تراجعت حالة التوتر الأمني التي شهدتها بلدة كفر شوبا جنوب لبنان بعد تدخل قوات حفظ السلام الأممية (اليونيفيل) والجيش اللبناني، وجاء ذلك على إثر إطلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي قنابل دخانية وصوتية باتجاه مجموعة من أهالي البلدة احتجوا على أعمال حفر إسرائيلية تهدف إلى ضم أراضيهم الزراعية وإقامة سياج حدودي جديد.
وأسفر التوتر الأمني -الذي استمر اليوم الجمعة لنحو ساعة- عن إصابات بالاختناق بين المعتصمين جراء إطلاق القوات الإسرائيلية قنابل مدمعة باتجاههم، فيما تجاوز عدد من المعتصمين الشريط الشائك الذي نصبته إسرائيل، ورشقوا جنودها وآلياتهم بالحجارة تأكيدا على مقاومتهم لكل عمليات التوسعة والضم غير الشرعية التي تقوم بها إسرائيل.
ويصر الأهالي على رفع صوتهم تأكيدا على “لبنانية” تلال كفر شوبا ومزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل مقابل رفض الاعتراف بخط الانسحاب الذي رسمته الأمم المتحدة إثر الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب سنة 2000.
وأعلن الجيش اللبناني أنه “ينفذ انتشارا في المنطقة الحدودية بكفر شوبا في مواجهة العدو الإسرائيلي”، فيما قال أندريا تيننتي الناطق الرسمي باسم قوات حفظ السلام الأممية إن اليونيفيل على اتصال بمختلف الأطراف وتسعى لإيجاد حلول.
ودعا تيننتي الجانبين إلى “ممارسة ضبط النفس وتجنب الأعمال التي قد تؤدي إلى تصعيد التوتر على طول الخط الأزرق”.
القصة التاريخية
تقع بلدة كفر شوبا عند سفوح جبل الشيخ الغربية الجنوبية، وهي ضمن مثلث الحدود بين لبنان وسوريا وفلسطين التاريخية، وترتبط بإشكالية احتلال إسرائيل مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وبلدة الغجر في جنوب شرق لبنان، وهي أراضٍ لا تحظى باعتراف أممي وإسرائيلي بوصفها لبنانية، ويتم التعامل معها باعتبارها أراضي سورية.
وعقب الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان سنة 2000 قام فريق من الأمم المتحدة بترسيم خط الانسحاب المعروف بـ”الخط الأزرق” الممتد على طول الحدود الجنوبية للبنان باستثناء مزارع شبعا وتلال كفر شوبا.
واعتبرت الأمم المتحدة أن إسرائيل طبقت القرار 425 كاملا بالانسحاب من الجنوب اللبناني، وأن مزارع شبعا ليست لبنانية بل سورية وتابعة لمسؤولية قوات “الأندوف” (UNDOF) لا “اليونيفيل”، وذلك وفق ما يقول المؤرخ والباحث اللبناني الدكتور عصام خليفة ، والذي سبق أن أنجز دراسة خرائط للدولة اللبنانية حول هذه المنطقة.
ترسيم الحدود
وتاريخيا، يعود الاحتلال الإسرائيلي لهذه المنطقة إلى عام 1967، وشمل المزارع الممتدة طولا بنحو 24 كلم وعرضها نحو 13 كلم عقب احتلال مرتفعات الجولان السورية المحاذية لها.
وعقب الاجتياح الإسرائيلي سنة 1978 للجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني صدر القراران الدوليان 425 و426 بدعوة إسرائيل إلى الانسحاب الفوري حتى الحدود المعترف بها دوليا، فيما يصر لبنان على أن هذه الأراضي لبنانية وتحتلها إسرائيل منذ 1967.
والمشكلة الأخرى لدى لبنان تكمن في مسألة تاريخية أخرى لجهة عدم ترسيم حدوده البرية والبحرية مع سوريا منذ عهد الانتداب الفرنسي في البلدين (1920-1943)، وكانا منطقة انتدابية واحدة لفرنسا.
لكن الإشكالية الفعلية أن سوريا لم ترسل إلى الأمم المتحدة خرائط تؤكد فيها على لبنانية مزارع شبعا وتلال كفر شوبا رغم أهمية المسألة في حسم آلية تطبيق القرارات الأممية فيها.
