قادت عمان خلال الاسابيع والأيام الماضية جهودا كبيرة لبلورت موقف عربي يعيد سوريا لجامعة الدول العربية بعد تجميد عضويتها على خلفية الاحداث والصراع الذي تشهده البلاد منذ آذار 2011.
الأردن بدأ تحركاته من خلال إطلاق مبادرة أردنية تُعيد سوريا لجامعة الدول العربية وتُنهي عزلتها ضمن التوصل لحل سياسي يحد من الازمة السورية، حيث جاءت المبادرة الأردنية بعنوان “خطوة مقابل خطوة”، وفق ما أعلن عنه سابقا وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، وتهدف إلى إعادة دمشق إلى الحضن العربي مجدداً.
كما قام بزيارة للعاصمة دمشق بلقاء جمعه بالرئيس السوري بشار الأسد وكبار المسؤولين في الدولة، والتي جاءت ضمن زيارة للاطلاع على ما خلفه الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في شباط الماضي، وخلف الالاف من الضحايا والمصابين، بالإضافة إلى زيارة رئيس مجلس النواب الأردني أحمد الصفدي عقب انتهاء انعقاد مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي الأخير ضمن وفد توجه لدمشق.
الاردن يسعى جاهدا منذ بداية الأزمة السورية لتبني خطاب واحد قائم على الحل السياسي بما يحفظ أمن سوريا واستقراراها ووحدتها، وهو ما كان يؤكد عليه دائما العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، فهذا الموقف الثابت جاء لإدراك الأردن للضرر الاقتصادي والأمني الذي انعكس عليه من الصراع الدائر في سوريا، فضلا عن ما تمثله دمشق من عمق للأمة العربية.
اجتماعات وزراء خارجية مصر والعراق والسعودية والاردن وبمشاركة وزير الخارجية السوري في جدة وعمان، أعطت مؤشرات لتبني مشروع عربي لفك العزلة عن سوريا بعد سنوات من مواجهتها لمشاريع إقليمية في المنطقة، حيث اتخذ قرار العودة بالاجماع العربي خلال اجتماع لوزراء خارجية الدول العربية مؤخرا، ولحقه توجيه دعوة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للرئيس الأسد لحضور القمة العربية القادمة.
لقد عانت عَمّان الكثير من تداعيات الأزمة السورية لاسباب عديدة في ظل امتداد الحدود المشتركة تمتد لأكثر من 375 كيلو متراً بين البلدين وانعكاس الأحداث على الجانب الأمني ومكافحة الإرهاب والمخدرات، حيث قدم الجيش العربي الأردني العديد من الشهداء لمواجهة تلك الجماعات، فضلا عن استضافته لنحو 2 مليون لاجئ سوري، والضرر الاقتصادي الكبير الذي لحق بالاقتصاد الأردني نتيجة الأزمة.
المبادرة الأردنية هدفت إلى إطلاق جهود عربية للانخراط مع الحكومة السورية في حوار سياسي يستهدف حل الأزمة ومعالجة تبعاتها الإنسانية والأمنية والسياسية، حيث جاء في تصريحات الوزير الصفدي “نحن كعرب أولى بتصدر طاولة الحوار لأن سوريا بلد عربي، وتبعات الأزمة تؤثر فينا أكثر من غيرنا”، بحيث تقوم على تقديم المجتمع الدولي مساعدات اقتصادية لسوريا وتخفيف العقوبات تدريجياً عنها، والبدء بإعادة الإعمار وإعلان عملية كبرى لإطلاق سراح معتقلين والأسرى بموازاة الانخراط جدياً في عملية سياسية ديمقراطية قوامها إجراء انتخابات شاملة، والعمل على إعادة اللاجئين السوريين لوطنهم.
الوزير الصفدي كذلك، بدأ ايضا تحركاته واتصالاته الخارجية حيث أجرى اتصالا هاتفيا يوم الأربعاء الماضي مع وزير الخارجية الياباني هاياشي يوشيماسا، أطلعه على تفاصيل الجهد العربي المستهدف للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية وتبعاتها الإنسانية والأمنية والسياسية.
وأكد الصفدي، على أهمية المسار العربي الذي تبلور بعد اجتماعي جدة وعمان، والاجتماع غير العادي لجامعة الدول العربية، للإسهام في حل الأزمة وفق منهجية الخطوة مقابل الخطوة، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، موضحا أن البيان الختامي الذي صدر عن الدول المشاركة في اجتماع عمان قدم خارطة طريق للتدرج نحو حل شامل للأزمة، ووضع بداية لطريق يتطلب وصولها إلى هدفها النهائي جهوداً كبيرةً، وخطوات عملية لمعالجة انعكاسات الأزمة على الشعب السوري ودول المنطقة، وتعاوناً من جميع الأطراف.
الصفدي أيضا أكد أهمية التركيز على الجوانب الإنسانية للتخفيف من معاناة الشعب السوري والتدرج في معالجة الجوانب الأمنية والسياسية، حيث أكد الوزير الياباني أن بلاده تدعم جهود حل الأزمة السورية وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، لافتاً إلى المساعدات الإنسانية التي تقدمها بلاده ضمن آلية التعافي المبكر التي أتاحتها قرارات مجلس الأمن.
لا شك أن ملف الأزمة السورية مُعقد واطراف التدخل الإقليمية والدولية كثيرة، إلا أن جدية التعامل العربي مع الأزمة، وانطلاق الحل من الداخل العربي سيفرض نفسه على العالم، ويوصلنا لنتائج إيجابية تعالج معظم التحديات وتزيل العراقيل، وتُبقى سوريا خارج رغبات أصحاب المشاريع الاقليمية في المنطقة، والأطماع الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي تفرض حصارا على الجمهورية العربية السورية دون تقديم مبررات حقيقية.