قال الصحفي والكاتب البريطاني، جوناثان كوك، إن نهاية إسرائيل، لن تكون بسبب هجوم تشنه الدول العربية عليها، ولا بسبب عقوبات دولية، بل لأن قادتها خلقوا مسخا لا يمكنهم ترويضه.
وفي مقاله المنشور على موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، تابع كوك بأنه بينما تحتفل دولة الاحتلال الإسرائيلي بقيامها، فقد بدأت تظهر عليها علامات تفكك الدولة.
وتاليا نص المقال كاملا:
بينما تحتفل إسرائيل بالذكرى الخامسة والسبعين لقيامها، بدأت تظهر أول علامات على تفكك مشروع بناء الدولة الذي وضعت لبناته الأولى في عام 1948 من خلال طرد 750 ألف فلسطيني من وطنهم.
والمفاجأة هي أن الأخطار المحدقة بإسرائيل ليست ناجمة، كما كانت تخشى أجيال متعاقبة من زعمائها، عن قوى خارجية – عن هجوم مشترك تشنه عليها الدول العربية أو عن ضغوط يمارسها عليها المجتمع الدولي –وإنما عن التناقضات الداخلية الكامنة في إسرائيل ذاتها.
لقد خلق القادة الإسرائيليون المشكلة ذاتها التي لا يملكون، كما هو واضح تماماً، الأدوات لحلها الآن. وينبغي أن يفهم قصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لغزة وقتله عشرات الفلسطينيين في ضوء ذلك. إنه مؤشر آخر على الأزمة الداخلية التي تعاني منها إسرائيل.
وتارة أخرى يتم استخدام الفلسطينيين في مسعى محموم لرأب الصدع الذي يهدد الوحدة اليهودية التي تزداد هشاشة يوماً بعد يوم.
ويسلط الضوء على مشكلة إسرائيل طويلة المدى الخلاف المرير الحالي حول خطة نتنياهو لما يسمى إعادة ترميم المنظومة القضائية، ويكاد السكان اليهود في إسرائيل يكونون منقسمين إلى فريقين متساويين تقريباً من حيث الحجم، ولا يبدو أن أياً منهما لديه الاستعداد للتنازل.
وكلاهما، بحق، يريان المواجهة من حيث كونها معركة صفرية النتيجة.
ومن وراء ذلك يقف نظام سياسي في حالة شبه دائمة من الشلل، إذ لا يقدر أي من الطرفين على كسب أغلبية ثابتة في البرلمان، الأمر الذي صارت معه إسرائيل غرقى في مستنقع دائم من الحرب الأهلية ذات المستوى المنخفض.
ومن أجل فهم كيف وصلت إسرائيل إلى هذه النقطة، وإلى أين يحتمل أن تتجه فيما بعد، ينبغي على المرء أن يغوص عميقاً في الحكاية الأصلية للبلد.
حكاية الأخلاق
تقول الرواية الرسمية إن إسرائيل وجدت بحكم الضرورة، من أجل أن توفر ملاذاً آمناً لليهود الهاربين من البلدان التي تعرضوا فيها للتنكيل ومن فظائع مخيمات الموت النازية في أوروبا.
ما نجم عن ذلك من تطهير عرقي للفلسطينيين ومحو تام لمئات البلدات والقرى – فيما يطلق عليه الفلسطينيون اسم “النكبة” – إما أنه يتعرض للتعمية أو يتم عرضه ببساطة باعتباره دفاعاً عن النفس لجأ إليه رغماً عنه شعب لطالما كان ضحية للظلم وللاضطهاد.
وبذلك تم إعادة تصوير هذا الفعل الجسيم من السلب، بمساعدة وتواطؤ القوى الغربية، للرأي العام الغربي باعتباره حكاية أخلاقية بسيطة أو قصة من قصص الخلاص والافتداء.
لم يشكل تأسيس إسرائيل فرصة فقط من أجل أن يحصل الشعب اليهودي على حق تقرير المصير من خلال الدولة فلا يتعرضون من بعد ذلك لأي تنكيل، وإنما أيضاً من أجل أن يقيم اليهود دولة من الصفر تقدم للعالم باعتبارها نموذجاً أنبل وأكثر فضيلة لكيفية العيش.
وقد توافق ذلك بدقة، وإن كان بشكل لا شعوري، مع النظرة الغربية المستوحاة من المسيحية، والتي تتطلع إلى الأرض المقدسة كملاذ للخلاص.
