أطلقت وكالة بيت مال القدس الشريف، وجامعة القدس، اليوم الثلاثاء، في مدينة رام الله الدورة الأولى من “منتدى الأيام الحرة”، تحت عنوان “القطاعات الاجتماعية والاقتصادية في القدس: رهانات الواقع وشروط التنمية”.
ونظمت الفعالية، في إطار تخليد وكالة بيت مال القدس الشريف لليوبيل الفضي لانطلاقتها، بحضور سفير المملكة المغربية لدى دولة فلسطين عبد الرحيم مزيان، ومفتي القدس والديار الفلسطينية محمد حسين، إلى جانب شخصيات مقدسية سياسية واقتصادية.
وقال، المدير المكلف بتسيير بيت مال القدس الشريف، محمد سالم الشرقاوي، إن الوكالة لا تزال على عهدها في مناصرة أهل القدس ومؤسساتها، حتى اطمأن الناس لالتزامها وتأكدوا من صدقها وحسن طوية القائمين عليها، فأقبلوا على طلب تمويلها، وقدموا لها المشاريع الملموسة والقابلة للتنفيذ في القطاعات الاجتماعية المختلفة، كالصحة والتعليم والإسكان والترميم والثقافة والرياضة والشباب والمرأة والطفولة.
وأضاف، إن التفاف المقدسيين حول المؤسسة وتفهمهم لإكراهاتها، وحمايتهم لها لتبقى مستمرة في دعمها لهم يمثل مصدر فخر واعتزاز، ويزيد من الاجتهاد لتطوير أساليب العلم، وتنويع مصادر التمويل، حتى تتمكن الوكالة من الاستجابة لأكبر قدر من الحاجيات المتزايدة، لا سيما في ظل انحسار التمويل ونضوب بعض منابعه.
وأكد الشرقاوي، أن الإشراف المباشر من ملك المغرب محمد السادس، رئيس لجنة القدس، ومباركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، جعل من وكالة بيت مال القدس الشريف، مرجعا مهما في العمل داخل القدس، بفضل ما راكمته من تجربة وخبرة، وكذا لحرصها الشديد على وضع الآليات الصحيحة التي تؤمن إيصال أموال التبرعات المخصصة للمشاريع إلى مستحقيها.
وذكر أن الوكالة لا تقتطع أية رسوم أو مصاريف من أموال التبرعات الموجهة للمشاريع، لأن ميزانية تسييرها مؤمنة كليا من المملكة المغربية في حدود 1.5 مليون دولار سنويا، بينما تدبر كذلك ميزانية أخرى تتراوح بين 3،4 و 4 مليون دولار للمشاريع، وهي ممولة بنسبة 100٪ من المملكة المغربية في صنف تبرعات الدول، وحوالي 70٪ في صنف تبرعات المؤسسات والأفراد.
وأوضح أن وكالة بيت مال القدس الشريف، نفذت خلال الـ 25سنة الماضية، ما يزيد عن 200 مشروعا كبيرا، وعشرات المشاريع الصغيرة والمتوسط، بميزانية تزيد عن 64 مليون دولار، بمنهجية تأخذ بعين الاعتبار خصوصية القدس وتقاطعاتها، وتقوم على التشاركية وعلى مبدأ التعامل المباشر مع المستفيدين ومع الممولين والمقاولين من دون وساطات، مما مكن من ترشيد الجهود والنفقات، وتقليص هامش المخاطر.
وتابع: “رغم الظروف الصعبة التي تعيشها المدينة المقدسة، استطاعت الوكالة من بناء وترميم وإصلاح وتأهيل 14 مدرسة، من بينها 4 مدارس جديدة، كمدرسة الحسن الثاني في واد الجوز، ومدرسة المسيرة في شعفاط، وتجهيز 6 أقسام استشفائية متطورة في كافة مستشفيات القدس الرئيسية، كما قامت بشراء عدد من العقارات ووقفتها لمنفعة إدارة الأوقاف ومديرية التربية والتعليم، وعملت على ترميم 5 مساجد في البلدة القديمة، ومبنى الزاوية المغربية، ومولت 25 مشروعا لفائدة الجمعيات النسائية، وجهزت 8 نوادٍ ثقافية واجتماعية، وقامت بتأهيل ملعبين رياضيين كبيرين وهما ملعب “صور باهر” و ملعب “سلوان” وتجهيزه بالعشب الاصطناعي، فضلا عن تجهيز 24 نادٍ رياضي.
