يتصاعد القلق والاستنفار العالمي، من قبل الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية في شباط 2022، والخوف من تعاظم قوة الدب الروسي في العالم، وانتصاره في أوكرانيا. فلم تكتف ردود الفعل الغربية بمجرد التصريحات والإدانة، بل وصلت إلى تقديم كل أشكال الدعم العسكري والمادي لأوكرانيا، وإمدادها بأحدث الأسلحة من قاذفات الصواريخ، والدبابات، وطائرات مُسيّرة، وأنظمة دفاع جوي من قبل دول “الناتو”. حتى أن الرئيس البولندي تعهد بإرسال الأسطول المتبقي لدى بلاده من طائرات ميغ 29 إلى أوكرانيا. بالإضافة لفرض مختلف العقوبات المشددة على روسيا بدءا من العقوبات الاقتصادية الصارمة عليها ” نظام سويفت” وتجميد أكثر من نصف احتياطيات البنك المركزي الروسي، إلى جانب الإجراءات ضد حليفتها بيلاروسيا، التي تسهل هجوم روسيا على أوكرانيا.
وقد صادقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، البالغ عددها 27 دولة، على مجموعة من التدابير والإجراءات القانونية التي حددتها المفوضية الأوروبية ضد روسيا. غير ذلك إرسال الوفود الرسمية من زعماء الدول ووزراء خارجيتها، لكييف من أجل حمل رسائل الدعم والمساندة لأوكرانيا من جهة. ووفود أخرى إلى الصين، لمحاولة إقناع الرئيس الصيني بتغيير موقف بلاده من الحرب والتوقف عن دعم الرئيس بوتين.
ما يقلق تلك الدول، ليس الدمار والخراب ودماء الأبرياء المهدورة بالحرب، بقدر حماية مصالحها ونفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي، الذي تهدده روسيا وحليفتها الصين.
ما يحصل على الساحة الدولية من تراشق التصريحات، والتهديدات، وبذل كل الجهود من قبل المسيطرين على النظام العالمي القائم لتغيير معطيات الحرب، والضغط على روسيا والصين لوقفها، يظهر مدى ازدواجية المعايير والانفصام في مواقف النظام العالمي، وعدم احترام سيادة الشعوب المقهورة والضعيفة وحقوقها، والمجاهرة باعتماد ازدواجية معايير صارخة وفجة أمام كل العالم، فإذا كان فعلا ما اعتبره زعماء العالم الغربي أن هذه الحرب، هي اعتداء صارخ على سيادة أوكرانيا وشعبها وعلى النظام العالمي، كما وصفها زعماء الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الأوروبية، وكما لخصها جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية الأمنية، عندما وصف الهجوم الروسي أنه اعتداء على سيادة أوكرانيا وشعبها، وأن ضم شبه جزيرة القرم، هو إجراء غير شرعي من قبل روسيا. وأن ما قامت به روسيا حسب وصفه هو انتهاك لميثاق الأمم المتحدة، وجميع مبادئها، وأن الدفاع عن أوكرانيا هو بمثابة دفاع عن القانون الدولي وأمن القارة الأوروبية. بل اعتبر أيضا أن دفاع أوكرانيا عن نفسها وأراضيها هو مقاومة بطولية ضد ما أسماه الغزو الروسي.
من المؤسف أن تلك الدول التي تدعي الدفاع عن أوكرانيا وسيادتها، وتعتبر ما تقوم به روسيا احتلالا غير شرعي لدولة أخرى، هي نفسها الدول التي تصمت منذ خمسة وسبعين عاما على جرائم اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وهي التي تدعم اسرائيل في احتلالها لفلسطين، وانتهاكها لسيادة أراضيها وحقوق شعبها. فبريطانيا التي تصف الهجوم الروسي وموقف الصين بتحدٍّ للنظام العالمي، وتتوعد بإرسال دبابات لحماية أوكرانيا، هي نفسها التي منحت الحركة الصهيونية وعد بلفور، عام 1917 وتبنت المشروع الصهيوني وعملت كل جهودها على تمكين الحركة الصهيونية ودعمها في قمع الشعب الفلسطيني وإنشاء كيان غاصب على أرضه وعلى حساب حقوقه الوطنية وتطلعاته للحرية والاستقلال.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أول من اعترف بإسرائيل وتبعتها الدول الأوروبية، بعد النكبة، وعلى أنقاض القرى المهجرة، وبعد أن تم تهجير أكثر من 800 ألف فلسطين من أرضه، وارتكاب أكثر من سبعين مجزرة.
والأمم المتحدة بجمعيتها العمومية التي تدين اليوم الحرب على أوكرانيا، هي نفسها التي أصدرت قرارها رقم 273 عام 1949، بقبول عضوية إسرائيل بالأمم المتحدة وبالوقت الذي تعترف فيه 163 دولة بإسرائيل حالياً من أصل 193 دولة بإسرائيل، ما زالت الولايات المتحدة ومعظم دول الغرب تمتنع عن الاعتراف بدولة فلسطين، وحقها بالدفاع عن نفسها ضد الاحتلال الإسرائيلي، وحتى اللحظة ما زال الاحتلال الإسرائيلي يتمادى في عدوانه وارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، بحق الشعب الفلسطيني وأرضه، من استيطان وتهجير وقتل، وإعدام ميداني، واعتقالات، والعقاب الجماعي، والحروب المتتالية على قطاع غزة، ومصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات دون اتخاذ إجراء واحد ضد اسرائيل. وتبرير ذلك بحماية أمنها، وإنكار حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه. وعلى العكس فإنه لا يخفى على أحد الدعم الأمريكي لإسرائيل بكافة أشكاله والعلاقات المتينة والتعاون الوطيد بين الدول الأوروبية وإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه ودمائه.
وإذا كانت الدول الأوروبية، استنفرت لحماية القارة الأوروبية، على حد تعبير قادتها، من الخطر الروسي، أليس جديرا بالدول العربية أن تشعر بالقلق على أمنها واستقرارها، من وجود الاحتلال الإسرائيلي الغاشم في قلب الوطن العربي، ومحاولة اسرائيل السيطرة على كامل أرض فلسطين وخيراتها؟
آن الأوان أن يستيقظ الوطن العربي وأن يدرك أن الرهان الحقيقي اليوم هو على الوحدة العربية، وعلى وعي الشعوب بقضايا الأمة العربية وقضية فلسطين القضية الأولى والمركزية.
لا شك أن الحرب الروسية الأوكرانية، قد كشفت للعالم أجمع أن كل الشعارات عن الديمقراطية والعدالة الدولية وسيادة الدول وحقوق الشعوب، التي نادت بها المواثيق الدولية والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، التي فصّلته تلك الدول على مقاسها، ما هي إلا شعارات براقة تستخدمها الدول الاستعمارية لتمرير أطماعها والحفاظ على مصالحها، وأمام هذا المشهد الذي يكشف زيف العالم وغياب النزاهة والعدالة، بالتعامل مع قضايا الشعوب والنزاعات الدولية، لا بد من الاعتماد على إمكانياتنا بدءا من وقف الانقسام الفلسطيني وتحقيق الوحدة الوطنية لتكون هي الدرع الحامي لحقوق شعبنا الفلسطيني، والجامعة لكل النضالات والتضحيات، والموجهة للبوصلة باتجاه القدس.