فمن خلال “افتداء” أو “تخليص” الأرض التي سلبوها من الفلسطينيين لسوف يستعيد اليهود مكانتهم “كضوء يشع على الأمم”، ويمهدون بذلك السبيل الذي من خلاله سوف يتمكن الغربيون من افتداء أنفسهم أيضاً.
تجسد هذا النموذج في الكيبوتز – حيث أقيمت مئات المجتمعات اليهودية حصرياً، وهي مجتمعات زراعية متعطشة للأرض، على أنقاض القرى الفلسطينية. هناك، يسمح نمط من العيش القائم على المساواة لليهود بالازدهار من خلال العمل في الأرض لتهويدها وتخليصها من كل شائبة عربية باقية فيها. وفعلاً، سارع آلاف الغربيين بالتوجه إلى إسرائيل ليتطوعوا في الكيبوتز ويشاركوا في هذا المشروع التحويلي.
إلا أن الحكاية الرسمية لم تزد أبداً عن كونها خدعة علاقات عامة، فلم يكن ثمة ما هو قائم على المساواة في الكيبوتز ولا ما هو خلاصي، ولا حتى بالنسبة لليهود الذي عاشوا في دولة إسرائيل الجديدة.
بل كانت تلك في الواقع وسيلة أكثر ذكاءً لجأ إليها حكام إسرائيل لإخفاء عمليات السلب الجماعي للأرض الفلسطينية وتكريس الانقسام الجديد بين اليهود دينياً وعرقياً وطبقياً.
منظومة الامتياز الهرمية
كان جل مؤسسي إسرائيل ينحدرون من وسط وشرق أوروبا. فعلى سبيل المثال، كان أول رئيس وزراء في إسرائيل، دافيد بن غوريون، قد أتى إلى فلسطين مهاجراً من بولندا. وهؤلاء اليهود الأوروبيون عرفوا داخل إسرائيل باسم الأشكناز. وهم الذين أسسوا نظام الكيبوتزات وأبقوا تلك المجتمعات المحصنة – التي غدت فيما بعد نموذجاً للمستوطنات التي أقيمت في المناطق المحتلة – محظورة إلى حد كبير على كل من ليس على شاكلتهم.
كانت الكيبوتزات مجمعات مسورة لها بوابات، وداخلها لجان فحص وتدقيق هي التي تقرر من يحق له أن يعيش فيها، وكان يقف على بواباتها حراس مسلحون لمنع كل من ليس منها بالدخول إليها. والمقصود بذلك بشكل خاص الفلسطينيون بالطبع، وإن كان الحظر يشمل أيضاً اليهود المنحدرين من بلدان الشرق الأوسط الذين كانت نخب اليهود الأشكناز تجندهم مضطرة طوال فترة الخمسينات في الحرب السكانية التي كانت تشنها الدولة اليهودية الجديدة ضد الفلسطينيين.
كان هؤلاء “اليهود العرب” يُعرفون في إسرائيل باسم “المزراحيم”، وهو مصطلح الغاية منه هي سلخهم عن هوياتهم الأصلية – كيهود عراقيين أو مغاربة أو يمنيين – ووضعهم جميعاً في سلة واحدة تفصلهم عن الأشكناز. يشكل المزراحيم اليوم ما يقرب من نصف السكان اليهود في إسرائيل.
لم تكن الكيبوتزات مجرد أماكن لطيفة تطيب الحياة فيها، بما فيها من أراض فسيحة للبيوت والحدائق، بل كانت أيضاً بمثابة “بيوت زجاجية” لتنشئة نخبة جديدة من الأشكناز على درجة عالية من الالتزام والزهد والتقشف، منهم تتشكل الطبقة العليا من قيادة الجيش، وإدارة الحكومة، وطبقة رجال الأعمال والجهاز القضائي.
هذه النخبة، التي لا مفر من أن تكون أكبر المتضررين من أي مقاومة يمارسها الفلسطينيون ضد سلب وطنهم منهم، استخدمت النظام التعليمي في المدارس لتكثيف العداء للفلسطينيين وللعرب، ولترسيخ “القومية اليهودية” التي كانت هي الصهيونية.
