تلقي قرارات مجلس الوزراء في العاشر من الشهر الجاري، دفع راتب شهر أبريل\ نيسان قبل إجازة عيد الفطر، وتصريحات وزير المالية شكري بشارة أمس الأربعاء، بأنه لا يمكن دفع راتب آخر قبل العيد، لتقرر وزارة المالية بعد ساعات صرف 30% من الراتب قبل العيد، بظلالها على أزمة يحذر كتاب ومحللون بأنها تنعكس آثارها على الاقتصاد والموظفين.
إرباك نفقات الموظفين
يرى خبراء ومحللون اقتصاديون أن تضارب القرارات بين مجلس الوزراء وتصريحات وزير المالية ثم قرار الوزارة بصرف جزء من الراتب، تسبب بحالة إربارك فيما يتعلق بنفقات الموظفين، الذين بنوا خطط نفقاتهم بناء على قرار صرف راتب قبل العيد.
ويؤكد الخبير والمحلل الاقتصادي د.طارق الحاج، أن مصاريف العيد في ظل ارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش كان يتوجب صرف راتب كامل للموظفين، فالراتب حتى لو كان كاملًا لا يكفي لنفقات المناسبات.
ويشير الحاج إلى أن بعض الدول أعطت تعليمات للبنوك كالأردن بعد اقتطاع القروض من الرواتب إطلاقًا قبل العيد، وكذلك وجود رقابة على الأسعار بحيث لا يتم تجاوز سعر معين، وكذلك بعض الدول اتخذت إجراءً بصرف عيدية لكل موظف، لكن هذه الأمور لا يوجد أي منها لدينا.
بدوره، يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت د. يوسف داود أن عدم صرف الراتب قبل العيد أوجد تأثيرات نفسية واجتماعية على الموظفين، خاصة أنها مناسبة بحاجة لنفقات إضافية لإدخال السرور على الأسرة، متمنيًا على صناع القرار بضرورة النظر وحلحلة الوضع الاقتصاي الصعب أصلاً.
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم: “إن الموظفين بنوا سلوكهم الاستهلاكي بناء على وجود صرف راتب قبل العيد، ولم يأخذوا احتياطاتهم، وبنوا التزامتهم بناء على ذلك، ما يعني أن ما حدث سينعكس على فرحتهم بالعيد، وسيزيد من أزمتهم”.
راتب مهم قبل العيد
صرف راتب قبل العيد أمر مهم للموظفين وعلى كل عجلة الاقتصاد، لكن ما جرى من عدم صرف راتب كامل، يؤثر بحسب الخبير والمحلل الاقتصادي د. طارق الحاج، على سحب السيولة من بين أيدي المواطنين، وبالتالي حدوث بطء وإرباك في عجلة الاقتصاد.
كما يؤثر ذلك، بحسب الحاج، على الأسرة بسبب عدم مقدرة رب الأسرة الوفاء بمتطلبات العيد، ومن لديهم قروض لن يتمكنوا من سدادها، أو ربما يكون ذلك على حساب السيولة المتوفرة مع الموظفين، علاوة على عدم سداد ديونهم، وتكدس البضائع لدى التجار.
صرف 30% من الراتب، يؤكد أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت د. يوسف داود أنها لا تكفي على العيد، ما يعني عدم تمكن الموظفين من توفير “عيديات”، حتى بقية المواطنين يؤثر الأمر عليهم، وعلى عجلة الاقتصاد.
ويقول داود: “إن ما يزيد الأمر صعوبة أن العيد يأتي مع نهاية شهر أبريل\ نيسان، وبالكاد الراتب السابق يكفي مع وجود نفقات إضافية للعيد، وقد يضطر الموظف للاستدانة، إلا من تمكن من توفير مبالغ خاصة سابقًا لأجل التعامل مع نفقات العيد”.
في حين، يقول الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم: “إن صرف 30% من الراتب سؤثر على الدورة الاقتصادية بشكل كبير، في ظل تساؤلات إن كانت البنوك ستخصم ما على الموظفين من التزامات، كما أنه ربما كان بالإمكان صرف الـ30% من مستحقات الموظفين على الحكومة وليس من راتب شهر أبريل\ نيسان الجاري، ومن ليس له مستحقات يدفع له جزء من الراتب”.
زعزعة الثقة بالحكومة
ما جرى من قرارات وتصريحات يرى فيها كتاب ومحللون اقتصاديون وسياسيون، أن آثارها ستنعكس على الموطنين، بحيث يفقدون الثقة والمصداقية بالحكومة، وخاصة بين النقابات التي تمثل الموظفين، مؤكدين أنه كان بالإمكان إخراج طريقة صرف الراتب بشكل أفضل.
