قال المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان أن مساومات باهظة الثمن تجري بين الادارة الاميركية وحكومة اسرائيل المينية المتطرفة حول البناء في المستوطنات.
فقد كشف المراسل الإسرائيلي المعروف باراك رافيد، الذي يعمل لصالح موقع “أكسيوس” الاميركي وموقع “واللا” العبري الاسبوع الماضي عن مخطط استيطاني إسرائيلي جديد سيتم الترويج له نهاية شهر حزيران الجاري، لبناء أكثر من 4 آلاف وحدة استيطانية جديدة في مستوطنات مختلفة من الضفة الغربية.
وأكد نقلا عن مصادر أميركية وإسرائيلية قولها إن حكومة بنيامين نتنياهو أبلغت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن نيتها الترويج لهذا المخطط الاستيطاني، وأنها قررت تأجيل مناقشة موضوع البناء في منطقة E1، الحساسة أمنيًا وسياسيًا، وأن الإعلان عن تأجيل البناء في تلك المنطقة جاء في سياق اوسع وعلى صلة بمخططات البناء المطروحة على جدول أعمال الحكومة الاسرائيلية ومنها بناء هذا العدد الكبير من الوحدات السكنية في مستوطنات الضفة الغربية، مشيرًا إلى أن هناك مساعٍ من الإدارة الأميركية لمحاولة تقليص عدد الوحدات الجديدة، وأن تكون في الكتل الاستيطانية وليس خارجها في المستوطنات المعزولة.
فيما قال مصدر إسرائيلي إن المجلس الأعلى للتخطيط والبناء في الإدارة المدنية سينعقد نهاية الشهر الجاري للمصادقة على هذا المخطط الجديد.
ووفقا للتقديرات فإن الرئيس بايدن لا يريد الدخول في معركة مفتوحة مع نتنياهو كتلك التي حدثت في عهد الرئيس باراك اوباما عندما وظف نتنياهو الكونغرس في خلافه مع الادارة، وهو لا يريد في الوقت نفسه ان يشهد الوضع انفجارا في الضفة الغربية او غزة مع الاسرائيليين وهو على وشك اطلاق حملته في انتخابات الرئاسة القادمة ومنهك بفعل الحرب الروسية الاوكرانية وهموم الاوضاع الاقتصادية والتوترات المتزايدة مع الصين الشعبية.
وهذا يعني ان خياراته في التعامل مع الحكومة الاسرائيلية وتحديدا في علاقاتها مع الفلسطينيين ونشاطاتها الاستيطانية محدودة ولا تستطيع ادارته سوى التعبير عن القلق من الاجراءات الاسرائيلية أحادية الجانب، وعليه فهي تكتفي بالاعلان عن تمسكها بحل الدولتين ومعارضتها لنشاطات اسرائيل الاستيطانية والدخول معها في الوقت نفسه في مساومات باهظة الثمن على كل حال بالنسبة للفلسطينيين، كالطلب من الحكومة الاسرائيلية تقليص عدد الوحدات السكنية التي يطالب بها سموتريتش وحصرها في الكتل الاستيطانية وحسب بكل ما يعنيه ذلك من موافقة من الباطن على قبول التوسع المحدود في خطط الاستيطان الاسرائيلية.
وهذا يعني تكرار المشهد الذي ترافق مع قرار الحكومة الاسرائيلية التراجع عن فك الارتباط من جانب واحد في الضفة الغربية عام 2005 وما تلاه شرعنة تسع بؤر استيطانية في شباط الماضي بتعطيل دور مجلس الأمن الدولي والاكتفاء بالتعبير عن الانزعاج الشديد والقلق العميق.
وبالتوازي مع ذلك ودون ان تعير حكومة اسرائيل اهتماما بالمواقف اللفظية للإدارة الأميركية او بالقانون الدولي، قررت ما يسمى باللجنة اللوائية الإسرائيلية توسيع البناء الاستيطاني على أراضي قرى لفتا وبيت إكسا وبيت حنينا التحتا وشعفاط في القدس لصالح مستوطنيتي “رموت” و”رمات شلومو” بواقع 1703 وحدة استيطانية جديدة في المنطقة الفاصلة بين بيت حنينا التحتا التي أصبحت خلف الجدار الفاصل، وبيت حنينا الفوقا ضمن حدود بلدية الاحتلال بعد أن تم دفع الجدار ونصب عشرات الكاميرات على طول الشارع الالتفافي القدس – تل ابيب 443 الذي قسم بيت حنينا إلى قسمين، وعزل بيت حنينا التحتا عن باقي أراضيها في القدس، وذلك بواقع 900 وحدة استيطانية في سفوح أراضي شعفاط غرباً وربطها بشارع التفافي آخر كمخرج للمستوطنة على ذلك الطريق السريع.