لكن الرئيس السوري بشار الأسد سبق أن أقر في العام 2006 عقب “حرب تموز” بأن هذه الأراضي لبنانية، إلا أنه أبقى إشكاليتها معلقة باعتبار أن ترسيم الحدود البرية هناك يحتاج أولا انسحاب إسرائيل منها.
وهنا، يذكّر الباحث عصام خليفة بخريطة العام 1946 حين حصل اتفاق حدودي حول شبعا ومُغر شبعا (سوريّة) بين لجنة عقارية لبنانية سورية، حيث رُسمت الحدود ونقلت العلامات على الأرض، وكانت تمتد من شمال جسر وادي العسل إلى شمال بلدة النخيلة اللبنانية.
ويعتقد خليفة أن ثمة تجاهلا متعمدا من مختلف الأطراف لبلدة النخيلة وضرورة دفاع لبنان عنها، وهو ما عزز برأيه تمدد إسرائيل.
وقال “إن خطأ لبنان أنه لم يحسن تقديم حجته للأمم المتحدة بالخرائط التي يملك وبالوثائق التي قدمناها له”.
ويتحدث المؤرخ عن الأهمية الإستراتيجية لتلال كفر شوبا التي هي جزء من جبل حرمون (الشيخ)، وتحتوي على خزان هائل للمياه بنحو مليار و200 مليون متر مكعب “يرفد فلسطين المحتلة”، إضافة إلى دور هذا الجبل على المستوى العسكري لإسرائيل، حيث نصبت فيه أحد أهم أبراج المراقبة في الشرق الأوسط، وتستطيع عبره مراقبة دمشق بأكملها.
أمر واقع
هذه المسائل يؤكد عليها العميد الركن المتقاعد الدكتور هشام جابر، ويقول إن إسرائيل تدعي أن تلال كفر شوبا سوريّة، فيما قامت باحتلالها سنة 1982 عقب اجتياحها الثاني للبنان.
ويترأس جابر مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، ويعتبر أن إسرائيل اليوم تتمادى بأطماعها عبر عمليات الجرف وحفر الأنفاق، مستغلة عدم وجود دوريات دائمة لليونيفيل هناك، وتسعى إلى توسيع نطاق احتلالها أراضي لبنانية يملكها مزارعون لبنانيون.
وقال إن خط الانسحاب في هذه المنطقة فُرض على لبنان كأمر واقع، إضافة إلى استغلال إسرائيل القرار 1701 الأممي الصادر عقب “حرب تموز” 2006، حيث لا يستطيع حزب الله الوجود في منطقة جنوب الليطاني.
ويوضح أنه سنة 2001 صدرت خريطة للبنان جديدة عدلت الحدود عند المثلث اللبناني السوري الإسرائيلي، وجرى نقلها من خط جبل الروس- جبل السماق إلى خط وادي العسل من غرب شبعا حتى نهر الدان على حدود “فلسطين المحتلة”.
ما الحل؟
بدوره، يذكّر الكاتب والباحث السياسي أمين قمورية بما ورد في بيان القمة العربية في جدة بشأن لبنان، والذي أكد “على حق اللبنانيين في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفر شوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقهم في مقاومة أي اعتداء بالوسائل المشروعة”.
وقال قمورية “إن هذا البند بمثابة إقرار عربي بلبنانية المنطقة، ويمكن للموقف أن يتعزز أكثر بإنجاز ترسيم الحدود برا وبحرا بين لبنان وسوريا رغم كل ما يعترضه من عقبات وخلافات سياسية وجغرافية”.
وبينما ترى جهات لبنانية أن الأمم المتحدة منحازة لإسرائيل بالقضية يقول قمورية إن حلها يكمن في تأكيد سوريا قانونيا وأمميا على لبنانية الأراضي، متوقعا استمرار حالة التوترات الأمنية في تلك المنطقة بين الاحتلال وأهالي القرى اللبنانية من فترة إلى أخرى.
وبالتوازي، يرى المؤرخ عصام خليفة أن الحل يتحقق بتجهيز الحكومة اللبنانية المحاضر والخرائط والاتفاقيات ذات الصلة بين لبنان وسوريا منذ عهد الانتداب كاملة وعرضها كوثيقة دامغة للأمم المتحدة.
وأضاف “وتاليا، يمكنها الضغط بمطلب فصل مزارع شبعا عن القرار (242) والإصرار على أن القرار (425) هو ما يشمل مزارع شبعا تمهيدا لتحريرها من الاحتلال مع تلال كفر شوبا”، وهي مسألة تحتاج برأيه لإرادة سياسية لبنانية صلبة “لكنها غائبة”.