كتب: عبد الغني سلامة
في كل يوم تقريباً نسمع قصصاً مرعبة حول اعتداءات جنسية على أطفال، منها ما انتهت بالقتل، وبعضها تم التكتم عليها، نظراً لحساسية الموضوع، وتعامل المجتمع معه ضمن التابوهات المحرمة.
وقد اطلعت على دراسات متخصصة عديدة (لا يتسع المجال لذكرها هنا)، أشارت إلى ارتفاع معدلات الاعتداء على الأطفال جنسياً، سواء في الدول العربية، أو في جميع دول العالم، والاعتداء يشمل الجنسين، والمثير المستهجن أن ثلاثة أرباع هؤلاء الأطفال تم الاعتداء عليهم من قِبَل أقارب من الدرجة الأولى، وقد سُجلت حالات لاعتداء آباء على طفلاتهم، واغتصابهن!!
فعادة من يعتدي على الطفل/ة يكون من الدائرة القريبة التي من المفترض أن يعيش فيها الطفل بأمان، وهذا يشمل أيضاً اعتداءات معلمين، ورجال دين (مشايخ وقساوسة).. بالإضافة للاعتداءات التي تتم من قبل غرباء يترصدون ضحاياهم ويستدرجونهم إلى موقع الجريمة، والمرعب في الموضوع أن أغلب حالات الاعتداء جاءت مترافقة مع ممارسة التعذيب والتشويه، وحتى القتل.
ومؤخراً تزايدت حالات الاعتداء على الأطفال واستغلالهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة انستغرام وفيسبوك، ويشمل ذلك محاولات الابتزاز والتحرش والتي تتطور إلى اعتداءات فعلية.. والأخطر من ذلك رواج تجارة الجنس، ودعارة الأطفال، خاصة في ما يُعرف بالإنترنت المظلم، أو «الديب ويب».
الجدير بالذكر أنَّ أغلبية الأطفال الضحايا يتكتمون على حادثة الاعتداء عليهم، ولا يبلّغون أهاليهم، خشية من ردة فعلهم، وحتى لو علم الأهل فإنهم سيمتنعون عن التبليغ خشية من المجتمع.. ما يعني أن الظاهرة ممكن أن تكون أكبر بكثير من الحجم الذي تظهره الإحصاءات الرسمية.
جميع قصص الاعتداءات على الأطفال تندرج تحت عنوان «البيدوفيليا»، ويقابلها بالعربية: «الغلمانية»، أو «اشتهاء الأطفال».. والمرعب في الموضوع محاولات بعض المنظمات وصف هذه الممارسة المنحرفة باعتبارها مجرد ميول جنسية، تمهيداً لمساواتها قانونياً واجتماعياً مع «المثلية».
فهل البيدوفيليا سوء أخلاق؟ أم اعتلال نفسي؟ أم شذوذ جنسي؟ أم ميول مشوهة تنتجها الغريزة وحدها؟ أم اضطرابات عقلية وعاطفية؟ أم هي كل ذلك؟
في سنة 1909 رصد طبيب سويسري اسمه «أوغست» ظاهرة اشتهاء الأطفال، وأطلق عليها تسمية «بيدوفيليا»، واعتبرها مرضاً نفسياً خطيراً، ولا يرجى شفاؤه.
وحسب المجتمع الطبي، فإن البيدوفيليا عبارة عن اضطراب جنسي ونفسي تجاه الأطفال، بحيث يشتهي الكبير تفريغ طاقته الجنسية من خلال الأطفال.
وهي من ناحية قانونية جريمة وجناية؛ لأنها اعتداء جنسي على طفل قاصر (ولد أو بنت)، غير مستعد نفسياً ولا جسدياً ولا عاطفياً لأي علاقة جنسية، ولا يملك من أمره الاختيار أو الاعتراض، وليس لديه الوعي الكافي لتحديد ميوله الجنسية، وغير قادر على الدفاع عن نفسه، وفوق ذلك فإن الاعتداء يكون غالباً بالقوة والقهر، أو بأساليب الاستدراج والخداع. وهذا الأمر يترك آثاراً نفسية مدمرة للطفل، ستستمر معه طيلة حياته.
