نظمت وزارة الإعلام السعودية للإعلاميين وممثلي الصحف والقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية التي غطت القمة العربية ٣٢ في جدة، جولة في “بينالي” الفنون الإسلامية في مدينة جدة، تحت عنوان “أوّل بيت”، والذي يضم قطع فنية وأثرية تاريخية معروضة بأسلوب علمي وفني متميز ومختلف ومبتكر بطريقة جميلة تنعش الذاكرة وتجيش المشاعر والاحاسيس.
الصحفيون الذين شاركوا في الجولة استمعوا لشرح فكرة هذا المعرض الفريد والوحيد في العالم العربي من حيث المعروضات وطريقة العرض العلمي والتقني.
وقال مرشدنا في هذه الجولة سمير هوساوي ان “البينالي” يضم أربع صالات عرض وجناحين، و15 عملاً من نفائس ونوادر التُحف الإسلامية التي تعرض للمرّة الأولى، فضلاً عن 280 قطعة فنّية وتاريخية مختارة من قبل المؤسسات المختلفة، وأكثر من 60 لجنة تحكيم.
وأضاف:”تتميّز المجموعات بقطع من الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، مثل باب الكعبة ومفتاحها، ومقتنيات أثرية من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، ومخطوطات قرآنية، أبرزها أحد أقدم المصاحف التي يعود تاريخها إلى عصر قريبٍ للنبوة، فضلاً عن نموذج مخطوط للمصحف الشريف من الذهب الخالص.
ولفتت مرافقتنا المتخصصة بالإعلام العربي والدولي رغد الحازمي الى ان قسم “القبلة” البينالي رغم حجمه الصغير نسبياً فإنه يضم مجموعة ضخمة من المعروضات، في الأساس هو يعتمد على إثارة الأحاسيس ويثير المشاعر الايمانية ويستحضر مكانة القبلة والبيت الحرام في نفوس المؤمنين”.
وعن قاعة العرض الأولى “القبلة” اسمها وموضوعها وخاتمتها يقول مرشدنا سمير هوساوي كما ترون غرفة خافتة الإضاءة للمسجد الحرام بمكة بعرض ٣٦٠ درجة ضخمة، ولكن الصوت هو الأساس هنا، حيث نسمع ترددات للأذان من مختلف أنحاء العالم الإسلامي .
و تفضي الغرفة لعدد من الغرف المتتالية، تتناول كل منها طقساً محدداً مثل الوضوء والصلاة ثم الصلاة الجامعة والموت لتنتهي عبر ممر طويل خافت الإضاءة لغرفة الكعبة. هي غرفة بيضاء ساطع ضوؤها يزينها باب ذهبي للكعبة، وهو الباب الذي أمر الملك عبد العزيز بصنعه عام 1940، كذلك يضم العرض باباً آخر للكعبة من عهد السلطان مراد الرابع، يعود لعام 1630، ظل في مكانه باباً للكعبة لمدة أكثر من 300 عام، قبل أن يتم استبداله بباب الملك عبد العزيز، وأيضاً لدينا ميزاب الكعبة وكثير من المنسوجات.
ويقول هوساوي في تسلسل العرض، دخلنا غرفة في ارضيتها عدداً من شواهد القبور الأثرية من مقبرة المعلاة في مكة المكرمة. وعددها 34. معروض عدداً أكبر منها في البينالي حيث شاهدنا 84 من هذه الشواهد التي تدفع للتمعن فيها اشكالها وطريقة الكتابة عليها وأنواع الخطوط ومعاني ما كتب على هذه الشواهد.
وتقول رغد الحازمي:” المعرض ليس معنياً بوصف الحج، بل يأخذ بعض الشعائر الهامة، في محاولة لعكس إحساس متسامٍ بالمعنى. الرحلة من الغرفة شبه المظلمة للغرفة الأخيرة البيضاء ساطعة الضوء هي رحلة غنية بالمشاعر السامية الخروج من الظلمات الى النور فالتجربة بالنسبة للمسلمين سيكون لها وقع خاص يمس الروح والمشاعر، لكن العرض أيضاً يخاطب غير المسلمين تبعث على الاحترام والتقدير.
العرض يتناول طقوساً وممارسات و كيف نتعامل مع الأذان هنا؟ فهي موضوعات لم يتم تناولها في أي عرض متحفي من الممكن استخدام الأذان في العرض، لكن العروض المتحفية هي دائماً عن القطع المحددة، والطقس ليس قطعة جامدة، يمكن عرض بعض القطع المرتبطة بالطقس مثل سجادة صلاة أو سبحة، لكن الطقس معنى من الصعب تصويره في إطار العمل المتحفي. فالعرض ليس وصفاً للحركات والطقوس، لكنه حول المشاعر. وفي إطار تخيل جديد لمعاني الطقوس الإسلامية.
