بصرخات مدوية ودموع منهمرة تشكو أم هادي الزعانين حالها بعد قصف الطيران الإسرائيلي منزلها المكون من عدة طوابق في بلدة بيت حانون أقصى شمال قطاع غزة.
وبدأ التوتر الميداني الحالي بعد استهداف إسرائيل 3 من قادة سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي داخل منازلهم وشققهم السكنية في القطاع فجر (الثلاثاء) الماضي، ما أدى إلى مقتلهم وعدد من أفراد عائلاتهم في عملية أطلق عليها الجيش الإسرائيلي “السهم الواقي”.
وبعد نحو 35 ساعة من الصمت، ردت غرفة العمليات المشتركة للفصائل الفلسطينية المسلحة التي تنضوي تحتها حركتي الجهاد الإسلامي والمقاومة الإسلامية (حماس) على ذلك بإطلاق وابل من الصواريخ على إسرائيل في عملية أطلقت عليها “ثأر الأحرار”.
ولاحقا رد الجيش الإسرائيلي، باستهداف قادة جدد ومواقع عسكرية للجهاد الإسلامي ومنازل وشقق سكنية وأراض زراعية في مناطق مختلفة من القطاع، فيما واصلت الفصائل المسلحة إطلاق القذائف الصاروخية على جنوب ووسط إسرائيل.
وعلى إثر ذلك قتل حتى الآن 33 فلسطينيا بينهم 5 أطفال و4 نساء ومسنين اثنين و6 من قادة سرايا القدس، مقابل مقتل إسرائيلي بعد تعرض مبنى من أربعة طوابق في رحوفوت جنوب مدينة تل أبيب لقصف صاروخي.
وتقول أم هادي الزعانين التي خرجت قبل دقائق من قصف منزلها صباح اليوم إلى زقاق حارتها الصغيرة لـ((شينخوا))، “قصفوا الدار… فيها 100 نفر (شخص) وين نروح ما في مأوى”.
وتضيف أم هادي بينما يمسكن بها 4 نساء كاهلات من جيرانها لتهدئتها والتخفيف عنها بعد مصابها “الدار فداء أولادي والقدس وفلسطين… المال كله معوض”.
وبدا المشهد صعبا بين أفراد العائلة، إذ اكتفت شقيقتان من أبناء الحاجة المكلومة باحتضان والدهن ودخلن في حالة بكاء شديد إثر تدمير منازلهن الذي عاشتا فيه مرحلة طفولتهن وذكرياتهن الجميلة وأصبح كومة ركام.
وتقوم المخابرات الإسرائيلية أحيانا بتبليغ سكان المنزل قبل وقت قصير بسرعة إخلائه خلال دقائق لأنه سيقصف من الطيران الحربي الإسرائيلي وأحيانا أخرى يتم استهدافه دون سابق إنذار في حال كان يتواجد فيه مطلوبين ما يؤدي لوقوع قتلى وجرحى.
وتقول أم محمد بشير بينما تجلس على أنقاض منزلها المدمر في دير البلح وسط القطاع لـ((شينخوا)) إن أقاربها وجيرانها تلقوا اتصالا بإخلاء المنطقة خلال وقت قصير تمهيدا لقصف بيتها.
وتضيف أم محمد بشير والدموع تنهمر من عينيها على هدم المنزل الذي يأوي أولادها وأحفادها أن “طائرات الاستطلاع أطلقت صواريخ تحذيرية على بيتها، ومن ثم عاودت الطائرات الحربية بالإغارة عليه بعد وقت قصير وسوته بالأرض”.
وتتابع أم محمد بشير التي سبق أن فقدت منزلها في العام 2014 أيضا بغارة إسرائيلية أن “أفراد العائلة خرجوا على وجه السرعة بالملابس التي يرتدونها دون إخراج أي مقتنيات من المنزل المكون من طابقين والذي يضم 4 وحدات سكنية”.
وتستذكر أم محمد، بينما تمسح دموعها بقطعة من ملابسها، الأشجار التي زرعتها وترعرعت لكنها دمرت بفعل الغارة، قائلة إن “هذا البيت يعني لنا الكثير من الذكريات الجميلة، وهو مسكن أولادي وأحفادي ما عندي مأوى غيره”.
وتداول نشطاء فلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) العشرات من المقاطع المصورة التي تظهر لحظة استهداف الطائرات الإسرائيلية لعدد من الشقق والمنازل السكنية في مناطق متفرقة من القطاع.
وسادت موجة حزن واسعة على مقطع مصور للمسن عبد القادر طه ذو لحية بيضاء ويضع عمامة على رأسه من بلدة بيت لاهيا شمال القطاع إثر دخوله في نوبة بكاء شديد على فقدان منزله في غارة إسرائيلية.
ويقول المسن بينما يتنقل على ركام المنزل ويخبط بكفه على رأسه “وين نروح بعد قصف الدار (المنزل)”، ليقاطعه أحد أبنائه “في الشارع وين بدنا نقعد… كله فداء فلسطين”.
ولم يصدر أي تعليق إسرائيلي رسمي عن قصف الشقق والمنازل السكنية، عدا ما يصدر عن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخادي أدرعي في بيانات منفصلة إن الطائرات الحربية والمسيرة تغير على مواقع عسكرية ومقرات قيادة لحركة الجهاد الإسلامي.
وبحسب رئيس المكتب الإعلامي الحكومي التابع لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) سلامة معروف فإن هجمات إسرائيل الجوية المتواصلة لليوم الخامس على التوالي أدت إلى تدمير 15 بناية سكنية.
وقال معروف خلال مؤتمر صحفي في مجمع الشفاء الطبي في غزة اليوم إن الغارات الجوية المستمرة على القطاع أدت إلى تدمير 15 بناية سكنية بما مجموعة 51 وحدة سكنية هدم كلي.
وأضاف معروف أن 940 وحدة سكنية تضررت منها 49 وحدة أصبحت غير صالحة للسكن، بينما بقية الوحدات ما بين أضرار جزئية وبليغة، لافتا إلى أن قيمة تقديرات الخسائر الأولية جراء العملية العسكرية قرابة 5 ملايين دولار.
وأوضح معروف أن وزارة التنمية الاجتماعية في غزة قدمت مساعدات إغاثية ونقدية عاجلة لقرابة 100 عائلة فقدت منازلها وعملت على توفير بدل إيجار وسكن مؤقت لهذه العائلات.
وعلى إثر ذلك هددت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي بتجديد الفصائل الفلسطينية المسلحة لضرباتها الصاروخية من القطاع تجاه المدن الإسرائيلية، مع استمرار قصف المنازل في غزة.
وقال بيان صادر عن السرايا إنه أمام استمرار “قصف الشقق والبيوت الآمنة، فإن المقاومة الفلسطينية ستجدد قصفها الصاروخي للمدن المحتلة تأكيدا على استمرار المواجهة”، مشيرا إلى أن “فصائل المقاومة أعدت نفسها لأشهر من المواجهة ونمتلك نفسا طويلا”.