ووفق المخطط ذاته سيتم توسيع مستوطنة “راموت”على الجانب المقابل لمستوطنة رمات شلومو بسلسلة من المباني والابراج السكنية لتشكل جدارا استيطانيا من الغرب إلى الشرق مع بناء جسر فوق الشارع رقم 1 الذي يتفرع منه نفق أسفل مستوطنة التلة الفرنسية وجبل المشارف باتجاه مستوطنة “معالية أدوميم” والفرع الثاني على أراضي شعفاط باتجاه مستوطنة “جفعات زئيف” ومستوطنة “النبي يعقوب”.
وكانت “اللجنة اللوائية الاسرائيلية للتنظيم والبناء” في القدس المحتلة قد وافقت مبدئيا في أيار الماضي على إيداع مخططين لدى اللجنة اللوائية، لإقامة الوحدات الاستيطانية الجديدة شرق مستوطنة “رموت” التي يبلغ عدد سكانها اليوم حوالي 50 ألفًا.
هذا الهجوم الاستيطاني الواسع لا يقتصر على مدينة القدس المحتلة ومحافظتها، بل يمتد ليغطي محافظات أخرى في الضفة الغربية.
ففي محافظة قلقيلية، استولت سلطات الاحتلال الاسبوع الماضي على 70 دونما من أراضي قريتي مسحة وعزون عتمة التي تقع خلف جدار الفصل العنصري جنوب قلقيلية في منطقة “خلة أبو عتمة” والمزروعة بأشجار الزيتون، بهدف بناء 192 وحدة استيطانية جديدة لصالح مستوطنة “شعاري تكفاه”، وكانت سلطات الاحتلال قد اقدمت على توسيع المستوطنة قبل اعوام بوحدات استيطانية لتشكل مع الوقت وفي سياق سياسة توسع ممنهجة مدينة استيطانية ثانية في محافظة سلفيت.
وفي محافظة طولكرم يواصل المستوطنون تصعيد اعتداءاتهم ضد المواطنين الفلسطينيين وأراضيهم وزرعها ببؤر استيطانية جديدة في ظل حماية كاملة من قوات الاحتلال.
فقد أقدموا في الاسبوع الماضي على إقامة بؤرتين استيطانيتين الاولى في أراضي قرية بيتللو في محافظة رام الله والبيرة والثانية بلدة بيت ليد في محافظة طولكرم، ونصبوا عدداً من الخيام ووصلوها بالكهرباء في إشارة إلى نيتهم الاستيطان بشكل دائم في هذه الأراضي.
ومثل هذه الممارسات تتكرر في عهد حكومة نتنياهو وشركائه، أما الهدف منها فهو الى جانب السطو على اراضي المواطنين الفلسطينيين ومحاصرتهم في أضيق مساحة ممكنة، تحول هذه البؤر الى جسر ارتباط مع مستوطنة قائمة بالقرب او تجمع مستوطنات كما هو الحال مع البؤرة الاستيطانية الجديدة في بيت ليد للربط بين مستوطنتي “عناب” و “افني حيفتس” على اراضي بلدات عنبتا وسفارين وكفر اللبد وبيت ليد.
وفي محافظة نابلس، يقوم جيش الاحتلال باحتجاز المزارعين في بلدة برقة وبتهديدهم بالاعتقال إذا ما حاولوا التصدي للمستوطنين الذين يعربدون في المنطقة ويسارعون الخطى لإعادة بناء مستوطنة “حومش” والبقاء فيها بصفة دائمة بتشجيع من بتسلئيل سموتريتش الوزير في وزارة الجيش، ومن رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية بوسي داغان، وهما الأكثر تطرفا ودفاعا عن عودة المستوطنين الى المنطقة التي أخلتها حكومة شارون عام 2005 في إطار خطة الانفصال عن الفلسطينيين في شمال الضفة وفككت في إثرها اربع مستوطنات من بينها “حومش” المعزولة.