وخشية أن يتعاطف اليهود القادمون من البلدان العربية مع الفلسطينيين وينحازون إليهم أو يتحالفون معهم، عملت الإدارة الحكومية على زرع نمط من الصهيونية في المزراحيم يتطلب كراهية ما كانوا عليه من ثقافة وما كانوا يتحدثون به من لغة وما انحدروا منه من خلفيات قومية.
هيمن الأشكناز على كافة مستويات المجتمع الإسرائيلي، بينما كان المزراحيم يُعاملون عادة بازدراء وعنصرية ويقصرون على شغل الوظائف الحقيرة.
توقع الأشكناز أن يشتروا ولاء المزراحيم من خلال وضعهم فوق الفلسطينيين وفي منافسة مباشرة معهم على الموارد. ومع أن بعض المزراحيم في النهاية تمكنوا من الارتقاء إلى الطبقة المتوسطة، إلا أن هذه الهرمية في السلطة ولدت كثيراً من الامتعاض في أوساط الجيلين الثاني والثالث.
كما كرس ذلك الانقسام السياسي، فكان حزب العمل الذي أسس إسرائيل يُنظر إليه باعتباره حزب الأشكناز الذي يحظى بالامتيازات، بينما كان منافسه الرئيسي، حزب الليكود، يُنظر إليه باعتباره صوتاً للمزراحيم المظلومين.
تسخير المظلومية
فهم نتنياهو، الذي شغل منصب رئيس الوزراء عن حزب الليكود مرات عديدة منذ 1996، هذا الانقسام جيداً، على الرغم من أنه هو نفسه أشكنازي. ومع مرور الزمن أصبح بارعاً فوق التصور في تحويل مشاعر الاستياء المزرحية التاريخية إلى سلاح يخدم مصالحه ويحقق غاياته.
تلاعبات نتنياهو السياسية، وتسخيره المظلومية المزراحية، تشبه ما حققه الملياردير دونالد ترامب من نجاح حينما استغل مشاعر الاستياء لدى الطبقة العاملة البيضاء من خلال حملته التي رفع فيها شعار فلنجعل أمريكا عظيمة تارة أخرى.
يحظى مشروع إصلاح النظام القضائي بدعم قوي من حزب الليكود وحلفائه في تيار اليمين الديني المتطرف ليس فقط من أجل الحيلولة دون ذهاب نتنياهو إلى السجن فيما لو تمت محاكمته بتهم الفساد، بل لأن لديهم رغبة جامحة في تلطيخ سمعة كبار القضاة لأن هذه المجموعة المعينة من الأشكناز، غير المنتخبين والمتمتعين بالامتيازات، لديها صلاحية الحسم في المسائل التي من جهة تحافظ على الامتيازات الأشكنازية ومن جهة أخرى تعتبر بالغة الأهمية بالنسبة للهوية المزراحية.
وضع أكاديمي مزراحي مؤخراً قائمة ببعض التظلمات التاريخية لمجتمعه ضد المحاكم، بما في ذلك مسائل تتعلق بالإسكان، حيث تستخدم قرارات الإخلاء بلا ذنب ضد المزراحيين بهدف تطوير الأحياء الواقعة في المراكز الحضرية للبلد لجذب الأثرياء إليها، وكذلك فيما يتعلق بالغموض الذي مازال يكتنف اختفاء عدة آلاف من أطفال المزراحيين في السنوات الأولى من نشأة الدولة، لربما من أجل تمكين الأزواج الأشكناز الذين لا ينجبون من تبنيهم، وإجبار أطفال العائلات المزراحية على التوجه إلى المدارس الداخلية، فيما يشبه السياسة التي مورست ضد أبناء السكان الأصليين في أستراليا وفي أمريكا، والمصادرة الدورية للعقارات بأمر من محاكم تجميع خاصة تستهدف المجتمعات المزراحية التي أثقلت كاهلها الديون.
يجسد الجهاز القضائي بالنسبة للكثير من المزراحيين ذلك الظلم الناشئ عن التقسيم الطبقي والعرقي والديني في إسرائيل، وأسهل سبيل أمام اليمين المتطرف لتوسيع دوائره واستنفار أنصاره هو شيطنة أعضاء هذا الجهاز القضائي.
وما الاحتجاجات التي تشهدها حالياً كبرى المدن الإسرائيلية إلا جزء من المعركة التي تدور رحاها حول من يهيمن على الميادين العامة. ولم يعد لدى المزراحيين الاستعداد لتقبل الزج بهم في الخلفية.
