الاتحاد الأوروبي اتخذ خطوة بإلغاء الاحتفالية (أيام أوروبا) لمينع المتطرف بن غفير من الحديث كممثل لدولته، معلناً في بيانه: (لا نريد ان نقدم منصة لشخص تتعارض آراؤه مع القيم التي يمثلها الاتحاد الأوروبي). أما المسؤولين الفرنسيين الرسميين فيبدو انهم سيقاطعون سموتريتش عند حضوره لباريس لحضور مؤتمر وزراء مالية دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD ).
ربما يجد البعض في هذه الخطوات موقفاً أوروبياً جيداً ضد العنصرية الصهيونية فيهللون للموقف المعلن، وأنا مثلهم أرحب بهذا. فعلا ماذا نريد أكثر من مقاطعة بن غفير وسموتريش وهما يمثلان العنصرية الصهيونية الفاشية بأبهى صورها؟ لا شك ان هذا يؤثر على مكانة دولة الاحتلال عالمياً. ولكن ينتصب السؤال هنا بقوة: هل حضور وزير آخر للاحتفال ب (ايام أوروبا) غير بن غفير، أو نتياهو نفسه لن يتعارض ( مع القيم التي يمثلها الاتحاد الأوروبي) ؟ فهل بن غفير وسوتريش فاشيين وعنصريين عند الأوربيين، فيما نتياهو ليبرالي ديموقراطي مقبول للأوروبيين وينسجم مع قيمهم؟ وهل الاستعمار الاستيطاني في فلسطين وسياسة التطهير العرقي منذ النكبة والتمييز العنصري الممارس في دولة المشروع الصهيوني لا تتعارض بالمجمل ايضاً ( مع القيم التي يمثلها الاتحاد الأوروبي)؟ ربما يحتاج الاتحاد الأوروبي لجرأة استثنائية في استخدام ماكينة الدعاية الكاذبة لتبرير مواقفه.
وهذا ما لم تشعر أورسولا رئيسة المفوضية الأوروبية ولا الحكومة الألمانية أنها بحاجة له فهما صريحان تماماً في تمثيل ما اعتقده قيم الاتحاد الأوربي.
الحكومة الألمانية لم تكف عن ملاحقة أي نشاط سياسي تضامني مع شعبنا ومندداً بجرائم الاحتلال، سواء أقام به ألمان متضامنون، وهم قلة على ما يبدو، او نشطاء الجاليتين العربية والفلسطينية، وطبعاً دائماً الحجة/ الكذبة هي هي: هذا نشاط معاد للسامية. وحديثاً منعوا اي نشاط لإحياء ذكرى النكبة وبذات الحجة. يبدو أن الألمان ليسوا فقط مخلصين لسياسة الرجل الأبيض العنصرية كما عبرت عنها أورسولا، وسنأتي لاحقا عليها، بل ولا زالوا يعانون تلك العقدة النتفسية التاريخية التي غرسها الصهاينة في دواخلهم حول مسؤوليتهم عن الهولوكوست، وهم مسؤولون بالتأكيد، والتي تحول دون أي تنديد ألماني بالعنصرية الصهيونية، بل والدفاع عنها وتبريرها بمزاعم اللاسامية.
أما اورسولا فكانت الممثل الرسمي لكل تراث الرجل الأوربي الأبيض العنصري الإمبريالي، بحيث اختصرت الترسانة الأيديولوجية لكل العنصرية الأوروبية بجملتين: وصفت إسرائيل بأنها (الديموقراطية النابضة بالحياة)، وخاطبت الإسرائيليين قائلة: (انتم حرفياً جعلتم الصحراء تتفتح). الجملة الأولى صدى لما كانت تروجه عنصرية الرجل الأبيض الأوروبي صاحب المشروع الاستعماري من ان استعمارهم هدفه نشر الديموقراطية والحرية لدى الشعوب البدائية. أما جملتها الثانية فيمكن اعتبارها منسجمة مع أكثر التبريرات وقاحة في تاريخ الرجل الأبيض الأوروبي حين صوّر العالم خارج أوروبا بأنه قاحل ينتظر (المنقذ الحضاري الأوروبي لتعميره) وها هو الآن بهيئة المستعمر الصهيوني، كما تراه أورسولا.
أورسولا لم تخف عنصريتها وحملها لأيديولوجيا الرجل الأبيض وحماسها الملفت للنظر للمشروع الصهيوني الاستعماري. مع ذلك فلا غرابة، فإن وشائج ايديولوجية تقوم بين المشروعين: الاستعماري الأوروبي وايديولوجيته منذ القرن السادس عشر والمشروع الصهيوني الاستعماري وايديولوجيته المتشكلة منذ منتصف القرن التاسع عشر، بل أكثر من ذلك: يمكن اعتبار المشروع الثاني وليد الأول، فالرجل أبيض هنا وهناك، والمستعمر هنا وهناك، وحجته (الحضارية) لتسويغ عنصريته واستعماره هنا وهناك، بل أكثر وأكثر: التسويغ الديني، متمثلاً بشعار أرض الميعاد وشعب الله المختار موجود هنا وهناك، لدى الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية التي روجت للاستعمار آنذاك، ولدى الحركة الصهيونية والتلاقح الذي أنشأته بين مشروعها السياسي والنص التوراتي.
أورسولا قالت الجوهر الذي لم ينجح الاتحاد الأوروبي والحكومة الفرنسية في موقفهم من بن غفير وسموتريش في تمويهه بإجراءات شكلية غير ذات وزن. السياسة الأوروبية هي ذاتها ومنذ قرون خلت: عنصرية بامتياز وامبريالية بامتياز.