يقود الحملات الاسرائيلية، لعودة الاستيطان وتشجيعه في الضفة الغربية وخاصة في مستوطنة “حومش” المخلاة، الأحزاب اليمنية والمتطرفين من المستوطنين، الذين استخدموا الأسباب الدينية لتبرير دعواتهم، زاعمين أن أراضي منطقة حومش التي تعتبر حكومية ومساحات شاسعة منها يملكها مزارعين فلسطينيين من بلدة سيلة الظهر وقرية برقين، لأهميتها الدينية.
لكن خبراء ومختصين في الشأن الإسرائيلي شككوا في هذه المزاعم، وكشفوا في حديثهم لـ”القدس” دوت كوم، عن الأسباب والأبعاد الحقيقية لهذه السياسات التي تحظى بدعم وتغطية كبيرة من حكومة اليمين الأكثر تطرفاً في إسرائيل.
وكشف الخبير المختص بشأن الإسرائيلي، معاوية كامل من جنين، أن النواة الأولى لمستوطنة “حومش”، أقيمت على شكل قاعدة عسكرية تابعة للواء الناحال عام 1978، وهي أحد وسائل الجيش الإسرائيلي للسيطرة على أراضي الفلسطينيين، ومن ثم تحويلها للاستيطان المدني، منوهاً أن هذه الطريقة انتشرت بشكل مكثف بعد بروز حركة غوش ايمونيم وتكثيف البناء الاستيطاني في أواخر أيام حكومة العمل بقيادة رابين وصعود مناحيم بيغن والليكود في عام 1977.
وبالعودة لمعطيات وحقائق التاريخ، أوضح كامل، أنه في عام 1980 تحولت القاعدة العسكرية إلى مستوطنة مدنية أقامت فيها نحو سبعين عائلة نصفهم أو أكثر من اليهود العلمانيين، وقد ترك أكثر من نصف المستوطنين المستوطنة عقب اندلاع الانتفاضة الثانية وحل مكانهم مستوطنون من الحركة القومية الدينية.
وذكر كامل، أن المستوطنة سميت بهذا الاسم، وفقاً لبعض المصادر العبرية على اسم خمس قرى كانت قائمة في المنطقة في فترة التلمود، والتي استمرت من عام 70 للميلاد حتى الفتح الإسلامي، وعرف في العهد اليوناني باسم القرية الفلسطينية الفندقومية، ويعني الجزء الأول من اسم القرية خمسة باليونانية – حومش تعني خمسة أو خماسية بالعبرية – فانتا تعني خمسة وقومية تعني قرى.
ويرى الخبير كامل، أن عودة الاستيطان إلى المكان “حومش”، متصل بنشاطات الحركات الاستيطانية، ومنها شبان التلال الذين يرون بالاستيطان في كل شبر من “أرض إسرائيل”، وتحديداُ فيما يسمى “يهودا والسامرة”، نداءً مقدساً بحد ذاته، يتواطؤ معهم فيه الجهاز الأمني على معظم مركباته، ولكن بشرط عدم تعارض ذلك مع مصالح الدولة الاستراتيجية وخاصة العلاقات مع الولايات المتحدة.
أسباب أمنية ..
وبين كامل، أن هناك فريق مهم في الجيش والأمن في دولة الاحتلال، يرى أن إخلاء المستوطنات والقواعد العسكرية في منطقة جنين والاكتفاء بالسيطرة المتحركة على المدينة وجوارها من دون وجود دائم، كان السبب في تدهور الأوضاع الامنية في منطقة جنين خاصة، وصولاً إلى فقدان السيطرة في العامين الماضيين.
وأضاف: “يدللون على ذلك بالهدوء الذي تشهده مناطق مثل الخليل حيث الكثافة الاستيطانية وقدرة الجيش الإسرائيلي على التحرك السريع، بفعل وجود التجمعات الاستيطانية”.
وبين كامل أن هؤلاء يؤيدون علناً العودة تحديداً إلى مستوطنة حومش وترسلا (سانور )، ويعبر عن ذلك علناً وبدون مواربة قادة ما يسمى بالتيار الأمني – جمعية فوق سياسية، لكنها فعليا حركة يمينية تعلي من المصالح الأمنية والإستراتيجية، وتدعو للحفاظ على إرث أرض إسرائيل أيضا وتتمسك بالبقاء في كل شبر في الصفة الغربية مع إعطاء الفلسطينيين حكما ذاتيا يتعلق بالشؤون الحياتية البحتة فقط دون وجود كيان سياسي لهم المشروع الصهيوني”.
ويرى الخبير كامل، أن ما يجري بمسألة حومش، ترجمة لمنطق الاستيطان وهو نفس منطق المشروع الصهيوني، منذ نشأ هذا السرطان على أرض فلسطين منذ أكثر من مائة عام، سياج وبرج ثم إزاحة السياج والبرج.
وأضاف: “بمعنى آخر القضم الزاحف ولكن بكثير من الحكمة وما امكن من القوة، وإذا تطلب العودة خطوة أو خطوتين أو عشرة إلى الخلف يمكننا ذلك ، ولكن من أجل العودة والزحف مرة أخرى”.
افتعال القدسية ..
ومع إقرار حكومة نتنياهو فك قانون الانفصال وتشريع عودة المستوطنين، وفتح الطريق أمام غلاة المتطرفين لإعادة البناء والاستيطان في حومش.
أكد الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي محمد جرادات، أن الاحتلال افتعل قضية القدسية والأسباب الدينية، لتنفيذ مخططاته الخطيرة في تكريس الاستيطان والتهويد في فلسطين، مشككاً في الرواية المفبركة حول قدسية المكان إسرائيلياً.
