“مترجم”: إسرائيل دولة فوق القانون الدولي تعود لسياسة الاغتيالات بغزة

Palestinian civil defence remove a body from a burnt apartment, after it was targeted by Israel, in Gaza City on May 12, 2023. Israel and Gaza militants traded heavy fire on May 12, as hopes faded of securing a truce to end days of fighting that have killed dozens, all but one of them Palestinian. (Photo by Mohammed ABED / AFP)

قالت صحيفة هآرتس العبرية، اليوم الإثنين، إن إسرائيل نفذت عمليات الاغتيال ضد قادة حركة الجهاد الإسلامي، رغم معرفتها المسبقة بنتائجها، والتي ستؤدي للمس بالمدنيين وقتل أبرياء، إلا أنها اختارت تنفيذها.

وبحسب الصحيفة العبرية، فإنه ورغم حديث بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية عن تنفيذ عملية “مثالية”، إلا أنه لم يتطرق لاستشهاد 10 مدنيين فلسطينيين من بينهم أطفال، من أقارب قادة الجهاد الإسلامي.

وأشارت إلى أن خطر المس بالمدنيين الفلسطينيين قائم في أي عملية عسكرية، وخاصة في مثل هذه الحالات بتنفيذ اغتيالات مركزة، وهي السياسة القديمة المتجددة والتي دائمًا ما يسقط فيها أبرياء، مشيرةً إلى أنه لا يوجد مصدر رسمي في إسرائيل لم يعترف بأن الاحتمالية المرتفعة لسقوط ضحايا مدنيين كانت معروفة مسبقًا.

ونقلت الصحيفة، تصريحات لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي الذي قال بعد العملية الأخيرة، لو كان بالإمكان لكنا ضربنا “الأهداف الإرهابية” بدون أن نمس بالآخرين، ونحن نبذل كل جهد من أجل ذلك. كما ادعى.

وتطرقت الصحيفة للمستشار القانوني السابق لجهاز الشاباك إيلي يخار، الذي كتب الأسبوع الماضي في مقال له بنفس الصحيفة العبرية، بأن “تداعيات العملية كانت واضحة .. هناك علم أسود يرفرف فوق هذه الاغتيالات”.

ويقول إلياف ليبليخ البرفيسور في القانون الدولي بجامعة تل أبيب، إن العملية الأخيرة لم تبرر تداعياتها كما هو مطلوب ومفهوم في قوانين الحرب بالقانون الدولي، مبينًا أن تلك العمليات نفذت في وقت لم يتم فيه إطلاق النار على إسرائيل، ومن أجل إحباط تهديد فوري.

وقال ليبليخ: “إسرائيل هي من اختارت زمان ومكان العملية في وقت لم تكن فيه هناك أي مظاهر حرب فعلية، والحديث يدور عن أشخاص تم استبدالهم بأشخاص آخرين على الفور”.

فيما يقول غيورا آيلاند الذي ترأس سابقًا لسنوات هيئة الأمن القومي وقسم العمليات في الجيش الإسرائيلي: “إن الضرر الذي تسبب به الهجوم قد يعتبر معقول بشكل عام، في حال لم يكن هناك إمكانية معقولة لتأجيل العملية”.

ولفتت الصحيفة، إلى أن منظمتين إسرائيليتين هما “يوجد حدود”، و “اللجنة ضد التعذيب”، طلبتا منذ أيام، من المستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية غالي بهارف ميارا، تشكيل لجنة مستقلة لفحص المس بالمدنيين والإضرار بهم من قبل الجيش في عمليات الاغتيال التي نفذت.

وترى المنظمتان كما قدم بالنيابة عنهما المحاميان ميخائيل سفارد، وشنير كلاين، إن الحكومة الإسرائيلية ملزمة بفعل ذلك، تنفيذًا لقرار صدر عن المحكمة العليا عام 2006 في أعقاب اغتيال صلاح شحادة من حماس.

ورد مكتب  المستشارة القانونية بأنه سيتم النظر في الطلب والرد عليه.

