كتب: أكرم عطا الله
ألم يكن بإمكان إسرائيل إنقاذ حياة الشيخ خضر عدنان وتقديم العلاج الطبي له ؟، ألم يكن من الممكن إطلاق سراحه وإعفاء الإسرائيليين والفلسطينيين من هذه المعركة الدامية حتى لو أعادت اعتقاله بعد مدة ؟.
منطق الأشياء يقول إن إسرائيل الدولة التي كانت تراقب الوضع الصحي للأسير كان بإمكانها تجنيب المنطقة دمارا جديدا. ولكن يبدو أنه كان لديها قرار بالتصعيد لأنها كانت تعرف أن نهاية حياة الشيخ خضر شهيدا في زنزانته يعني انفجار الغضب لدى الحركة الأيدلوجية التي ينتسب لها، وهي الحركة الجاهزة دوما للمعارك بفعل فائض العقيدة وتحررها من حسابات الحكم.
هكذا كان مع سبق الإصرار والترصد، لأن وزير الأمن القومي والمسؤول عن السجون يصر على أن يضع بصمته الكاهانية على السياسة الإسرائيلية، ولأن الحياة السياسية لبنيامين نتنياهو باتت معلقة بين يدي بن غفير وخصوصا بعد نشر الاستطلاعات الأخيرة والتي تطيح بمستقبل زعيم الليكود.
كان لا بد أن يتم تفجير المنطقة بعودة الاغتيالات استجابة لبن غفير ولاستعادة تماسك الحكومة التي ترنحت نهاية الأسبوع الماضي، تلك كانت فانتازيا السياسة ومأساتها والتي تتجلى أكثر في الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من دول تتعامى عن مجريات الأحداث في تل أبيب وكيف يصنع فيها القرار وخصوصا لدى تلك الحكومة المستعدة لتفجير الشرق الأوسط من أجل بقائها.
هكذا بدأت المعركة، وتم اختيار حركة الجهاد الإسلامي بعناية تضمن معركة تضرب فيها أكثر من عصفور بحجر. فضربة كالتي حدثت كان بإمكان إسرائيل الإدعاء بأنها أعادت لها جزءا من قوة الردع التي يتنامى الشعور بفقدانها ولضمان عدم توسيعها. فالجهاد الإسلامي كما درجت العادة خاض معاركه العسكرية وحده في السنوات الأخيرة دون تدخل الجهد العسكري لحماس ما يضمن بقاءها تحت السيطرة ويضمن لإسرائيل فتح المعركة وإنهاءها في الحدود التي تقدرها، وكما درجت عادة المعارك مع هذه الحركة لا تستمر لأكثر من أيام.
هذه المرة مررت حركة الجهاد ساعات طويلة من الترقب والانتظار لدى مجمع الكرياه في تل أبيب، ولم ترد بشكل فوري وعفوي كأنها أرادت أن تقول: نحن من يحدد بداية المعركة المرتدة، وبشروطها التي وضعتها كأنها تقول: ليست إسرائيل من يحدد نهايتها أيضا، وإن كان الأمر صعبا على الحركة لتعارضه مع رغبات جهات كثيرة جدا تبدأ في غزة وحركة حماس التي تتجنب الحروب قدر الإمكان. فباستثناء واحدة قبل عامين كانت إسرائيل هي من يبادر في كل الحروب الثلاث التي سبقتها على القطاع، وتمتد تلك الرغبات لتطال كل العواصم العربية والدولية.
تجنبت إسرائيل الحرب منذ تشكيل حكومة نتنياهو ونشوء الصدع الداخلي الذي اقترب من المؤسسة العسكرية. لكن هذا الضعف الذي ولد مع حكومة نتنياهو أحدث بالتقييم ما يشبه التآكل في قوة ردع إسرائيل الذي تحول إلى هاجس لدى المؤسسة التي انشغلت في الأسابيع الأخيرة بالبحث عن سبل ووسائل استعادته، والذي تجلى بجرأة أكبر لدى خصومها للمساس بها بدءا من غزة وصواريخ من لبنان ومن الجولان حين حلقت طائرة فوق الهضبة ما أشعل الأضواء الحمر في تل أبيب.
وزاد من جدية الأمر حركة مكثفة في بيروت لدى الخصوم تمثلت بزيارات لقادة حركة حماس والجهاد وإيران ثم الإعلان عن محور متماسك سيخوض معاركه موحداً من الآن فصاعدا وهو ما أطلقوا عليه «وحدة الساحات».
كانت إسرائيل تقيس وتراقب وتجهز نفسها لكل الاحتمالات مسكونة بهاجس حرب تندلع من أكثر من جبهة، وهو ما أخفقت فيه العام 73 وكانت تريد اختبار مدى جدية التهديد هل سيتم تطبيقه أم لا ؟ كانت بحاجة لاختبار المسألة هل تنطبق على الحالة الفلسطينية أم المقصود بها حالات أخرى ؟ لكن الشركاء لم يتدخلوا وتركوا حركة الجهاد تدافع وحدها عن نفسها، وحيدة تخوض معركتها كما كل مرة ووحيدة تفاوض.
اطمأنت إسرائيل لهاجس الساحات وبادرت لمعركة وسط الحديث عن تآكل القوة وأعاد نتنياهو تصليب حكومته، وتمكن بدهاء من استيلاد مواقف داعمة من ألد خصومه السياسيين. ولكن هل تصدق إسرائيل التي خرجت للحرب باحثة عن ترميم قدراتها وسط تراجع متعدد الأسباب أن معركتها مع تنظيم فلسطيني صغير «ليس حماس، وليس الشعب الفلسطيني كله» تمكن من أن يمطر وحده سماءها ومدنها بهذا التحدي، هل فعلا أعاد لها قوة الردع أم أضعفها أكثر ؟
السؤال أجاب عنه بعض المحللين في إسرائيل منذ أن علق «الجهاد» ساعة الصفر وبدت إسرائيل في حالة ترقب كبير واجتماعات مكثفة لهيئاتها الأمنية تحت ضغط المجهول، وهي تتساءل عن موعد ونوع ردة الفعل المنتظرة، تلك لا تفعلها دول تثق بفائض قوتها بمقاييس القوة القائمة بين إسرائيل وجيشها وبين حركة الجهاد الإسلامي، بل يفعلها من يتزايد لديه الشعور بالتراجع. وما يمكن قوله إن إسرائيل في كل معركة باتت تزيد من تآكل قوتها.
هذا هو الواقع.