سبعة وأربعون عاما مرت على يوم الأرض الخالد وما زالت الأرض الفلسطينية تئن تحت وطأة سياسات الاحتلال التي حولت المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية الى معازل وجزر منفصلة ومنعزلة عن بعضها، بعد ان استعر الاستيطان وازدادت أعداد المستوطنين وتضاعفت انتهاكاتهم وجرائمهم.
فمخططات الاستيطان تتواصل وتتصاعد والضفة الغربية تشهد فصولا من التطهير العرقي المتواصل في القدس والأغوار الفلسطينية ومناطق جنوب الخليل وغيرها من المناطق في الضفة الغربية عبر سياسة مصادرة الأراضي واقامة المستوطنات وشق طرق فصل عنصري التفافية في أراضي الفلسطينيين فضلا عن هدم المساكن المتواصل في القدس المحتلة وفي المناطق المصنفة (ج)، حيث يمارس الاحتلال عمليات تهجير بشكل ممنهج، في الوقت الذي يسمح فيه للمستوطنين بالبناء غير المرخص في عشرات البؤر الاستيطانية ويشرع لأجل تعميق الاحتلال وتوسيع رقعة الاستيطان قوانين عنصرية في الكنيست كان آخرها إلغاء قانون فك الارتباط، الذي سمح للمستوطنين بالعودة إلى 4 مستوطنات مخلاة في شمال الضفة الغربية.
وفي يوم الارض لهذا العام كما في كل عام، أكد الفلسطينيون تمسكهم بأرضهم واستعاداهم العالي للدفاع عنها ويحيون ذكرى هذا اليوم الخالد وسط حصار قاس لمدنهم وقراهم، وقد نفذت عديد البلدات والقرى الفلسطينية في انحاء مختلفة من الضفة الغربية فعاليات لإحياء هذا اليوم الذي يعبر فيه الفلسطينيون عن تمسكهم بأرضهم ومقاومتهم للمشروع الاستيطاني التهويدي الذي يستهدفها.
وأصيب العشرات من المواطنين جراء قمع قوات الاحتلال الإسرائيلي لتلك الفعاليات في الضفة الغربية نتيجة الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز التي القيت بكثافة على المواطنين المشاركين في تلك الفعاليات المنددة بالاستيطان والتهويد المتواصل في أراضيهم.
وبمناسبة ذكرى يوم الارض أصدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تقريرا قال فيه إن عام 2022 شهد زيادة كبيرة في وتيرة بناء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، إذ صدقت سلطات الاحتلال على نحو 83 مخططا استيطانياً لبناء أكثر من 22 ألف وحدة استيطانية في جميع أنحاء الضفة الغربية بما فيها القدس.
وأشار إلى أن عدد المواقع الاستيطانية والقواعد العسكرية الإسرائيلية بلغ 483 موقعاً حتى نهاية العام 2021 في الضفة الغربية، تتوزع بواقع 151 مستوطنة، و25 بؤرة مأهولة عدّت كأحياء لمستوطنات قائمة، و163 بؤرة استيطانية خارج حدود المستوطنات، و144 موقعا آخر كمناطق صناعية وسياحية وخدماتية ومعسكرات لجيش الاحتلال، هذا في الوقت، الذي نفذت سلطات الاحتلال والمستوطنون تحت حماية جيش الاحتلال 8,724 اعتداءً بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم خلال العام 2022 وما مجموعه 378 عملية هدم، طالت 953 منشأة في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس، تركزت معظم عمليات الهدم في محافظة القدس بواقع 118 عملية هدم بنسبة 31%.
ويستغل الاحتلال الإسرائيلي تصنيف الأراضي حسب اتفاقية أوسلو (أ، ب، ج) لإحكام السيطرة على أراضي الفلسطينيين خاصة في المناطق المصنفة (ج) والتي تخضع قضايا الأمن والتخطيط والبناء بالكامل لسيطرة الاحتلال الاسرائيلي، حيث يستغل الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر ما نسبته 76% من مجمل المساحة المصنفة (ج)، تسيطر المجالس الإقليمية للمستعمرات على 63% منها، فيما بلغت مساحة مناطق النفوذ في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية (تشمل المساحات المغلقة والمخصصة لتوسيع هذه المستعمرات) نحو 537 كم2 في نهاية العام 2022، وتمثل ما نسبته حوالي 10% من مساحة الضفة الغربية، فيما تمثل المساحات المصادرة لأغراض القواعد العسكرية ومواقع التدريب العسكري حوالي 18% من مساحة الضفة الغربية بواقع 1,016 كم2، بالإضافة إلى جدار الضم والتوسع الذي عزل أكثر من 10% من مساحة الضفة الغربية، وتضرر ما يزيد على 219 تجمعاً فلسطينياً جراء إقامة الجدار والذي يبلغ طوله حوالي 714 كم، كما قامت سلطات الاحتلال الاسرائيلي منذ 1967 بمصادرة حوالي 353 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية وتصنيفها كمحميات طبيعية تمهيداً للاستيلاء عليها.