وتقول هآرتس، أنه بعد عملية اغتيال شحادة في 2002، التي أودت بحياة 14 فلسطينيًا مدنيًا بعد إلقاء قنبلة بوزن طن على بناية بغزة، وبعد إدانات دولية واتهامات للجيش الإسرائيلي حينها بارتكاب جريمة حرب، والتي رفضها الأخير واعتبر أن الاغتيالات المركزة قانونية، صدر قرار من رئيس المحكمة العليا آنذاك أهارون براك الذي شرعن سياسة الاغتيالات في ظل شروط معينة منها، أنه يجب أن يكون الهدف منها منع الإضرار بإسرائيل، وبعد الحصول على معلومات موثوقة، وتجنب المس بالمدنيين، إلا في حالة عدم وجود وسائل أخرى للتعامل مع هذا التهديد.

ويقول المحامي سفارد، إنه في حالات سابقة أصيب في عمليات مماثلة أطفال ونساء، وكان يدعي الجيش الإسرائيلي أنه لم يقدر ما جرى بشكل صحيح، ولكن في هذه المرة كان الأمر مختلفًا، وأن هناك تغيير مهم، ولذلك نحن نناضل ضد التصفيات منذ 20 عامًا، ولكننا كنا قلقين من هذه العملية، لأنه للمرة الأولى الجيش الإسرائيلي بحسب ما نشر كان يعرف مسبقًا بأنه سيمس بالأطفال والنساء الأبرياء.

ويظهر من تحقيق لجنة تم تشكيلها في أعقاب قرار المحكمة العليا، وبالتحديد في عام 2011، أنه في عملية اغتيال صلاح شحادة كان هناك اختفاقات كبيرة في التخطيط لعملية الاغتيال، وأن هناك شبهة جنائبة من قبل ضابط في جهاز الأمن أو من قبل المستوى السياسي.

وبحسب صحيفة هآرتس، فإنه من نتائج التحقيق في ذاك العام، تغيرت بشكل كبير طابع عمليات جهاز الأمن في كل ما يتعلق بالاغتيالات التي تنفذ عبر سلاح الجو، لكن يبدو أن تلك الدروس قد اختفت في جولات القتال الأخيرة، وحدث انخفاض في استخدام الاغتيالات المركزة من الجو وتطوير وسائل تكنولوجية تمنع المس الكبير بالأبرياء في حالات مشابهة بالمستقبل، وهو ما ظهر في الجولة الأخيرة.

وتستخدم إسرائيل في السنوات الأخيرة مصطلح “بنك الأهداف”، وهو قائمة من الأهداف التي يهدف للمس بها عن طريق سلاح الجو وقوات أخرى، ولا يشمل فقط الشخصيات بل امتد منذ ولاية أفيف كوخافي رئاسة الأركان ليشمل البنى التحتية والمنازل والأهداف العسكرية والعقارات الخاصة بالفصائل الفلسطينية.

ومعظم العمليات التي نفذت في القطاع منذ الانسحاب عام 2005، بدأت باغتيال شخصية قيادية من الفصائل، وكانت تنفذ بعنصر المبادرة والمفاجأة كما جرى مع أحمد الجعبري عام 2012، قبل أن يسارع مثله مثل عدد آخر للتخفي.

ويتم إدارة هذه الهجمات من غرفة عمليات مشتركة لسلاح الجو والاستخبارات والنيابة العسكرية، ويوجد في الكثير من الأحيان بداخل هذه الغرف رؤساء جهاز الأمن وممثلين عن المستوى السياسي، وأحيانًا رئيس الحكومة يأتي لاتخاذ قرارات سريعة لإخراج عملية ما إلى حيز التنفيذ، كما فعل نتنياهو في عام 2019 عند اغتيال بهاء أبو العطا القيادي في الجهاد الإسلامي.

وتقول الصحيفة، إن المعلومات الاستخبارية عن أي هدف سواء شخص أو مبنى، يتم جمعها خلال فترة طويلة، إلى حين اتخاذ قرار ببدء تنفيذ الهجوم، بعد الوصول للمعلومة الذهبية الدقيقة جدًا عن مكان الهدف والظروف التقنية التي قد تؤثر على قدرة ضرب المكان، ويتم فحص ذلك مع مجموعة من المستشارين القانونيين، ويدور نقاش حول ذلك وكذلك حول مدى تورطهم في التخطيط لتنفيذ هجمات، وليس كرد أو عقاب على مسؤوليتهم عن عمليات نفذت في السابق.