يلاحظ هنا ان الترتيبات تتسارع لإعادة بناء هذه المستوطنة بجهود مشتركة بين جيش الاحتلال والمستوطنين بعدما أنهت قوات الاحتلال التدابير الأمنية لحمايتهم ونصبت المكعبات الاسمنية وسواتر ترابية على حافتي الشارع الموصل للمستوطنة.
ولا يتوقف الهجوم الاستيطاني على السطو على اراضي المواطنين الفلسطينيين والتوسع في البناء في المستوطنات، بل يمتد الى ميادين أخرى تؤثر في حياة المواطنين الفلسطينيين، كالطرق الالتفاقية الجديدة.
فقد أنجزت سلطات الاحتلال الاسبوع الماضي طريق العروب الالتفافي وهو واحد من ثمانية طرق التفافية تقيمها اسرائيل لتسهيل حركة المستوطنين وتعويضهم عن السفر في مناطق مأهولة بالمواطنين الفلسطينيين، كما هو الحال مع التفافي حوارة.
وكانت سلطات الاحتلال قد أصدرت أمراً عسكرياً بذلك وصادرت مئات الدونمات من أراضي مخيم العروب وبلدتي بيت أمر وحلحول لشق هذا الطريق، وتدعي سلطات الاحتلال بأن هذا الشارع يشكل حلا للمصلحة العامة من ناحية المواصلات والأمان للفلسطينيين والمستوطنين الاسرائيليين، فيما يعتبر الفلسطينيون الشارع سياسة مكشوفة لعزل مخيم العروب وبلدة بيت أمر وأجزاء كبيرة من مدينة حلحلول، وأن الهدف الحقيقي من هذا الشارع يكمن في ربط ما يسمى بالقدس الكبرى التى حدودها تصل لبيت البركة مع مستوطنة “كريات اربع” ومستوطنة “كرمي تسور”.
وادعى نتنياهو أن الضفة الغربية هي “أرض إسرائيل” وأن الاستيطان فيها لا ينتهك القانون الدولي لأنها أرض متنازع عليها”، واعتبر أن منع اليهود من الاستيطان في الضفة الغربية هو “تطهير عرقي” وأن منع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية “هو عقبة في طريق السلام” وادعى بأنه لم يكن هناك أبدا قرار دولي بمنع اليهود من العيش في السامرة (الضفة الغربية).
فيما أعلن وزير الاسكان المتطرف اسحق غولد كنوف عن دفع خطة استراتيجية تشمل معظم مستوطنات مدينة القدس والضفة الغربية، حيث أوضح أنه يعمل مع مجلس “يشع” للتجمعات الاستيطانية في الضفة على وضع أول خطة هيكلية موحدة لجميع المستوطنات معا وفق رؤية اليمين التي تعتبر الضفة عمق ومحور الرواية والتاريخ اليهودي.
وجاءت تصريحات كنوف خلال جولة اجراها في مستوطنات شمال القدس والضفة الغربية في “شاعر بنيامين” و”كرنيه شومرون”، وتعتبر هذه الخطة تجاوزا وشطبا لدور قسم التخطيط فى الحكم العسكري (الادارة المدنية) في بيت أيل وضما عمليا للضفة الغربية المحتلة الى مهام الحكومة الإسرائيلية لأول مرة منذ بداية الاستيطان في الضفة عقب احتلالها في حزيران 1967.
وادعى الوزير فى لقاء اجراه مع رؤساء التجمعات الاستيطانية في شمال القدس والضفة الغربية المحتلة ان قلبه مفتوح لكل طلب عادل من جانب المستوطنين، وأوضح هذا الوزير الذي يتجول في مستوطنات القدس ومستوطنات الضفة الغربية بشكل شبه يومي ويجتمع بقيادات تلك المستوطنات أن عمل كل مجلس استيطاني على حدى دون اي عمل جماعي للبناء في المستوطنات ينطوي على تحديات بالنسبة لتخطيط المنطقة كلها.
