ضجت وسائل التواصل الإجتماعي بالتعليقات على وصف ما حدث في مدرستين مقدسيتين من نشاطات مستهجنة. وقد أظهرت النقاشات جانباً خطيراً يتساوق مع خطط الإحتلال الهادفة لتهويد المدينة وأسرلة مكوناتها وسلخها عن حاضنتها الوطنية.
وقد سبق وأشرت في مقالة سابقة للدراسات التي تصدر عن “معهد القدس لأبحاث السياسات” الإسرائيلي لصالح المؤسسة الإسرائيلية الرسمية، بما فيها الدراسات الخاصة بتنفيذ قرار مجلس الوزارء الإسرائيلي رقم 3790 الخاص بالتنمية الإجتماعية والإقتصادية في شرقي القدس.
تستعرض الدراسات التي أعدها “المعهد” المذكور تطور السياسة الإسرائيلية في القدس ومحاولاتها الحثيثة لتحييد دور الحكومة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية حتى العام 1987 لإنهاء تأثيرهما على المشهد في القدس وعلى توجهات المؤسسات المقدسية المختلفة، التي مثلت في مجموعها الهوية الوطنية للمقدسيين.
وتضيف دراسات “المعهد” بأن البعثات الدبلوماسية في القدس الشرقية دأبت على ممارسة نشاطاتها فقط بعد “إعتراف ومباركة” الحكومة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية على مرأى وسمع الحكومة الإسرائيلية.
أما المؤسسات التعليمية فقد مكنتها منظمة التحرير الفلسطينية والمؤسسة الأردنية المعنية بأن تقف سداً منيعا أمام محاولات الترغيب والترهيب لتبقى ملاذاً لحفظ الرواية الوطنية الأصيلة. يتضح فشل الحكومات الإسرائيلية من تحقيق إنعطافة لصالحها تمكنها من السيطرة على القدس ومكوناتها في تلك الفترة. ومع نهاية العام 1978 إنطلقت الإنتفاضة الوطنية من قلب مدينة القدس وسائر فلسطين ليعلن الكل الفلسطيني رفضه لدوام الإحتلال وظلمه ولحقه في تقرير مصيره.
تقترح دراسات “المعهد” أن “الإنعطافة” التاريخية التي أعلنت عن تغيير المشهد حصلت مع إنتهاء الإنتفاضة الشعبية وتوقيع إتفاقيات السلام وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994 التي أنيط بها مهاماً كانت حصرية لمنظمة التحرير الفلسطينية. بدأت “الإنعطافة” كما تقترح دراسات “المعهد” مع نقل مركز العمل السياسي من مدينة القدس إلى مدينة رام الله التي شكلت العاصمة السياسية “المؤقتة” للسلطة الوطنية الفلسطينية.
مع هذه الإنعطافة بدأت المؤسسات الوطنية الهامة بالإنتقال من مدينة القدس إلى مدينة رام الله وتم التوافق على إنشاء “الممثليات” الدبلوماسية الأجنبية المعتمدة لدى السلطة الفلسطينية في مدينة رام الله، ما حدى بالعديد من أنصار منظمة التحرير الفلسطينية بان يرفعوا صوتهم تحفظاً على ما يحصل كونه أدى لتفريغ مدينة القدس من بعدها الوطني، وكشف معه المجتمع المقدسي، الذي كان طوال الوقت حارساً أميناً للقدس ومؤسساتها، أمام الإحتلال.
وأمام تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية وإنهماك السلطة الوطنية الفلسطينية في إنشاء وإدارة مؤسساتها الفتية، وجدت المؤسسة الإسرائيلية الفرصة لتنفيذ خططها وفرض سيطرتها على المدينة ومكوناتها، وتفاقم هذا التوجه مع تعامل الإحتلال بعنف غير مسبوق خلال قمعه لإنتفاضة الأقصى وما نتج بعد ذلك من إقامتة لجدار الضم والتوسع وعزله القدس عن محيطها وسلخها “جغرافياً” عن مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية. وضمن هذا السياق، تضيف الدراسات، بأن الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية وغيرها تحولت كلياً إلى مدينة رام الله بعد ان كانت عامرة في مدينة القدس.
تخلص دراسات “المعهد” بشأن التوصية لمشروع القرار 3790 بأن الفجوة بين المجتمع المدني ومكونات القدس الشرقية من جهة والسلطة الوطنية الفلسطينية من جهة أخرى تفاقمت بشكل ملحوظ، وبأن نمو “الوطنية الجهوية” للمقدسين فتح فرصة للحوار بين الفاعلين من أفراد ومؤسسات داخل المجتمع المقدسي والمؤسسة الإسرائيلية، وأن ما يساهم في تحقيقها هو إتساع حدة الخلافات بين الفصائل الفلسطينية وإنعكاسها سلباً على المجتمع الفلسطيني والمقدسي بشكل خاص.
ختاماً: صادف يوم الثلاثاء الماضي ذكرى وفاة الراحل فيصل الحسيني “أمير القدس” فلروحه ولأرواح المخلصين من أبناء فلسطين الذين قضوا وهم يناضلون سوياً، كل الرحمة.