ووفق الحاج، فإن تصريحات رئيس الوزراء محمد اشتية خلال جلسة الحكومة في العاشر من الشهر الجاري، قد تظهر عدم وجود أزمة مالية إطلاقاً، وما تبعها من تصريحات لوزير المالية أمس الأربعاء، قد تظهر كذلك أن وزير المالية من يتحكم بالمال وأنه يخلق أزمات ويؤجلها وربما يرحلها، والمفترض أن يكون الوزير جزءًا من الحل وليس جزءًا من تأزيم المشكلة.
وينوه الحاج إلى أن ما يجري على الأرض من عمليات توظيف أو إنفاق للحكومة في ظل الوضع المالي الصعب، قد يشير إلى أنه لا يوجد أزمة، أو ربما لدينا موارد كثيرة أخرى لا يتم الإفصاح عن حجمها.
ويشير الحاج إلى أن الجميع كان يترقب حلحلة الأمور مع النقابات، والمعلمين خاصة، لكن تصريحات وزير المالية ، رغم أن تصريحاته قليلة، بهذا الوقت بعد تصريح رئيس الوزراء حول صرف راتب كامل آخر قبل العيد، يضع علامات استفهام على ذلك.
ويعتقد داود أن ما جرى بين اشتية ووزير المالية هو قضية خلاف داخلي أكثر منها خلافات على صرف الراتب، وكان من المفترض أن يتم حل ذلك على مستويات أعلى وليس أمام الناس، وأن لا تؤثر عليهم بطريقة سلبية.
فيما يعبر عبد الكريم عن أسفه لما دار من جدل حول قضية صرف الراتب، ويقول: “حتى لو أن رئيس الوزراء تسرع وأطلق تصريحات عاطفية شعبوية حماسية بأنه سيدفع راتبين خلال أسبوعين، خاصة أن الجميع يدرك صعوبة ذلك، لكن كان الأجدر بوزير المالية، وحفاظاً على هيبة الحكومة أن يحل ذلك بنفس الجلسة التي صرح بها اشتية، ويبين الوضع المالي الصعب، أو أن يتم ذلك بعد الجلسة ببيان توضيحي، ولا ينتظر أسبوعين للحديث عنها”.
إخراج سيء يعكس أزمة
يؤكد نصر عبد الكريم، أن “ما جرى إخراج سيء سواء في بداية تصريحات اشتية أو تصريحات بشارة، فصيغة إخراج ذلك يعكس وجود أزمة كبيرة بإدارة الشأن العام، ويطرح أسئلة كثيرة حول أهمية استحقاق التغيير الوزاري الواسع، ويبقى الأمر حوله بملعب الرئيس”.
يقول عبد الكريم: “إن رئيس الوزراء من يضبط كل الوزراء، وفي اجتماعات الحكومة تجري النقاشات وتصدر القرارات، ولو احتفظ وزير ما بموقف معارض، لكنه يلتزم بالقرارات، إلا أن عددًا من الوزراء يدركون أنهم لا يخضعون لمجلس الوزراء، ويتخذون قرارات معاكسة، وهذه ليست المرة الأولى يحدث ذلك مع وزير المالية، حينما أكد انه لن يدفع مستحقات للنقابات”.
من جانبه، شدد الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي ، أن ما جرى حول صرف الراتب، هو خلاف غير منطقي وغير قانوني، فرئيس الوزراء هو المسؤول عن الوزراء إذا خرجوا عن الإطار العام لقرارات مجلس الوزراء.
ويقول عنبتاوي: “إن ما جرى يوحي بوجود حالة تخبط لدى الحكومة والدولة، وأن هنالك خلافات على الصلاحيات كانت موجودة، ظهرت للشارع، وفي ظل تلك الخلافات لا يمكن لنا أن نواجه المشروع الصهيوني والأزمات التي تعصف بالشعب الفلسطيني”.
ويتابع عنبتاوي، “إن تلك التصريحات لوزير المالية وقراراته تزيد الفجوة بين الموظفين والقطعات المختلفة مع الحكومة، لذات بات مطلوبًا مراجعة النظام السياسي الفلسطيني بأكمله على كافة المستويات، ومعالجة الخلافات الموجودة، لأنها تعصف بالشعب الفلسطيني، وتزيد الوضع صعوبة”.