كتب: عقل أبو قرع
يصادف الثالث من أيار من كل عام ما يُعرف بـ “اليوم العالمي لحرية الصحافة”، وفي العام 2023، يكون قد مر 30 عاماً، منذ بدء الاحتفال بهذا اليوم، الذي تم إقراره من خلال منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو)، وعالمياً وتاريخياً تم وصف الصحافة بـ “السلطة الرابعة”، أي أنها السلطة التي تأتي بعد السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، لأهميتها ولقدرتها على إحداث التغييرات وشد البوصلة نحو الهدف، وهناك أحداث ووقائع عديدة غيرت تاريخ دول ومجتمعات وأنظمة وزعماء وسياسيين وشخصيات مجتمعية بسبب أفعال الصحافة والصحافيين.
وفي اليوم العالمي لحرية الصحافة، فإن الصحافة الحرة وببساطة، هي الصحافة (وبمكوناتها المختلفة والمستحدثة) هي التي تعالج قضايا الناس، سواء الخارجية أو الداخلية، وسواء أكانت لها علاقة بالسياسة وتداعياتها، وهي كثيرة عندنا، أو الحياتية المعيشية اليومية، وهي كثيرة كذلك، التي تعالجها، بحرية وبمسؤولية وبموضوعية، بعيدا عن التزويق والتضخيم والتشهير والادعاءات غير الموضوعية، وبعيدا عن الشعارات والعبارات الكبيرة، التي مل منها الناس منذ وقت طويل.
والصحافة الحرة والموضوعية، هي التي تعالج القضية أو المشكلة بدءاً من أسبابها، ومن ثم تتابعها حتى توفير الحلول لها، وتلك التي تطارد المسؤول حتى كشف الحقيقة، وتلك التي تستطيع أن تدخل إلى بيت المواطن والناس وتنال ثقتهم وبالتالي يدافعون عنها وعن حريتها، وتلك التي تهتم بأمور حياتية بسيطة، أو بقضايا فردية منسية، لكنها ذات بعد جماعي او مجتمعي، والصحافة الحرة هي التي تبني ثقافة الحرية والموضوعية والنزاهة والانتماء إلى المواطن والبلد والمجتمع.
وإذا كانت السياسة وبجوانبها وتبعاتها هي جزء من الحياة اليومية في بلادنا، فلا يعني هذا من قبل الصحافة، الابتعاد عن قضايا الناس اليومية المعيشية، لكن العمل من أجل سبرها وتوفير الحلول لها، وبالأخص تلك القضايا، التي يمكن أن تحدث فرقاً أو تغييراً في حياتهم، وفي خضم السياسة التي نحياها، وبالتالي امتلاء الصحافة بهذه القضايا، تتناقص أو حتى تندثر المساحة المتاحة التي من الممكن أن تعالج مثل هكذا قضايا في صحفنا اليومية، سواء من ناحية الأخبار، أو التحليلات، أو حتى أن المقالات هي في غالبها سياسي، والتقارير لا بد أن تعرج على الاحتلال والاستيطان والجدار والسياسة وتبعاتها المتشعبة، وبالطبع الأخبار إن لم تكن مباشرة فإنها وبشكل غير مباشر تمس السياسة.
وربما يجادل البعض أن هذا هو واقعنا ووضعنا، لكن هذا الواقع متواصل منذ سنوات طويلة ويمكن أن يستمر لسنوات عديدة وطويلة، وبالتالي فإن إتاحة مساحة أوسع وأبرز لقضايا تعالج قضايا الناس، من فقر ومن بطالة ومن أسعار وتلوث وحوادث للسير، ونفايات وأمراض سارية أو غير سارية، وأقساط المدارس والجامعات وسلامة الأدوية والأغذية، وقضايا عديدة تهم المواطن والمستهلك والقرية والمدينة والمخيم والحي والشارع، أعتقد أن هذا مطلب يتردد على ألسنة العديد من الناس وبأنواعهم، وهو الذي تراعيه أو تركز عليه الصحافة في كثير من المناطق في العالم.
