كان اغتيال القياديين الفلسطينيين الثلاثة ومن بعدهم الاخرين في غزة في بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد الجهاد الإسلامي، عملًا مدبًرا ومخططًا واضحًا وهدفه الحصول على مكاسب شخصية وسياسية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
لقد أربك ردّ الفعل الفلسطيني في منتصف رمضان الماضي، عندما قام بن غفير وأمناء الهيكل بالاقتحام المتواصل آنذاك للأقصى. الامر الذي أدى إلى الرد عليه من قبل حماس والجهاد من الحدود اللبنانية وقطاع غزة، وقد أجبر نتنياهو آنذاك على إيقاف الاقتحامات والسماح للمسلمين بالصلاة والاعتكاف في الأيام العشرة الأخيرة في شهر رمضان المبار ك، حينها قالها نتنياهو انه سيسمح للفلسطينيين بالصلاة، لكنه لم يكشف نواياه وكيف سيرد عليهم بعد انقضاء شهر رمضان المبارك.
وبالفعل كان الردّ في ليلة الثامن من أيار عندما أعلن بأوامره لعملية اغتيال متزامنة استهدفت القياديين في الجهاد الإسلامي.
وقد أحدث ذلك صدمة في صفوف الفلسطينيين، خاصة في صفوف حركة الجهاد الإسلامي حيث انتظروا بالرد ولم يقوموا به مباشرة بإطلاق الصواريخ على اسرائيل كما جرت العادة في السابق.
هذا وانتظر الشارع الإسرائيلي الرد أكثر من أربعين ساعة، عندها قامت إسرائيل باستهداف قياديين آخرين، الامر الذي حدا بالجهاد للرد على الجانب الإسرائيلي ومن ثم بدأت معركة حامية الوطيس بين الطرفين، أخلي فيها عشرات الالاف من سكان الجنوب إلى المناطق الخلفية وقامت إسرائيل بقصف العديد من المواقع في قطاع غزة وبدأت معركة كرٍّ وفرٍّ بين الطرفين وبعد ذلك مباشرة دخل على خط التفاوض الجانب المصري الذي حاول جني الثمن، لكنه لم يفلح كثيرًا، وما زالت المفاوضات مستمرة بوساطة مصرية بين الطرفين ولا يعرف أحد كيف ستنتهي وما هي مطالب كلّ طرف من الطرف الآخر، وقد بات من الواضح أن إسرائيل تريد في الأساس، إيقاف القصف الفلسطيني على مناطقها المأهولة بالسكان في منطقة غلاف غزة لتل ابيب وحتى القدس والمنطقة المحاذية لهما، أما الطرف الفلسطيني فقد عدد مطالبه المتعلقة بإيقاف الاغتيالات وإرجاع جثامين الفلسطينيين المحتجزين من أعضاء الجهاد وآخرين.
مهما يكن فإذا أردنا تعداد الخسائر والمكاسب للطرفين، فيمكننا النظر إلى ذلك برؤية براغماتية للطرفين .فعلى صعيد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فقد استطاع إعطاء الانطباع للشارع الإسرائيلي أنه رئيس حكومة لا ينسى ما عولت إليه حركة حماس عندما قصفت إسرائيل من الحدود اللبنانية وينتقم للإسرائيليين حتى بعد مدة طويلة، وتتساوى بذلك نظرية الردع التي ينتهجها مع حليفه بالحكومة ايتمار من غفير.
وكان الصحفي ميخائيل شيمش من القناة الحادية عشرة قد كشف بأن المعلق السياسي يعكوف بردوغو، يملك علاقة طيبة مع نتنياهو وقد اوعز له بأن يقوم بخطوات سياسية مشابهه لبن غفير بكل ما يتعلق بهذه الاغتيالات، لكن بدون أن يشارك بن غفير في قرارات الكابينيت الحكومي، وفعلا هذا ما حدث وعلى الرغم من عدم انتهاء الحملة وخلفياتها على غزة فإننا نرى بإنجاز آخر وهو تأييد المحتجين لهذه العملية الذين يقومون باحتجاجات ومظاهرات أسبوعية ضد هذه الحملة، والادعاء بأن طياري الاحتياط في الجيش الإسرائيلي المحسوبين على هؤلاء المحتجين هم الذين قاموا ونفذوا عمليات الاغتيال في قطاع غزة .
