيلية في السابق، لكنها لم تنقل سوى الجندي الإسرائيلي الذي يُفترض أنه مصاب, ويلخص البيان الذي تضمنه التحقيق: “إن ممارسة الحرمان من الرعاية الطبية هي فعل “قتل بمرور الوقت”. بعد اكثر من ساعتين من إطلاق النار فقط نقلته سيارة إسعاف إسرائيلية. لكن الظلم لا ينتهي هنا، جسد ابن خالي حُرم من العودة إلينا لدفنه بشكل لائق حتى هذه اللحظة.
فورًا، بعد أن احتجز الإسرائيليون جسده رهينة، شكلنا فريقًا عائليًا، كتبنا، بذلنا كل جهد ممكن والضغط المتاح، وتابعنا بكل الوسائل, عرضنا قضيته على الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان ومنظمات العمل القانوني والحقوقي والانساني. ووثقت الكاميرات الجريمة، وقدمت Forensic Architecture تقرير دراسة تفصيليًا بالصور والزوايا والإحداثيات، ثانية تلو الأخرى، درس التحقيق سرعة السيارة وأسقطها عمليًا ونفسيًا على نية السائق لإثبات القتل المتعمد من قبل قوات الاحتلال. بالرغم من كافة المحاولات, الا ان محاكم الاحتلال أثبتت عدم جدواها، حيث لم توفر أي شيء من العدالة.
لجأنا إلى القلم، والقانون الدولي، والدبلوماسية، والمسيرات الشعبية، والمحاكم، والحملات الدولية، والبرلمانيين، وطرقنا جميع أبواب العالم والإنسانية، ورغم كل ذلك، فإن جسد أحمد لا يزال محتجزا حتى هذا التاريخ, بعد ثلاث سنوات.
نعم، حتى اللحظة، لا يزال جثمان أحمد محتجزا في الثلاجات الإسرائيلية، ربما في مختبرات جامعة تل أبيب، تفاصيل الحقيقة القبيحة التي لن ينقلها الإسرائيليون أبدًا.
أكتب اليوم لأرسل رسالة مفادها أننا لن نستسلم ولن نتعب ولن نكلّ. نحن نواجه احتلالا عسكريا ظالما مطولا، “جيشا” إرهابيا مجرما يقتل شباب فلسطين ويحاول قتل كلمة الحق.
تشعر شيرين أبو عاقلة بالارتياح وهي تنظر إلينا من السماء وتثق في أن أقرانها وأصدقاءها المحترفين للكتابة ومهنة الصحافة سيستمرون في إظهار/قول الحقيقة، لتوثيق الصورة وكشف الوجه الإجرامي الحقيقي للاحتلال.
لا يحق لأحد أن يقرر نهاية حياة الانسان إلا الله سبحانه وتعالى، وبالتالي فإننا نواجه جريمة ضد الإنسانية بأبعادها الكاملة والمشتبه فيه المباشر هو جنود الاحتلال الإسرائيلي. يتقن المحتل الإسرائيلي غزل المعلومات وتشويه الحقائق وتغيير الروايات وتشتيت الجماهير. حق شيرين وأحمد وجميع الشهداء الأبرياء واجب علينا جميعًا، والعدل سيسود يوما بالتأكيد.
القصة الحزينة لا تنتهي باستشهاد أحمد، بل الحقيقة المؤلمة أن خالي (والد أحمد وزوجته) وعائلات أكثر من ١٢٥ شهيدًا حُجزت جثامينهم، تخلوا اليوم عن مطالبهم بالعدالة، لا يريدون محاسبة المجرمين الإسرائيليين، طلبهم الوحيد هو تقبيل أبنائهم وداعًا ودفن أجسادهم بكرامة.
ناهيك عن اختلافاتنا وألواننا وخلفياتنا الأيديولوجية، من غير الطبيعي ان يتسامح أي إنسان مع هذه الحقيقة في عام 2023.
لم تفشل إسرائيل فقط في إصدار تقرير تشريح الجثة، بل لم تفتح تحقيقًا أيضًا. في البداية أعدم ابن خالي، وهذا لا يمكن تبريره، ثم صودر جسده وحرمت عائلته من أبسط حقوق الانسان في الوداع والدفن الكريم.
ابن خالي الشهيد أحمد ليس وحده, هو واحد من عشرات الفلسطينيين الذين صودرت جثثهم من عائلاتهم- ممارسة للعقاب الجماعي. أدعو الله أن يتم لم شمل أحمد وجميع ضحايا الظلم الإسرائيلي مع عائلاتهم من أجل وداع يليق بالإنسانية، لأن لكل إنسان الحق في أن يُدفن.
– دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي, كلية الدراسات العليا, الجامعة العربية الأمريكية.