يرى فرانك ليدويدج المحامي والضابط العسكري السابق أن تسريبات وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” الأخيرة، تظهر مدى الفساد المدفون في قلب جهاز الاستخبارات الأمريكية، وأن المعلومات التي سربت لم تؤذ أحداً بالقدر التي أذت فيه الولايات المتحدة نفسها.
ويوضح ليدويدج في مقال بصحيفة “الغارديان” البريطانية، أنه حتى هذا القرن، كانت هناك 3 تسريبات عامة ورئيسية لمواد المخابرات الأمريكية السرية، التسريبات الأولى هي سلسلة ويكيليكس التي بدأتها الجندية السابقة في الجيش الأمريكي تشيلسي مانينغ، وكشفت عن الفوضى في قلب حربي العراق وأفغانستان، والتسريبات الثانية الخاصة بإدوارد سنودن العميل السابق للمخابرات الأمريكية، والذي كشف عن حملة المراقبة غير القانونية التي شنتها الولايات المتحدة ضد شعبها، والتسريبات الثالثة التي حدثت الأسبوع الماضي، الخاصة بجاك تيكسيرا الجندي الأمريكي السابق والذي سرب معلومات مهمة جداً لسياسة أمريكا الخارجية.
ويقول الكاتب إن من بين ثلاث مجموعات من التسريبات، الأحدث هو الأقل ضرراً سياسياً، لكن ما تظهره مرة أخرى هو الفساد الخطير الذي تم إنشاؤه ذاتياً والمستمر في قلب نظام المخابرات الأمريكية، وهو مزيج من الإفراط في التصنيف والتوافر الواسع النطاق للوصول إلى المواد السرية.
طبيعة الوثائق المسربة..
ويضيف ليدويدج أنه بالنظر إلى طبيعة الوثائق المتاحة حتى الآن، والتي يبدو أن معظمها عبارة عن تحديثات وتحليلات يومية، يبدو أن هناك القليل من المعلومات الاستخبارية الضارة من الناحية التشغيلية. ولعل الأهم هو “الكشف” عن أن المخابرات الأمريكية كانت تتجسس على حلفاء مثل كوريا الجنوبية وإسرائيل.
لذلك كان ينبغي ألا يكون مفاجئا للرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي أنه كان ضحية التجسس الأمريكي، أما بالنسبة للمملكة المتحدة، فلا ينبغي لأحد أن يصدم من الأخبار التي تفيد بأن القوات البريطانية الوحيدة التي لا تخضع لأي شكل من أشكال الرقابة الديمقراطية الفعالةـ لأنه هناك قوات خاصة يتم نشرها في أوكرانيا بأعداد كبيرة.
ويشير الكاتب إلى أنه من غير المحتمل أن يشارك هؤلاء الأشخاص ونظرائهم من أماكن أخرى في أوروبا والولايات المتحدة بشكل مباشر في القتال، وبدلاً من ذلك، يقومون بتدريب الجنود الأوكرانيين والمساعدة في التخطيط للعمليات. وفي حين أنه سيكون من الصعب على روسيا أن تجادل بأن وجود تلك القوات يدل على تورط مباشر، إلا أنه إذا أتيحت الفرصة، فقد يكون من المناسب لروسيا القيام بذلك.
ومن الأمور ذات الأهمية أيضاً كما يرى الضبط العسكري السابق، المخاوف التي تم التعبير عنها في التسريبات بأن أوكرانيا قد “تقصر” في هجومها الربيعي الذي طال انتظاره، فقد أوضح الجنرال مارك ميلي، رئيس رؤساء الأركان الأمريكية، مؤخراً وجهات نظر مماثلة في الأماكن العامة.
مشكلة التصنيف..
والأهم من ذلك، من وجهة نظر الكاتب، أن التسريب يمثل هدفاً آخر من قبل بيروقراطية استخباراتية ذات موقف مرتبك مرضيا تجاه إدارة المعلومات، إذ يعتمد النهج العقلاني للوصول إلى المعلومات السرية على التصنيف وفقاً لتعريفات واضحة بشكل معقول لمستويات مختلفة من السرية؛ مثل تمييز وتعريف الملف بأنه “سري” أو “سري للغاية”.
وهذا يسير بشكل جيد في الولايات المتحدة، لكن يجب أن يكون مصحوباً بنهج” الحاجة إلى المعرفة”، فقد تساءل العديد: لماذا يجب على طيار احتياطي صغير في كيب كود، ماساتشوستس (إذا كان بالفعل مصدر تسريبات الخلاف) أن يعرف عن الخطط الأوكرانية لضرب روسيا، أو المكائد السياسية لأجهزة المخابرات الإسرائيلية؟
الجواب، بالطبع، بحسب ليدويدج أنه “لا يجب عليه معرفة ذلك، لكن لديه حق الوصول على أي حال. والسبب في ذلك يكمن في اثنين من الدوافع التعويضية، ولكن القوية التي حال اجتمعت ستكون ضربة قاضية للسرية. فمن ناحية، فإن الأفراد العسكريين والاستخباراتيين الأمريكيين لديهم عادة خطيرة، تكاد تكون بجنون العظمة، تتمثل في الإفراط في التصنيف، أي التعامل مع المعلومات العسكرية العادية بنفس الطريقة التي يتم التعامل بها مع المواد الحساسة حقاً”.
ويتفاقم الوضع من خلال نظام يقوم بعد ذلك برش المعلومات المصنفة لأعداد هائلة من الأشخاص الذين لديهم تصاريح أمنية، إذ يمكن لـ 1.2 مليون موظف حكومي أمريكي الوصول إلى معلومات سرية للغاية، كما يمكن لـ 1.6 مليون شخص آخر قراءة مواد “سرية”.
نقاط ضعف
ويرى الكاتب أن القلق بالنسبة للولايات المتحدة، وبالتالي منظمات الاستخبارات الغربية، بسبب مشكلة التصنيف، هو أن هناك احتمالاً حقيقياً لحدوث تسريبات أخرى عديدة وقد تكون ضارة إلى حد كبير بالأمن الوطني.
قد تختلف دوافع مانينغ وسنودن والشخص الذي يقف وراء التسريبات الأخيرة، لكنهم يشتركون في أن جميعهم كانوا راضين عن موادهم ليتم نشرها، إذ يعرف الجميع حرفياً ما تم نشره، ولا يتم نشر تسريبات خطيرة حقاً، من قبل أي شخص، بل يتم الاحتفاظ بها “سرية” للغاية.
ويختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنه “في حين أن وكالات الاستخبارات الروسية تمتلك تاريخا طويلا من العمل الاستخباراتي الفعال، كما أن قدرات وزارة أمن الدولة الصينية وقوة الدعم الاستراتيجي الجديدة نسبياً تُقزم قدرات روسيا. يحتاج مجتمع المخابرات الأمريكية إلى الانشغال بفرز نقاط الضعف النظامية التي خلقها لنفسه، ويمكن أن يكون على يقين من أن روسيا والصين وغيرهما تعملان بجد لاستغلال نقاط الضعف هذه”.