الامر الذي يقوي حالة الاجماع الصهيوني في المجتمع الإسرائيلي وكل ذلك على حساب الفلسطينيين، لكن هؤلاء المحتجين لا يكتفون بتلك العملية بل يريدون أن يستسلم نتنياهو استسلامًا واضح المعالم وأن يلغي الإصلاحات الدستورية التي اقترحها، وسوف نرى ذلك قريبًا جدًا وإذا لم يتم ذلك فإن عدم الاستقرار والخلاف سوف يستمران في المجتمع الإسرائيلي .
أما الخلاف مع الفلسطينيين فسوف يزداد أكثر وأكثر فعلى الرغم من ان الجهاد الإسلامي لم يستطيع ان يقوم بتكوين جبهة متعددة المحاور كما يقول العديد من الإسرائيليين، الا انه احدث شرخاً وفي نظرية الردع وفي الرد الاسرائيلي الحاسم ضد قطاع غزة . حيث أن الحرب لم تتوقف ولم يطلب الفلسطينيون بوقف اطلاق النار عبر المفاوضات مع الطرف المصري كما توقع الجانب الإسرائيلي.
وقد تبين أيضا قساوة ووحشية الرد الإسرائيلي واستهداف المدنيين، حيث استشهد أكثر من عشرين مدنيًا وغالبيتهم من الأطفال الذين كانوا نائمين في بيوتهم، وبالمقابل لم يستهدف الفلسطينيون المدنيين الإسرائيليين، كما فعل الإسرائيليون حيث قامت إسرائيل بإخلاء مناطق استراتيجية ضخمة محاذية على الحدود مع قطاع غزة، خاصة في منطقة الجنوب وغلاف غزة وشلت حركة العمل في منطقة المركز وضواحيها، بحيث أعلنت إسرائيل ومن خلال تحليلات الصحافيين الإسرائيليين، أنها غير مبنية على حرب طويلة الأمد وحرب متعددة المحاور والجبهات كما يدعي محللوها .
وهنالك انهيار تام لفكرة واستراتيجية نتنياهو المتعلقة بشن حرب ضد ايران ولبنان وسوريا في آن واحد، بحيث أن إسرائيل غير واردة في حسابات ايران، فهي تقوم بحلف واسع النطاق مع المملكة العربية السعودية وتعمل جليًا على إدخال سوريا على منظومة الجامعة العربية، أما إسرائيل ونتنياهو فهي ليست واردة في هذه الحسابات الانية ويكفيها الصراع الذي ينهكها مع الفلسطينيين.
وكان مستشار الامن القومي الأمريكي جاك ساليبان قد زار السعودية يوم الجمعة الماضي في الخامس من مايو/ أيار، بهدف الاجتماع مع مسؤولين سعوديين و تطوير علاقات التطبيع بين السعودية وإسرائيل، لكنه انتظر يومين في جدة حتى يوم الاحد السابع من أيار حتى قابله محمد بن سلمان لهذا الغرض ولم يحقق أي نتيجة فعلية، لذلك وخرج صفر اليدين من هناك، وفي اليوم التالي اجتمع مبعوث بايدن في الشرق الأوسط مع نتنياهو لهذا الغرض ليعلمه بذلك، لكن نتنياهو قام بعملية الاغتيال في نفس الليلة الامر الذي بدد كل المساعي الامريكية .
كما أن الطرف الأمريكي لم يقف بالمرصاد لنتنياهو بكل ما يتعلق بمقتل الأطفال والمدنيين الفلسطينيين في غزة واكتفى بالمطالبة بإيقاف العملية الإسرائيلية.
وعلى صعيد طلبات حركة الجهاد الإسلامي من الجانب الإسرائيلي والمتعلقة بوقف الاغتيالات، فمن الصعب أن تقوم إسرائيل بتنفيذ هذا المطلب الفلسطيني العادل والمنافي لكل القوانين الدولية كون سياسة الاستمرار المتواصل للاحتلال يرتكز على بناء السجون وزج الاسرى الفلسطينيين فيها بشكل متواصل، والاستمرار بالاقتحامات والاغتيالات، واذا كانت إسرائيل راغبة في التوقيع على مثل هذا الاتفاق، فيمكننا أن نراها تقرر في منع مسيرة الاعلام في الأسبوع القادم في القدس واي اقتحامات إسرائيلية للمسجد الأقصى والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية، وهذا من الصعب ان يحدث، ولذا فان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مستمر وبكل قوة.
وعلى إسرائيل، ان لا تعطي الانطباع بأنها تستطيع القيام بضربات إقليمية ضد دول عربية أخرى، حيث أن خلافها مع الفلسطينيين يكفيها ولمدى بعيد .