يتفق أبناء الشعب الفلسطيني أن ما حل بهم من إحتلال وتهجير في أيار من العام 1948 كان طامة كبرى أسست لما بعدها من ظلم كبير. واختزل الشعب الفلسطيني ما حل به وبأرضه في هذا التاريخ بمصطلح “النكبة“. تذكر بعض الأدبيات المنشورة بخصوص المصطلح بأن شاعراً مصرياً يدعى أحمد مُحرّم نشر قصيدته “نكبة فلسطين” في صحيفة “البلاغ” في العام 1933، وصف من خلاها هول ما يجري بفلسطين بمطلع يقول: “في حمى الحق ومن حول الحرم – أمة تؤذى وشعب يهتضم” ويسترسل بقصيدته ليقول: “يا فلسطين اصطَليها نكبةً – هاجها للقوم عهدٌ مضطرمْ”. أما شيخ المؤرخين العرب قسطنطين زريق فقد أصدر في العام 1948 كتابه “معنى النكبة“، والذي عقب فيه على قبول الدول العربية للهدنة الأولى بعد إنتصار “العصابات” الصهيونية وإنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين، قائلاً بان هزيمة العرب لم تكن مجرد إخفاق في معركة بل “نكبة” بكامل أبعادها. رأى زريق أن “النكبة” لم تكن للفلسطينيين وحدهم بل كانت لكافة الشعوب العربية التي عجزت عن حماية أرض عربية. وفي نفس السياق، أصدر المؤرخ الفلسطيني عارف العارف في العام 1956 نتاج عمله التوثيقي عن المأساة الفلسطينية في مجلدات خمسة عنونها “النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود” وصف فيها ما حدث لفلسطين وشعبها بمصطلح “النكبة” مشيراً إلى أنها بدأت منذ اليوم الأول لصدور قرار التقسيم بتواطؤ بريطاني وغربي من جهة، وصمت من منظومة الشرعية الدولية، معرجاً على بسالة الجندي العربي في المواجهة في مقابل خذلان قياداته.
منذ حلول “النكبة” وعلى مدار خمس وسبعين عاماً مضت تبنت “الشرعية الدولية” عشرات القرارات لصالح قضية الشعب الفلسطيني. إلا أن هذه القرارات بقيت حبراً على ورق. وفي ذات السياق تبنت “الجمعية العامة للأمم المتحدة” في تشرين الثاني من العام الماضي خمسة قرارات محورية، أربعة منها تتعلق بالحالة الفلسطينية، والخامس حول الجولان السوري المحتل. ضمّنت “الجمعية العامة” قراراتها بشأن فلسطين “بنداً” يشير لتبنيها إحياء الذكرى ال 75 للنكبة الفلسطينية. ودعت في هذا البند “شعبة حقوق الفلسطينيين في الأمانة العامة” للتحضير والعمل لإحياء الذكرى السنوية الخامسة والسبعين للنكبة بتنظيم مناسبة رفيعة المستوى في قاعة “الجمعية العامة بنييورك في ذكرى النكبة الموافق 15 أيار من هذا العام. إن هذه الدعوة، وإن جاءت متأخرة، تحمل رمزية كبيرة خاصة وأن الرئيس الفلسطيني سيخاطب العالم أجمع من على المنبر الأممي نيابة عن أكثر من 12 مليون فلسطيني، ليذكرهم برواية شعب تعرض للظلم، وما يزال، أمام أعين من يتشدقون بالعدل والحرية.
وقد عاصر الرئيس الفلسطيني “النكبة” وشارك رفاق دربه، الذين توفى الله معظمهم، في الدفاع عن الهوية الوطنية ضد مؤأمرات تصفيتها، وكان محورياً في مسيرة “منظمة التحرير الفلسطينية” وإستراتيجياتها من خيار المقاومة حتى خيار الحل السياسي. واليوم، والرئيس ونحن (الشعب الفلسطيني) نستذكر 75 عاماً مضت على نكبتنا، فإننا في نفس الوقت نعيش مشهداً محبطاً بتفاصيل يلخصها إستفراد آلة الظلم الإحتلالية الإسرائيلية بكافة مكونات الشعب الفلسطيني على مرآى ومسمع الجميع، يرافقها إتساع خلافاتنا وإنكشافنا أمام مؤمرات تصفية هويتنا الوطنية. أما أملنا فيبقى بالشعب القابض على الجمر، فمن يستمع لأم شهيد وهي تودع فلذة كبدها بعنفوان قلّ نظيره، وأم أسيرة وهي ترسل لإبنتها رسالة “فخر” عبر الأثير يدرك قيمة هذا الشعب.
أختم بهمستي للسيد الرئيس: “الآن، وفي خضم المشهد المحبط، تبقى أنت فقط من يستطيع تدارك ما يحصل وبث الأمل من جديد..”