مستوطنون متعصبون
ثم ما لبث احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية في عام 1967، وما تبع ذلك من حملة استيطان مازالت مستمرة منذ ذلك الحين، أن أضاف طبقة أخرى إلى التعقيد الذي تتصف به هذه الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية التي كانت قيد التنفيذ، الأمر الذي كثف من التعصب الديني ومن القومية المعادية للفلسطينيين.
كان مشروع الاستيطان قد بدأه زعماء الأشكناز في حزب العمل، ولكن ما لبث سريعاً أن أصبح جزءاً من البرنامج السياسي لحزب الليكود.
والسبب في ذلك جزئياً أن النخبة الأشكنازية العلمانية لم يكن لديها حافز كبير لكي تقود بنفسها الحملة الاستيطانية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. فهذه الطبقة الحاكمة كانت تعيش في أمان وارتياح داخل الحدود المعترف بها دولياً لدولة إسرائيل.
بالمقارنة مع “طلائع” الكيبوتزات، كان بيادق المستوطنات في العادة يجندون من داخل المجتمعات الأكثر تهميشاً: من المزراحيم ومن الأصوليين المتدينين الذين يعرفون بالحريديم (وهؤلاء يوجدون في جناحين أحدهما أشكنازي والأخر مزراحي)، وفيما بعد من بين المهاجرين الذين ينطقون بالروسية ممن جاءوا من بلدان الاتحاد السوفياتي سابقاً.
كان المحفز الاقتصادي هو توفر الأراضي والمنازل بأسعار زهيدة داخل المستوطنات. كانت البيوت كبيرة وأسعارها ميسرة لأنها أنشئت على أراض مسروقة من الفلسطينيين.
كما يمكن توسيع المستوطنات بدون تكاليف أيضاً، فكل ما يحتاج إليه المسؤولون الإسرائيليون هو إصدار أمر عسكري بطرد الفلسطينيين، أو بإمكانهم إحالة الأمر إلى المستوطنين، من خلال السماح لهم بترهيب الفلسطينيين وترحيلهم.
كان من المفروض أن يكون في ذلك انعكاس لتجربة الأشكنازيين بعد النكبة، عندما حصلت العائلات على مساحات واسعة من الأراضي بعد إخراج الفلسطينيين منها بفعل عمليات التطهير العرقي التي مورست ضدهم.
نصر معجز
إلا أنه كان أصعب بكثير احتواء النوازع الدينية التي ترافقت مع حملة الاستيطان في المناطق المحتلة، وما نجم عن ذلك من مقاومة للتنازل عن الأرض في أي تسوية سلمية مع الفلسطينيين.
انتصار إسرائيل في عام 1967 على جيرانها العرب، وما نجم عن ذلك من احتلال للضفة الغربية والقدس – والتي ترتبط كثير من المواقع فيها بما ورد في التوراة – تم بسهولة تفسيره، وحتى من قبل من كان تدينهم متواضعاً، بأنه معجزة، وبأنه إقرار رباني بحق الشعب اليهودي في استعمار مزيد من الأرض الفلسطينية – أو في استعادة الحق التوراتي الممنوح لليهود.
كثيراً ما كانت المستوطنات تقام قريباً من مواقع ذات دلالة توراتية، وذلك سعياً لتأكيد أو تعزيز المشاعر الدينية التقليدية، وهذا كان بحد ذاته يؤجج ما كان لدى المستوطنين من حماسة واستعداد للتواطؤ مع مشروع الدولة العسكرية الذي يهدف إلى تطهير الأرض عرقياً من الفلسطينيين.
وكانت هذه الحماسة تغذى من خلال نظام التعليم الذي لم يكتف بفصل اليهود عن الأقلية الفلسطينية غير المرغوب فيها داخل إسرائيل وإنما أقام أيضاً جدراً بين اليهود أنفسهم تفصل بعضهم عن بعض.
فأطفال الأشكنازيين يتعلمون على الأغلب في مدارس علمانية، وإن كانت هذه المدارس تعبئهم بالكراهية القومية ضد الفلسطينيين، بينما يتعلم أطفال المزراحيين في مدارس دينية تزرع فيهم عصبية تفوق حتى ما كان يحمله آباؤهم من عصبية قبلهم.