أما المديرة العامة لوحدة اسكان المستوطنين في مستوطنة “اشكول” كيرن كيفن فأكدت بدورها ان هذه الحكومة هي فرصة ذهبية انتظرناها زمنا طويلا، فيما دعا شلومو نئمان، رئيس مجلس التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية “يشع” ورئيس مجلس “غوش عصيون الوزير الى تسريع عمل التخطيط الى المدى البعيد.
وفي تقرير جديد يكشف سياسة التمييز والفصل العنصري الاسرائيلية، كشف تقرير صادر عن منظمتي “كِرِم نابوت” و”حقل” المختصتان بأبحاث الأراضي، عن أن نصف الأراضي المصادرة في الضفة الغربية من قبل سلطات الاحتلال بحجة استخدامها للأغراض العامة، تستخدم من قبل المستوطنين فقط، فيما 2% من الأراضي المصادرة يستخدمها الفلسطينيون.
وتدعي سلطات الاحتلال لدى مصادرة أراضٍ في الضفة الغربية أن الهدف هو بناء بنية تحتية، مثل شوارع، لكن هذه السلطات أصدرت في السنوات الماضية أوامر مصادرة مساحات من الأراضي في الضفة الغربية وبنيت عليها أربع مستوطنات، وتواءمت عدد أوامر مصادرة الأراضي مع اتساع البناء في المستوطنات، وقد صدرت معظم أوامر مصادرة الأراضي في الأعوام 1977 – 1984، وعددها 179 أمراً عسكريا تشكل 56% من مجمل أوامر المصادرة، وخلال تلك السنوات أقيمت على هذه الأراضي المصادرة 70 مستوطنة جديدة، وترافق ذلك مع بنية تحتية وهي شوارع بالأساس لهذه المستوطنات.
وأشار التقرير إلى أنه منذ احتلال الضفة الغربية، في العام 1967، وحتى العام 2022 أصدرت سلطات الاحتلال 313 أمر مصادرة أراضٍ بمساحة 74 ألف دونم تقريباً، وزعمت أنها لخدمة احتياجات الجمهور.
غير أن التقرير أفاد بأن 37 ألف دونم من الأراضي المصادرة توجد فيها بنية تحتية، شوارع بالأساس، يستخدمها الفلسطينيون والمستوطنون، و36 ألف دونم مخصصة لاستخدام المستوطنين فقط، و1532 دونماً يستخدمها الفلسطينيون فقط، كما أصدرت سلطات الاحتلال أوامر مصادرة “مواقع أثرية”، بينها مصادرة 139 دونماً لموقع أثري باسم “أرخيلاس” في الأغوار وقريب من قرية العوجا.
وتزعم هذه السلطات أن مصادرة أراضٍ لاستخدام المستوطنين مسموحة في حال كانت تخدم الفلسطينيين أيضاً. فيما تثبت الوقائع زيف هذه الادعاءات.
على صعيد آخر، بات من الواضح أن خطة الحكومة الإسرائيلية لإضعاف جهاز القضاء، تمثل وفقا للعديد من منظمات حقوقية اسرائيلية ودولية تهديدا للفلسطينيين، لاعتبارها تستهدف المس بدور ومكانة عدد غير قليل من المنظمات غير الحكومية التي ترصد أنشطة الاحتلال بما في ذلك النشاطات الاستيطانية في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، وذلك من خلال فرض المزيد من الضرائب على هذه المنظمات للحد من قدرتها على رصد ومتابعة تلك النشاطات.
وفي هذا الصدد، حذر خبراء قانونيين من تقييد بعض سلطات المحكمة الإسرائيلية العليا التي يلجأ اليها بعض الفلسطينيين لتثبيت حقوق ملكيتهم لأراضي أو منازل أو منشأت، رغم انهم يدركون أنه حتى هذه المحكمة تعمل في أغلب الحالات كذراع من أذرع سلطات الاحتلال وتجيز الكثير من عمليات السطو على اراضي الفلسطينيين او من عمليات هدم بيوتهم وحتى ترحيلهم القسري بشكل جماعي في عمليات تطهير عرقي كما هو الحال مع المواطنين الفلسطينيين في القدس وفي الأغوار الفلسطينية والتجمعات البدوية ومسافر يطا في محافظة الخليل.