وتشير الصحيفة إلى أنه منذ قرار المحكمة العليا عام 2006، أمر النائب العسكري العام بالتحقيق في كل حال قتل فيها أبرياء، مشيرةً إلى أنه بعد انتهاء عملية “الجرف الصامد” عام 2014، تلقت النيابة العسكرية نحو 500 شكوى تتعلق بنحو 360 حادثة، وحينها أمر أفيحاي ماندلبليت الذي كان مسؤولاً عن النيابة، بفتح تحقيق في بعض الحالات البارزة التي حصلت على تغطية إعلامية دولية، أو وصلت إلى هيئات قضائية مختلفة، منها أحداث يوم “الجمعة الأسود” في رفح، وقصف مستشفى أبو يوسف النجار، إلا أنه تم إغلاق الملف لاحقًا لعدم وجود أدلة تثير الشك بوقوع مخالفة جنائية.

وفي عملية “الحزام الأسود” عام 2019، استشهد 9 فلسطينيين من عائلة السواركة في غزة، خمسة منهم أطفال، في مكان اعتقد الجيش الإسرائيلي أنه كان للجهاد الإسلامي، وبعد تحقيق عسكري تبين أنه تم اعتبار المكان هدفًا عسكريًا كان خاطئًا، وأنه لم يكن معروف تواجد العائلة بالمكان، ورغم ذلك لم تتخذ أي إجراءات قانونية أو عقابية.

 

 وفي الطلب الذي قدم للمستشارة القانونية، فإن عملية اغتيال صلاح شحادة كانت آخر عملية يتم تشكيل لجنة تحقيق محايدة فيها، ولذلك تم الطلب من جديد بتشكيل لجنة مماثلة في العملية الأخيرة.

ويقول النائب السابق للمستشار القانوني للشؤون الدولي روعي شايندروف، إن قرار المحكمة العليا عام 2006 لا يسري على تطورات الأوضاع في غزة، وأن القرار تطرق لفترة ما قبل الانسحاب من هناك، وأن المس حاليًا بقيادة الجهاد مختلف كليًا، لأن إسرائيل تعتبر نفسها في حالة مواجهة نشطة مع الجهاد ولم تعد تسيطر على الأرض بغزة.

واعتبر أن اغتيال قادة الجهاد جاء ردًا على إطلاق الصواريخ، ولذلك لا تعتبر عملية تصفية مركزة، لكنها من منطق الجيش الإسرائيلي أنها رد على إطلاق النار من القطاع، معتبرًا أنه يمكن حاليًا فتح تحقيق في عمليات تتعلق بالضفة الغربية بحكم السيطرة الإسرائيلية عليها، وبسبب سقوط ضحايا مدنيين هناك، ولكن لا توجد أي صلة لذلك مع ما يحدث في قطاع غزة.

فيما يرى إيال غروس البرفيسور في جامعة تل أبيب، بأن طلب تشكيل لجنة تحقيق لا زال ممكنًا، وأنه لا زال من المؤكد أنه يمكن تجنب توجيه ضربات طالمًا هناك ضرر غير متناسب.

فيما قال ليبليخ إن إسرائيل ملزمة بالتحقيق في المس بالمدنيين بدون صلة بقرار المحكمة، بل بسبب قواعد القانون الدولي، مرجحًا أن يقوم خبراء دوليين بالتحقيق بما جرى مؤخرًا في حال لم تقوم إسرائيل بذلك.

وتقول طال شتاينر المديرة العامة للجنة “ضد التعذيب”، إنه في حال لم يتم تشكيل لجنة مستقلة لفحص قانونية العمليات بغزة، فإن إسرائيل ستشهد على نفسها بأنها لا تريد الحفاظ على قواعد القانون الدولي وقوانين الحرب، وهي ستفتح الباب أمام تدخل المؤسسات الأجنبية من أجل تحقيق العدالة لضحايا سياساتها غير الأخلاقية.

Exit mobile version