ما إن تهبط الطائرة في عُمان، وأن تحط قدميك في المطار فتتذكر حديث متن عن رسول الله (صلى) يقول: “لو أنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ ما سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ” هذا الحديث هو مدح النَّبيُّ لأهل عُمان لما فيهم من عِلْم، وعَفاف، وتَثَبُّت وبَيانِ فَضلِهم، وأنَّهم يَحترِمون مَن جاءهُم، ولا يَرى منهم إلَّا كلَّ خَيرٍ.
بعد أن زرتُ عُمان، آخذكم اليوم في جولة محاكاة لمشاهداتي في العاصمة مسقط، عسى ان يتمكن قلمي من نقل مشاعري وأفكاري بما يليق بما شهدت عيوني من حسن مقام البلاد….
أما مسقط، الدافئة الجميلة العميقة، هناك ينتظركم المتحف الوطني الذي يروي قصة نشوء الدولة، في زاوية خاصة تشاهد تفاصيل دقيقة من عبق التاريخ، عن آل البوسعيدي، عن السلطان المرحوم قابوس وكيفية انتقال الحكم والوصية التي تركها.
ما بين صالات العرض المغذية بأحدث تقنيات التكنولوجيا وأدوات العرض التي تحاكي الذكاء الاصطناعي والشاشات والروايات المرئية المسموعة والمكتوبة، يقدم المتحف سلطنة عُمان من خلال عدة أجنحة تظهر تفوق العُمانيين في بناء القوارب وركوب البحر واستخراج اللؤلؤ والبترول والثروات وفتح الطرق التجارية فترى، أشكال المسكن والمأكل والبهارات والاحجار الكريمة، تتعرف على “الُلبان” شجره واستعمالاته والزعفران والحلوى والشواء، تشهد اختلاف التضاريس والمواسم ووفرتها ثم تلاقي العمارة والبنيان، وصولاً للجناح الخاص بعلاقات عُمان وحضورها الدولي والعربي وهناك تشعر بثقل البلاد وبمكانة القدس وفلسطين في قلب عُمان وأهلها.
بعد جرعة رائعة من التاريخ الممزوج بالحضارة والتقدمية، تزور الأوبرا السلطانية، دار الفنون الموسيقية، لم أكن أعلم قبل الزيارة أن هناك موسيقى كلاسيكية سلطانية رنانة تطيب لها الآذان، تشد العقل والروح بنكهة عربية أصيلة، دار الأوبرا السلطانية هي بمثابة متحف فني موسيقي يقدم لنا الأدوات والآلات الموسيقية والمقتنيات الفريدة منها وتتعرف على قصة السلطان مع الموسيقى والفن، دار الأوبرا السلطانية مفخرة لكل العرب بكل تفاصيلها العُمانية من التصاميم الهندسية ما بين العروبة والحداثة ما بين الأخشاب المحفورة والكريستال الشواروڤسكي النمساوي الثقيل الناعم الذي صُمم خصيصاً لعُمان يتدلى في أروقة المكان، السجاد الحريري والمقاعد المتحركة في المسرح، أما الرُخام فهو شاهد على صُلب الحضارة والجمال الذي يطيب لكافة الانام.
وكما معظم عواصم العالم، هناك السوق الشعبي القديم “سوق مَطْرَحْ” هناك لا بد من ان تجرب العطارة، البهارات والُلبان وان تشتري ما يطيب لك من الخيرات بطرق بسيطة وزقازيق ضيقة جميلة مُفعمة بريحة البخور الذي يتطاير بين الماضي والأصالة والحفاظ على الموروث العُماني في الدكاكين الصغيرة والبسطات المعروضة على الأبواب، الجميل انك ما أن تخرج من أبواب السوق حتى تجد نفسك على ضفاف بحر عُمان في الجهة المقابلة، وتمتد الشواطئ أمام القلعة التي تعلو السوق وتشرف على المياه الممتدة الغنية بالثروات الطبيعية وهي المياه التي تشكل حلقة الوصل التجارية تاريخياً بما يعرف بطريق الحرير. لم أحدثكم عن النظافة، عن الالتزام، عن الترتيب، عن الهدوء والرزانة والاعتزاز الفردي والجماعي بالهوية الوطنية في عُمان، كل هذا الجمال ولم أزر بعد لا الجبل الأخضر ولا صحراء الربع الخالي ولا صلالة ولا الزهور ولا الرمال…..
سَلْطَنَةُ عُمَان، دولة عربية في شبه الجزيرة العربية نظام حكمها ملكي، وفيرة المياه تشرف على بحر العرب وبحر عُمان والخليج العربي, تتمتع بوضع سياسي واقتصادي مُلهم، هي في المرتبة 23 في احتياطي النفط وال 27 في احتياطي للغاز، وتصنف من البلاد الأكثر سلمية في العالم. سلطنة عُمان عضو مؤسس في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية وحركة عدم الانحياز والبنك الاسلامي للتنمية والامم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية والمنظمة الدولية للمعايير والوكالة الدولية للطاقة المتجددة والمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة. النموذج العُماني يعكس حُسن الاستثمار في الموارد الطبيعية البشرية وخاصة الشباب والمرأة والاهتمام بالتعليم والزراعة والطاقة والدبلوماسية كأدوات لنهضة البلاد.
وجب التنويه ان سلطنة عُمان، هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي تتمتع بتمثيل دبلوماسي مُقيم في فلسطين. من الجدير بالذكر أن فلسطين تستضيف 45 بعثة دبلوماسية معتمدة مقيمة ومكان تواجدهم مدينة رام الله و10 قنصليات عامة بالقدس و11 قنصلا فخريا، 10 منهم في بيت لحم وواحد في رام الله و 56 غير مقيمين. من بين جميع الدول الاعضاء في جامعة الدول العربية، تتمتع فلسطين بتمثيل دبلوماسي مُقيم متمثل بـ 5 دول عربية فقط وهي تونس، المغرب، مصر، الاردن وعُمان. لقد باشرت سفارة سلطنة عُمان أعمالها في فلسطين بتاريخ 2018/10/30 يرأسها القائم بالأعمال المستشار سالم بن حبيب العُميري.
حتى تتعزز الزيارات والسياحة بين البلدين، من فلسطين، لعُمان وسلطانها ووزارة خارجيتها وشعبها كل التقدير والاحترام.
– دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.