وقال المختص جرادات: “قريباً من نابلس نحو جنين، كانت مستوطنة حومش المقامة على جبل القبيبات الفلسطيني، بين برقة وسيلة الظهر، قريبا من سبسطية الرومانية، حيث استراح صلاح الدين الأيوبي في رحلته نحو جنين، وقد افتعل اليهود لها قدسية، قد تبددت عام 2005 حينما أمر شارون بإخلائها، وصدر بموجب ذلك قانون فك الارتباط، إضافة لعدد من مستوطنات غزة والضفة، ليعود المستوطنون عام 2009 إلى حومش، لافتتاح مدرسة توراتية، وهي المدرسة التي تطلب استمرار وجودها إقامة عدة نقاط عسكرية بعد العملية التي نفذتها مجموعة من شباب الجهاد الإسلامي في جنين، والتي قتل وأصيب فيها ثلاث مستوطنين، أحدهم كان يعمل حارساً للمدرسة منذ افتتاحها”.
وذكر المختص جرادات، أنه عند إخلاء مستوطنة حومش عام 2005، حاول بعض الجنود التمرد، ورفعوا شعار حومش مثل تل أبيب، وهو ما يتكرر اليوم بعد صعود غلاة اليمين المتطرف لسدة الحكم في الكيان العبري، وقال: “اعتبر نتنياهو أن حومش أرض الأجداد، وأن مستوطنيها رواد الصهاينة، في وقت سبق لهؤلاء الروّاد أن تعاطوا منذ أشهر مع صفقة عرضها عليهم وزير الحرب، غانيتس، لإخلاء حومش، مقابل تثبيت مستوطنة أفيتار على جبل صبيح المجاور لنابلس أيضاً، وهو الجبل الذي يكافح أصحابه سلمياً منذ أعوام، وارتقى منهم عشرة شهداء في هذا الكفاح السلمي”.
تناقضات متغيرة ..
ويرى الباحث جرادات، أن تناقضات القداسة التوراتية عند الزعامة السياسية والعسكرية في الكيان العبري، تتغيّر وفق تطورات الميدان، فما هو مقدس اليوم، قد يصبح خطراً أمنياً في الغد القريب، أو مصلحة قومية للكيان، وما يهدد حياة الإسرائيلي حرام وفق الشريعة اليهودية.
وأضاف: “ما دفع شارون لإخلاء مستوطنة ياميت في سيناء عام 1982 بعد أن كانت مرشحة بعد تل أبيب وحيفا لتكون ثالث أكبر مدينة ساحلية، هو شارون ذاته الذي حوّل مقام يوسف في نفس السنة، ليصبح مزاراً يهودياً مقدساً، وهو ذاته الذي أخلى حومش”، وخلص للقول والتساؤل “هل تدفع مراهقات نتنياهو وحلفاؤه بن غفير وسموتريتش في الضفة الغربية نحو ميدان كسر عظام، يجعل عرين أسود نابلس وكتيبتها المظفرة تُنسي المستوطنين قداسة العظام المزعومة في نابلس وما حولها من جبل صبيح حتى حوميش؟”.
الرد الفلسطيني ..
وفي إجابته على السؤال، يؤكد الباحث فريد عبد الله، أن كل الأوضاع قابلة للانفجار والتصادم في كافة المحاور، إذا لم تتراجع حكومة المستوطنين، عن سياساتها المتطرفة والعنصرية ومخططات التهويد ومصادرة الأراضي وإقامة البؤر الاستيطانية، وإعادة المستوطنين لمناطق أُزيلت منها المستوطنات من محافظة جنين، مثل حومش وترسلة صانور وجانيم وقاديم.
وأضاف: “ببساطة، استخدام الأسباب الدينية غطاء لتضليل العالم وحلفاء إسرائيل، لكن فلسطينياً هناك قناعة بأن الخلفية استيطانية نابعة من سياسة حكومة اليمين المتطرف”.
وتابع: “مقابل ما تقدمه إسرائيل من دعم وتشجيع وحماية وتسليح للمستوطنين، تعيش الأراضي الفلسطينية حالة من الغضب والغليان ومزاج شعبي يتجه نحو المقاومة التي أرست قاعدة جديدة في الصراع والاشتباك، جسدته المجموعات والكتائب المسلحة التي أصبحت حاضرة وفاعلة بشكل يومي بمواجهة وتحدي الاحتلال، وأصدرت قرارات بملاحقة ومقاومة المستوطنين وتحريم وجودهم في الضفة الغربية والقدس”.
واعتبر المختص عبد الله، العودة لحومش، بمثابة انطلاق لإشعال شرارة مقاومة مسلحة عنيفة خاصة في منطقة جنين، التي تحولت لبؤرة مقاومة ورأس حرب في مقاومة الاحتلال، وقال: “منذ عملية الجهاد الإسلامي قبل عامين والتي استهدفت مستوطني حومش، تكررت الهجمات وعمليات المقاومين وهجماتهم على الموقع، والسلاح والخيار الوحيد، هو الكفاح المسلح، ولم يعد خافياً على أحد، قوة كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس ولواء الشهداء التابع لكتائب شهداء الأقصى”.
وأضاف: “وجود هذه الخلايا، واستعدادها للقتال وتطويرها أدواتها النضالية، وفشل الاحتلال في القضاء عليها، يؤكد أن المنطقة على أبواب معركة لن تتوقف بغض النظر عن الاختلاف بموازين القوى، ولكنها تعبر عن موقف فلسطيني صلب في التصدي للاحتلال ومستوطنيه ورفض وجودهم مهما كان الثمن”.