قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “CIA”، ويليام بيرنز يوم الأربعاء، إنَّ نفوذ الولايات المتحدة يشهد فترة من التغيير والتحول، في ظل اتساع نطاق المنافسة مع الصين وروسيا، محذراً من أنَّ وضع بلاده “على رأس الطاولة غير مضمون”.
وأضاف بيرنز خلال ندوة بمعهد “بيكر” للسياسة العامة، أنَّ “واشنطن لا تزال لديها أفضلية للتغلب على منافسينا، إلا أنها لم تعد الفتى الكبير في الكتلة الجيوسياسية، ووضعنا على رأس الطاولة غير مضمون”.
وأوضح أنَّ “الصين في عهد (الرئيس) شي جين بينغ لا تكتفي بالجلوس على الطاولة فقط، بل إنها تريد إدارة الطاولة”، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنَّ “روسيا، تحت قيادة فلاديمير بوتين، “تريد أن تقلب الطاولة بالكامل”.
وأشار إلى أنَّ هذا الوضع يفرض تحديات للدبلوماسيين ومسؤولي الاستخبارات لسنوات مقبلة، مشدداً على أنَّ وكالة الاستخبارات المركزية تعمل على التعاطي مع هذه التحديات.
تسريب الوثائق
وتحدث بيرنز عن واقعة تسريب العشرات من الوثائق الأميركية السرية على شبكة الإنترنت، قائلاً إن تسريب وثائق عسكرية سرية يمثل مشكلة ملّحة للولايات المتحدة في الوقت الحالي، تتعامل معها وكالات الاستخبارات الأميركية.
وأوضح أنَّ وزارة العدل تحقق حالياً في التسريب، ورفض الخوض في مزيد من التفاصيل حول فهمه للقضية. وقال: “نحن بحاجة إلى تعلم الدروس من ذلك أيضاً حول كيفية تشديد الإجراءات”.
بوتين.. “المخطئ بشدّة”
ووصف بيرنز، الذي خدم مرتين في روسيا كدبلوماسي، بما في ذلك السفير الأميركي من 2005 إلى 2008، الدخول الروسي لأوكرانيا بأنه “عدوان وحشي”.
وكشف بيرنز أنه تعامل مع بوتين بشكل شخصي وتفاعل معه لـ “فترة طويلة”، موضحاً أنه تحدث مع بوتين شخصياً قبل حرب أوكرانيا بناءً على طلب الرئيس الأميركي جو بايدن، واصفاً بوتين بأنه “مخطئ بشدة في افتراضاته بسبب اعتقاده بأن أوكرانيا ضعيفة، ومنقسمة، وليست دولة حقيقية”.
وقال بيرنز إنَّ بوتين “نقل هذه الرسالة بوضوح”، معتبراً أن الرئيس الروسي الآن “في وضع غير مريح وغير معتاد بما يمكنه من الوقوف على قدمه”.
وأضاف أن الرئيس الروسي يواجه معضلات في أوكرانيا، مع استمرار مواجهة جيشه العديد من الخسائر في الأفراد والعتاد، على حد تعبيره.
وتابع أن “(بوتين) لا يزال مقتنعاً بأنَّ أوكرانيا تهمه أكثر مما تهمنا، وأعتقد أنَّ بوتين مخطئ في هذا الرهان كما كان (مخطئاً) في افتراضاته قبل حربه”.
“مستعمرة اقتصادية للصين”
وقال بيرنز: “إذا كنت تعتقد أنه في وقت مبكر من الحرب، كانت نية بوتين محاولة كسر حلف شمال الأطلسي (الناتو) وإضعافه، فإنَّ الحقيقة هي أنَّ الحلف متماسك كما كان في أي وقت مضى.. لقد أضاف للتو عضواً جديداً هو فنلندا.. ومن المرجح أن يضيف عضواً ثانياً، وهو السويد”.
وأوضح أنه في المقابل “إذا نظرت إلى حقيقة أنَّ روسيا أصبحت تعتمد أكثر فأكثر على الصين، وفي بعض النواحي تخاطر بأن تصبح مستعمرة اقتصادية للصين بمرور الوقت، وتعتمد على تصدير موارد الطاقة والمواد الخام في هذا الاتجاه أيضاً، فإن كل ذلك يظهر، في رأيي، هدفاً ضخماً لـ(روسيا بوتين) في الوقت الحالي”.
السلام في أوكرانيا
وقال بيرنز إن تقييم وكالة الاستخبارات المركزية، هو أنَّ بوتين “ليس جاداً بشأن المفاوضات للتوصل إلى اتفاق سلام وهناك الكثير من الأمور ستكون على المحك خلال الأشهر المقبلة”.
وأشار إلى أن “بوتين يفكر ويريدنا أن نعتقد أنه يستطيع أن يجعل الوقت يعمل لصالحه”، لافتاً إلى أن رهان الرئيس الروسي أنه يستطيع سحق الأوكرانيين وإرهاق الغرب”. وشدَّد على أهمية استمرار الدعم الأميركي لأوكرانيا، بما في ذلك من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية.
وقال بيرنز إنه يتوقع المزيد من التلويح النووي من روسيا مع استمرار حربها في أوكرانيا، مشيراً إلى أنه لا يمكن التعامل مع الأمر باستخفاف.
كما أكد على أن وكالة الاستخبارات المركزية “لا ترى أدلة على الاستعدادات لأي استخدام محتمل للأسلحة النووية”، قائلاً: “لا ترى تغييراً مهماً في الانتشار النووي من قبل القيادة الروسية”.
العلاقات مع الصين
وعلى الرغم من المشاكل مع بوتين، إلا أنَّ بيرنز اعتبر الصين أكبر أولوية لوكالة الاستخبارات المركزية على المدى الطويل.
وحذَّر من أنَّ “إدارة علاقة حاسمة وعدائية بشكل متزايد مع الصين ستكون أهم اختبار لصانعي السياسة الأميركيين لعقود مقبلة”.
وقال: “لقد قمنا بمضاعفة الموارد التي تركز على الصين داخل الـCIA”، معتبراً أن “ثورة التكنولوجيا هي ساحة صراع رئيسية مع الصين ومحدد هام لمستقبلنا كوكالة استخبارات”.
وأوضح أن “المعلومات الاستخباراتية الجيدة ستكون أساسية لمساعدة صانعي السياسة على التنافس بشكل ناجح وردع وتفادي الصراع، ويمكنها أن تفتح آفاقاً جيدة للتعاون، وفهم النوايا، والقدرات الصينية بشكل جيد بشأن تايوان”.
ولفت بيرنز إلى أن تنامي العلاقات بين موسكو وبكين “يشكل تحدياً كبيراً”، مشيراً إلى أنَّ زيارة الرئيس الصيني أخيراً إلى موسكو تؤكد على طبيعة هذه العلاقات.
وحذّر بيرنز في الوقت نفسه، من أي احتمالية لقيام الصين بدعم روسيا بالسلاح والذخيرة في حربها بأوكرانيا، مشيراً إلى أن “بايدن تحدّث علناً عن العواقب التي ستواجه بكين حال قامت بذلك”.
وأضاف أن أي محاولات من قبل الصين لتزويد روسيا بالأسلحة ستقضي على أي فرصة لأدائها دور الوسيط في تسوية النزاع في أوكرانيا.