كانت نتيجة ذلك في المحصلة هي أن الأصوليين المتدينين من الحاريديين، والمحافظين المتدينين من المزراحيين، ومجتمع الروس من العلمانيين، كلهم غدو أشد شراسة في عدائهم القومي للفلسطينيين. ولقد انتشر هذا التحول في السلوك إلى خارج المناطق المحتلة، وراح يتفشى بين أعضاء تلك المجتمعات داخل إسرائيل نفسها.
والخلاصة هي أن اليمين الإسرائيلي المعاصر يجمع في داخله ما بين المشاعر الدينية والمشاعر القومية الغالية، ويصل ذلك إلى مستوى ينذر بالاشتعال. وإذا ما أخذنا بالاعتبار ارتفاع معدلات التكاثر بين المزراحيين والحاريديين، فمن المرجح أن يستمر النفوذ السياسي لهذه الكتلة القومية المتطرفة في التنامي.
كتلة قوة جديدة
على الرغم من تعمق الانقسام اليهودي في إسرائيل، إلا أن الأشكنازيين لم يعودوا أكثر تحصناً ضد العنصرية المعادية للفلسطينيين من المزراحيين. يجدر التنبيه هنا إلى أن الاحتجاجات التي تكاد تمزق إسرائيل لا تتعلق بوضع الفلسطينيين، وإنما تتعلق بمن يحق له أن يملي رؤيته حول الهوية الإسرائيلية وحول الدور الذي ينبغي أو لا ينبغي أن يلعبه الدين في تلك الرؤية.
يجسد ائتلاف حزب الصهيونية الدينية الذين أوصل نتنياهو إلى السلطة مجدداً في نهاية العام الماضي – وهو الحزب الذي يشكل الآن ثالث أكبر كتلة في البرلمان – كتلة القوة الناشئة التي أطلقها ابتداء المؤسسون الأشكنازيون.
مرجل هذه القوة وعضلتها الضاربة هو إيتامار بن غفير، الذي ينحدر والداه من العراق. يبدو أن بن غفير، الذي يقود الجناح الأكثر تشدداً وبلطجة في الحركة الاستيطانية، على استعداد للدخول في صدام مباشر مع القيادة العسكرية وأجهزة المخابرات في إسرائيل حول السياسة الأمنية الإسرائيلية، وخاصة فيما يتعلق بالمستوطنات والأقلية الفلسطينية المستضعفة داخل إسرائيل.
أما الشق الأيديولوجي اليساري فيحمله سموتريتش الذي هاجر جداه من أوكرانيا، والذي كان والده حاخاماً أرثوذكسياً. منح نتنياهو لسموتريتش سلطة إدارة التحكم بالمال العام وإدارة حكومة الاحتلال التي تملي السياسة الإدارية تجاه المستوطنين والفلسطينيين.
ارتبط الرجلان كلاهما تاريخياً باستخدام العنف في سبيل تحقيق أهدافهما السياسية.
تم تصوير بن غفير، الذي أدين بالتحريض على العنصرية ودعم منظمة إرهابية في عام 2007، وهو يصدر تهديدات عنيفة ويشارك في اعتداءات على الفلسطينيين.
أما سموتريتش فألقي القبض عليه في عام 2005، أثناء التحركات التي استهدفت سحب المستوطنين من غزة كجزء مما يسمى إنهاء الاشتباك الإسرائيلي، وفي حوزته مئات اللترات من البنزين. كان لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية ما دفعها إلى الاعتقاد بأنه كان يخطط لتفجير شارع رئيسي في تل أبيب.
على مدى عقود كانت القيادة الأشكنازية تفترض أن اليمين الديني، وخاصة المزراحيم والحريديم، يقبلون بوضعهم المتدني في الهرمية اليهودية داخل إسرائيل طالما تم شراؤهم بالامتيازات التي تمنح له وتجعلهم فوق الفلسطينيين.
إلا أن اليمين الديني الآن يطمع في أكثر بكثير من مجرد حق اضطهاد الفلسطينيين. إنهم يبتغون صياغة الصفة اليهودية لإسرائيل.
عادت الحمية الدينية التي كانت الإدارة الأشكنازية تأمل في تحويلها إلى سلاح يستخدم ضد الفلسطينيين، وخاصة من خلال مشروع الاستيطان، لتطاردها وتنهشها. لقد أنتجوا كائناً مشوهاً لا يعد بالإمكان السيطرة عليه، ولا حتى من قبل نتنياهو نفسه.