حيث إننا نرى ونقرأ عن قضايا يومية حياتية للناس، في الصحف العالمية الكبرى، سواء أكان ذلك على شكل أخبار أو تقارير أو مقالات أو دراسات مبنية على أسس علمية، تنبع من مراكز الأبحاث والدراسات التي تتبع الصحافة بشكل مباشر، أو بشكل تعاقدي معها، وتشد هذه القضايا المواطن، لأنها تعالج قضاياه التي يلمسها ويتوق إلى إيجاد حلول لها، من قضايا تشمل الاقتصاد والبيئة والازدحام والضجيج والتعليم والسفر وما إلى ذلك من أمور حياتية، يتوق المواطن إلى مشاهدتها وقراءتها في الصحف اليومية وغير اليومية.
وإذا كان موضوع الفساد وبأنواعه، وبأحجامه المختلفة هو أحد المواضيع التي تشد المواطن، والذي يشكل مادة خصبة للصحافة، وكذلك مادة جذابة للناس للقراءة والمتابعة، فالسؤال هو: هل قامت الصحافة الفلسطينية بتناول هذا الموضوع كما يستحق؟ سواء من خلال البحث والتنقيب وتوخي الدقة، ومن خلال عرض النتائج بموضوعية وبأسلوب علمي بعيداً عن التهريج والضجيج، أو من خلال المتابعة حتى الوصول إلى نتائج وقرارات، أو من خلال تدريب أو إعداد صحافيين متخصصين في هذا المجال؟
وموضوع الفساد ينطبق كذلك، على موضوع التسيب والإهمال والاستهتار في العمل، وموضوع الواسطة والمحسوبية، وعلى موضوع البطالة المقنعة، وعلى موضوع الضرائب والجمارك، وموضوع المنتج الوطني وجودته وسلامته، وموضوع الأغذية الفاسدة والأدوية منتهية الصلاحية، وموضوع الجامعات والمصانع وتعبيد الطرق وحتى تسويق الزيت والورود والخضروات.
وفي بلادنا، لا يوجد نقص أو شح في عدد الصحافيين أو الإعلاميين بشكل عام، بل تزخر بلادنا بالصحافيين، وفي كل المجالات، وتوجد كليات الصحافة والإعلام تقريباً في معظم الجامعات الفلسطينية، وتخرج الآلاف من طلبة الصحافة والإعلام كل عام، وفي التخصصات الإعلامية المختلفة، وتوجد في بلادنا محطات الإذاعة الكثيرة والمتنوعة وتلفزيونات عديدة وصحف بأنواع وأحجام وتوجهات مختلفة، وتعمل في بلادنا معظم الوكالات أو محطات الإعلام والصحافة في العالم، وتتسابق محطات الإعلام الكبرى في العالم لإيجاد موقع قدم لها عندنا، وتقوم وبدون تردد بتشغيل الصحافي الفلسطيني.
ولا جدال أن الصحافي الفلسطيني قد أبدع ونجح، وهناك الكثير من الأمثلة على الصعيد العربي والعالمي، لكن المحور الأهم لنجاح أي صحافي هو تواصله أو معايشته أو معالجته قضايا المحيط الذي يحيا فيه، وقضايا المواطن الحياتية اليومية، وهموم المواطن الذي من المفترض أن يمثله، وقضايا البلد أو المجتمع الذي نما وترعرع فيه، بالتالي فإن السؤال الأهم، وفي ظل الزخم الصحافي الكثيف في بلادنا، هو: هل نجح الصحافي الفلسطيني في طرح قضايا الناس وأمورهم وشؤونهم؟ ومن ثم في متابعتها وفي الحصول ليس على إجابات لها، أو على وعود مؤقتة وبراقة كما يتم في معظم الأحيان، ولكن هل نجح في ايجاد حلول لمصلحة المواطن، حلول تبقى وتدوم بعد الانتهاء من التحقيق أو التقرير أو المتابعة الصحافية؟
وفي اليوم العالمي لحرية الصحافة في العام 2023، من المفترض التركيز أكثر على طرح القضايا المعيشية اليومية للناس، وعلى الصحافة الفلسطينية أن تقلص مساحة ما له علاقة بالسياسة وامتداداتها، وبأن تُفرد مساحة أكبر لقضايا الناس، وبأن ترصد ميزانيات أعلى لتأهيل صحافيين متخصصين، ينقبون ويتابعون قضايا الناس اليومية البسيطة والحياتية، ويعملون من أجل إيجاد الحلول التي تعمل على حل مشاكل الناس.