وعلى صعيد مخططات البناء الاستيطاني في القدس وغيرها من مناطق الضفة الغربية، فهي لا تتوقف وكأنها في سباق مع الزمن في محاولة لخلق وقائع جديدة تسرع في عمليات التهويد والأسرلة وخاصة في المدينة المقدسة.
فقد قدمت بلدية الاحتلال خططا لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في المدينة المقدسة، وتشمل الخطط مشاريع لبناء مئات المنازل على اراضي بلدة أبو ديس التي تقع جزئيًا داخل حدود بلدية القدس، بالإضافة إلى المزيد من المنازل في قرية أم طوبا وحولها جنوب شرق القدس، كما تشمل البناء فى رأس العمود.
ويمثل نائب رئيس بلدية الاحتلال اليميني المتطرف، أربيه كينغ، القوة الدافعة وراء الخطط الاستيطانية الجديدة، بدعم من مستثمرين يهود ومجموعات خاصة، بمساعدة مسؤولين في بلدية الاحتلال، ومن شأن هذه المخططات أن تغير جذريًا الطابع الديموغرافي في القدس، كما أنها تخلق نقاط احتكاك جديدة في المدينة المحتلة.
وفي بلدة أبو ديس ينوي المخططون بناء ما بين 250 إلى 450 وحدة استيطانية جديدة على قطعتين من الأرض تدّعي مجموعة يهودية أن ملكيتها يهودية وتعود إلى عام 1920، وذلك بدعم من منظمة “عطيرت كوهانيم”، وهي جماعة يمينية متطرفة وتقوم بشراء أراض لتوطين المستوطنين اليهود خاصة في القدس وفي قرية “أم طوبا”، حيث يجري التخطيط لبناء 400 وحدة استيطانية أخرى، وهي أول محاولة منظمة لإيجاد تواجد يهودي ملاصق للبلدة.
كما تتطلع سلطات الاحتلال إلى افتتاح حي استيطاني جديد تمامًا على سفح تل بين “أم طوبا” ومستوطنة “جيلو” في القدس، وفي حي “رأس العامود” يتطلع المخططون الآن لإضافة 140 وحدة استيطانية أخرى لبيعها للمستوطنين اليهود في مشروعين سكنيين جديدين.
ولا تسلم بقية المناطق من وحش الاستيطان، ففي مخطط استيطاني جديد يعزل التجمعات البدوية ويكرس معاناة خربة أم الخير يسطو المخطط الاستيطاني الذي تم الاعلان عنه وايداعه بخرائط رسمية، على مئات الدونمات من الجهة الجنوبية الشرقية من أراضي مدينة يطا وأراضي أم الخير، ويعزل التجمعات البدوية في المنطقة ويحرم أصحاب الأراضي من العناية بها والاستفادة منها وزراعتها، وهو مخطط قديم جرى أحياؤه بهدف توسيع مستوطنة “كرمل” وتنظيم الارضي التي يتم الاستيلاء عليها بموجب هذا المخطط المفصل من مبان عامة وفتح شوارع وتسهيل البناء للمستوطنين على حساب الاراضي الخاصة، خاصة في خربة ام الخير وعائلة الهذالين على وجه الخصوص.
ومستوطنة “كرمل” التي ظهرت مطلع ثمانيات القرن الماضي كبؤرة استيطانية صغيرة جدا، تتوسع كل يوم في كل الاتجاهات حتى وصلت المساحة التي تسيطر عليها اليوم حوالي 2000 دونم، يضاف لها أراضي بمساحة تقارب (6000) دونم كمجال حيوي.
وفي الأغوار الشمالية سيجت مجموعة من المستوطنين أراض رعوية في منطقة أبو القندول جنوب عين الحلوة تمهيدا للاستيلاء عليها. في وقت أقام فيه مستوطنون بؤرة استيطانية جديدة، في الجهة الشرقية من سهل البقيعة حيث أقيمت ثلاث حظائر في منطقة “الحنو”، وحولوها إلى بؤرة استيطانية، علما أن المستوطنين كانوا قد أحضروا قبل أسبوع مجموعة من الأبقار إلى المنطقة نفسها كمقدمة للاستيلاء عليها، ومن المتوقع أن تستولي البؤرة الاستيطانية على أراض تقدر بنحو 1800 دونم، علماً أن هذه الأراضي مملوكة لمواطنين من بلدة طمون.
وفي قرية عين البيضا، في الأغوار الشمالية، واصل مستوطنون أعمال حفر وترميم في محيط نبع مياه عين بليبل تمهيدا للاستيلاء عليها، علما أن هذه العين يستخدمها المواطنون لري مزروعاتهم.