وأوضح هو ساوي خلال الشرح عبر (أجهزة لا سلكية تم توزيعها على الصحفيين ) هناك ثروة من القطع الأثرية والتاريخية، وكثير منها لم يعرض من قبل، وهي من مقتنيات عدد من المؤسسات الرفيعة، مثل متحف الحرمين بمكة أو مكتبة المدينة العامة، بالإضافة إلى قطع مستعارة من مؤسسات عالمية، مثل متحف اللوفر بباريس. من بينها مفتاحاً أثرياً للكعبة، وهو من مقتنيات متحف اللوفر، ومفتاحاً آخر مستعاراً من متحف الفن الإسلامي بالقاهرة.
والملفت طريقة التناول والمحتوى للبينالي مختلفة تماماً عن العروض المتحفية للفن الإسلامي، فالبينالي يدور حول فن الهوية الإسلامية ومعنى أن تكون مسلماً.له حلة معاصرة من قطع أثرية في قسم مكة، لكن العرض لا يقدم التفسير الحرفي، وإنما هو عن المحسوس، وأيضاً إعطاء الزوار لحظات أو لقطات بصرية أساسية ستظل معهم، فالعرض يعتمد على المساحات الواسعة، وأيضاً على الإحساس، وأعتقد أنه سيمنح المسلمين إحساساً بالفخر، ولغير المسلمين الإحساس بالاحترام.
ويحاول البينالي شرح 1400 عام من التعبيرات الثقافية المختلفة، من إسبانيا إلى آسيا الوسطى، وموقع مكة والمدينة والطريقة التي تؤثر بها المدينتان المقدستان في الطقوس التي يمارسها المسلمون وأيضاً تؤثر على فكرتهم بالموطن أو (أول بيت)، فالتعبير كما هو واضح يشير إلى أول بيت وضع للناس، وهو البيت العتيق، لكن التعبير أيضاً يلعب على معنى كلمة بيت كـ(منزل).
ومن القطع الجميلة التي تؤثر ولها معنى عميق قطعة من الخزف في العرض تحمل أبياتاً من الشعر، -هي قصيدة جميلة لشاعر تركي من القرن السابع عشر، يقول فيها ما معناه: (كل من يحل على الكعبة تحل عليه بركات الرحمن. كل امرئ يدعو من يحب إلى منزله… هذه الأبيات تختصر الموضوع… كذلك يلمسه زوار البينالي ان هذا المتحف والمعرض الحسي مختلف عما اعتاد الناس عليه، وأيضاً البناء المعتمد على المزج بين المعاصر والتاريخي أيضاً مختلف بالنسبة للمعروض من المحتوى الأثري والتاريخي.
ومن المعروضات حسب هوساوي والحازمي هناك قطع لم تعرض من قبل مثل عرض مصحف من مقتنيات المتحف الوطني بالرياض يعود لنهاية القرن الثامن وبداية التاسع الميلادي، بديع جداً، معروض منه 32 صفحة مكتوبة على الجلد بماء الذهب، وبهذا تبدو عملية التكرار في عرض صفحات المصحف بحد ذاتها عملاً فنياً…
كما يضمّ “البينالي” قطعاً أثرية وتُحفاً ومجسّمات تاريخية من متاحف عالمية، كمتحف “بيناكي” في أثينا، ومتحف “تاريخ العلوم” في أكسفورد، ومتحف “اللوفر” في باريس، ومتحف “فيكتوريا وألبرت” في لندن.
الرئيسة التنفيذية لمؤسسة بينالي الدرعية آية البكري، أكّدت على الأهمية التي يكتسبها بينالي جدة “كحدث بارز على أجندة الفعاليات الفنية حول العالم، إذ يقدّم تجربة فنّية معاصرة، تسلّط الضوء على مختلف أشكال الفنون الإسلامية بمشاركة أبرز الفنانين في المملكة والعالم”، لافتة إلى أن المؤسسة “استعانت بفريق دولي من القيّمين الفنّيين للإشراف على فعاليات البينالي، يضم علماء آثار بارزين سعوديين وعالميين”.
وأضافت: “نتطلّع إلى العمل على بناء جسور بين الحرفيين الصناعيين والأوساط الأكاديمية والممارسات الفنية والإبداعية، لفتح آفاق جديدة، وإيجاد نقاط التقاء جديدة لاستلهام وتوليد المعاني من خلال تأمّل مركزية الكعبة المشرفة بالنسبة للمسلمين في جميع أنحاء العالم”.