أسباب البيدوفيليا عديدة، قد تكون بيئية مكتسبة، أو نتيجة اضطراب عقلي (تبين أن البيدوفيلي لديه قشرة دماغية أصغر من الإنسان الطبيعي)، وربما يكون العامل الاجتماعي هو الأهم، أي النظرة التحقيرية للأطفال، التي تجعل الكبار يستقوون على الصغار، ويتعاملون معهم من منطلق فوقي، دون احترام، أو شعور حقيقي بأن هذا الطفل إنسان كامل وذكي، ولديه حقوق، وشخصية اعتبارية.. فلا يرى فيه إلا جانب الضعف والقصور، وأنه غير قادر على الدفاع عن نفسه، أو يمكن خداعه واستدراجه..
بالمختصر، الشخص البيدوفيلي غير مقتنع بكينونة الطفل وإنسانيته، لذا هو مستعد لسحق آدميته ومحق شخصيته لقاء متعته الجنسية. فالجنس هنا لذاته، ومن أجل اللذة فقط، والمقترنة بلذة السيطرة.. وغالباً ما يكون هذا السلوك نتاجاً للكبت الجنسي الذي يفرضه المجتمع، فلا يجد البيدوفيلي مجالاً لتفريغ كبته إلا من خلال الأطفال.
وقد تكون للبيدوفيليا أسباب أخرى، مثل فشل الشخص في إقامة علاقات طبيعية مع الجنس الآخر، ربما بسبب شعوره بالنقص، وخشيته من التعقيد اللازم لإنشاء علاقة مع الكبار، أي مع شخص راشد وعاقل، فيجد في الطفل ملاذاً آمناً وسهلاً.
يكاد هذا المرض يكون خاصاً بالذكور، وهو قديم قِدم المجتمعات البشرية، فهناك نقوش ورسومات لحضارات قديمة (رومانية وفارسية وإغريقية وعربية) تظهر حالات من هذا النوع.. وربما أنها كانت ممارسة مقبولة في تلك العصور الغابرة، شأنها شأن العبودية والسبي والجواري وغيرها من أمراض البشرية، التي تخلصت منها حضارتنا الحديثة، وصارت تصنفها جرائم ضد الإنسانية، وتعاقب عليها بالقانون، وباتت مرفوضة اجتماعياً وإنسانياً.
وفي هذا السياق، يمكن اعتبار تزويج الطفلات نوعاً من البيدوفيليا، سواء اعتبرناه مرضاً نفسياً وعقلياً، أو ظاهرة اجتماعية متخلفة، في جميع الحالات الضحية طفلة (والطفل بالمقياس العالمي الحديث كل من لم يتم الثامنة عشرة من عمره).
وكما شخصنا حالة البيدوفيلي ومواصفاته ودوافعه، صار ضرورياً تشخيص الضحية.. أي الطفلة التي تقل عن 18 عاماً، ويتم تزويجها إما بالإكراه أو بالتخجيل، وبالتحايل على القانون.. الفتاة في هذا العمر غير ناضجة لا عقلياً ولا عاطفياً ولا جسدياً، وغير مؤهلة لاتخاذ قرار مصيري سيغير حياتها للأبد، بصرف النظر عن «تكور ثدييها»، و»صلاحيتها للوطء» و»سُمنتها»، حسب فهم واشتراط بعض الفقهاء، فالزوجة ليست للجنس وحسب.. وبصرف النظر عن مهارتها في الجلي والطبيخ، فالزوجة ليست طاهية ومدبرة منزل وحسب.. الزواج أكبر وأشمل وأرقى من ذلك بكثير.
الزواج اقتران روحي وعاطفي مبني على الحب والتفاهم، وهو علاقة تشاركية تكافلية، ومسؤولية على الطرفين، تجاه بعضهما البعض، وتجاه الأطفال، والحياة، والمستقبل.. وبالتالي فإن الزواج المبكر (للجنسين) يقوض أهم اشتراطات الزواج الناجح، ويسلب الزوجة الطفلة أهم وأجمل سنوات عمرها، أي مرحلة الطفولة والشباب والتعلم والتجريب والمحاولات واقتحام الحياة.. باختصار يسلبها إنسانيتها وحقها في الحياة الطبيعية.
وآن الأوان لنسمّي الأشياء بمسمياتها العلمية، فمن يشتهي طفلة (سواء للزواج أو بالتحرش والاعتداء) في الحالتين هو يعاني من البيدوفيليا؛ يريدها صغيرة، إضافة لإرواء شهوته الجنسية، حتى يسهل عليه التحكم بها، وتسخيرها لخدمته بالكامل، حتى لو عنى ذلك مصادرة حياتها.. والأهل الذين يزوجون ابنتهم الطفلة إنما هم يبيعونها، بتأثير أوهام اجتماعية متخلفة، وبممارسة تفتقر للرحمة وتنعدم فيها الإنسانية.