وما زالت بلدة حوارة جنوب نابلس هدفا لاعتداءات واستفزات المستوطنين في حماية جيش الاحتلال الذي حول البلدة الى ثكنة عسكرية، فقد افتتح رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة يوسي دغان وعضو الكنيست تسيفي سوكوت، مكتبا لهما في ساحة “عينابوس” قرب حوارة للتعبير حسب زعمهما عن احتجاجهم على عدم تأمين المستوطنين العابرين من المكان.
وأغلقت قوات الاحتلال طرقا ومداخل فرعية في البلدة، كما اعتدى مستوطنون على منازل ومركبات فلسطينية في شوارعها وهاجموا منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم، ما أدى إلى تضرر الممتلكات، وأشعل مستوطنون النار في مركبة “ونش” تابعة لأحد المواطنين، فيما اعتدوا على سيارة إسعاف وهشموا زجاجها.
على صعيد آخر، صادق جيش الاحتلال على طلب منظمة “نخلة” الاستيطانية السماح للمستوطنين بتنظيم أضخم تظاهرة في شمال الضفة الغربية منذ سنوات، وذلك في العاشر من شهر نيسان وستشارك فيها عشرات المنظمات التابعة للمستوطنين، وتنطلق المظاهرة من حاجز زعترة جنوب نابلس باتجاه بؤرة “أفيتار” الاستيطانية المقامة على جبل صبيح في أراضي بلدة بيتا، وسيقوم الجيش بتأمين الحراسة للمسيرة التي تجري بالتزامن مع عيد الفصح اليهودي في العاشر من نيسان القادم، حيث سيشارك فيها كبار حاخامات المستوطنين بالإضافة لوزراء وأعضاء كنيست من اليمين.
وأعلنت عشرات المنظمات اليهودية عن مشاركتها في المسيرة، وسيطالب المشاركون الحكومة الإسرائيلية بالإيفاء بتعهداتها بالسماح للمستوطنين بالعودة إلى بؤرة “أفيتار” وذلك بعد استكمال الإدارة المدنية عملية مسح الأراضي المقامة عليها.
ومع صعود اليمين المتطرف والفاشي الى السلطة في اسرائيل بعد انتخابات الكنيست الاخيرة، بدأت تتبلور مواقف دولية اكثر تقدما في تسليط الضوء على انتهاكات وجرائم الاحتلال ومستوطنيه، ففي ردود الفعل على ممارسات الاحتلال وسياساته ومخططاته ومشاريعه الاستيطانية استعرض مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، أمام مجلس حقوق الإنسان تقريراً حول المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية والجولان السوري المحتل، ذكر فيه أن المستوطنين يعيشون بطريقة غير قانونية في 279 مستوطنة إسرائيلية وبؤرة استيطانية في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك 14 مستوطنة في القدس الشرقية المحتلة وأن 147 من هذه المستوطنات كانت بؤرا استيطانية غير قانونية بموجب القانون المحلي الإسرائيلي.
ووثق التقرير وجود علاقة بين التوسع الاستيطاني وهجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين خلال العقد الماضي، مبينا أن الأمم المتحدة تحققت من 3372 حادث عنف من المستوطنين أدت إلى إصابة 1222 فلسطينيا، وأن إسرائيل أخفقت في التحقيق في جرائم عنف ارتكبها المستوطنون والقوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
كما دعت المسؤولة المعنية بحقوق الإنسان في فلسطين، فرانشيسكا ألباني، المجتمع الدولي إلى محاسبة إسرائيل ومعاقبتها على أفعالها، بحسب بيان صحفي صادر عن الأمم المتحدة، وقالت المسؤولة في بيانها إن “موجة العنف التي اجتاحت الضفة الغربية منذ بداية هذا العام هي النتيجة الحتمية لاحتلال غازٍ وقمعي لا نهاية له في الأفق وثقافة الخروج عن القانون والإفلات من العقاب التي رعتها إسرائيل وتميزت بها”.
كما قال الاتحاد الأوروبي وفق بيان صدر عن مكتب ممثل الاتحاد الأوروبي في فلسطين، إن السلطات الإسرائيلية هدمت 953 منزلا فلسطينيا بالضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية خلال 2022، في أعلى رقم منذ 2016.
وأشار الاتحاد إلى أنه “تم هدم أو الاستيلاء على 953 مبنى في الضفة الغربية بما في ذلك مدينة القدس الشرقية، وهو أعلى رقم مسجل منذ العام 2016 وأن أكثر من 80 بالمئة من المباني التي هُدمت تقع في المنطقة المصنفة (ج)، وتم تهجير وتضرر 28 ألفا و446 نسمة نتيجة لعمليات الهدم، وأن من المباني المهدمة 101 ممولة من الاتحاد الاروبي، كما أن عدد المباني التي تم هدمها من قبل أصحابها في مدينة القدس الشرقية بقرار إسرائيلي قفز من 34 بالمئة العام 2021 إلى 51 بالمئة العام 2022.