ونوّه إلى أنه وبتكليف من العاهل المغربي الجلالة، أشرفت الوكالة على إعادة بناء كلية الملك الحسن الثاني للعلوم الزراعية والبيئية التابعة لجامعة الأزهر في بيت حانون بقطاع غزة، بمبلغ 7 مليون دولار أمريكي، بعد تدميرها بالكامل في عدوان الاحتلال عام 2009، وكما تمت إعادة بناء وتجهيز مستشفى القدس في غزة، بتمويل من تبرعات الشعب المغربي.
وحول مشاريع الوكالة التي تتطلب استثمارا سنويا، بيّن المدير المكلف بتسيير بيت مال القدس الشريف، محمد سالم الشرقاوي، أن مشروع “العيش الكريم” الذي توزع الوكالة بمقتضاه 26 ألف رغيف خبز يوميا وصل إلى 3000 عائلة مستورة، ودخل سنته الثانية عشرة ، كما دخل برنامج “كفالة اليتيم المقدسي”، الذي تكفل الوكالة بموجبه 124 يتيما كفالة شاملة عامه الحادي عشر، بينما بلغت دورات المخيم الصيفي الذي تنظمه الوكالة في المغرب كل سنة لفائدة 50 من أطفال القدس، الدورة الثالثة عشرة، وبرنامج المنح الدراسية الذي يتوزع على حوالي 120 منحة لطلاب القدس الشريف، لمتابعة دراستهم العليا في القدس وفي المغرب عامه السادس عشر، فيما تقوم الوكالة برعاية 10 مدراس بتغطية بعض حاجيات التسيير والإدارة، وتفتح إمكانيات للتدريب المهني في المغرب لفائدة طلاب فلسطينيين من القدس.
وأضاف أن الوكالة أطلقت في الأعوام الأخيرة مشروع منصة “الدلالة” للتجارة الاجتماعية والتضامنية، الذي يساعد التجار على تسويق منتوجاتهم عن طريق الانترنيت، وبرنامج المبادرات الأهلية للتنمية البشرية الذي يقدم تمويلات صغيرة ومتوسطة للجمعيات النسائية وللشباب، فضلا عن نادي أطفال من أجل القدس الذي يعنى بأنشطة الطفولة وبالأنشطة اللامنهجية، والمخيمات الصيفية في القدس وفي المغرب لفائدة 3000 مستفيدة ومستفيدا سنويا.
وذكر أن وكالة بيت مال القدس الشريف، أطلقت في العام الماضي جائزة للتميز الصحفي في الإعلام التنموي مع معهد الإعلام العصري التابع لجامعة القدس، وحملت دورتها الأولى اسم الصحفية الشهية شيرين أبو عاقلة، تكريما لها ولزملائها الذين ارتقوا دفاعا عن قيم الحق الحرية والعدالة، وأقرت الوكالة ميدالية سنوية للشجاعة والإقدام، تمنح لصحفيين أو مؤسسات إعلامية لدعم حرية الإعلام والصحافة ذات العلاقة بقضايا القدس وفلسطين.
من جانبه، قال رئيس جامعة القدس عماد أبو كشك، إن منتدى الأيام الحرة الذي تقيمه وكالة بيت مال القدس الشريف بالتعاون والشراكة مع جامعة القدس، يأتي تزامناً مع اليوبيل الفضي لوكالة بيت مال القدس الشريف، وتقديراً لما قدمته هذه الوكالة الرائدة من جهود خيرّة، وعمل صادق وأمين ودؤوب، من أجل القدس وتنميتها وتعزيز صمود أهلها، ومواجهة مخططات التهويد والاقتلاع والمصادرة، وتزوير التاريخ وفرض وقائع جديدة على الأرض، ورواية مزورة يسعى الاحتلال لترويجها وفرضها كرواية تاريخية لتبرير وجوده في فلسطين على حساب أهلها الحقيقيين وأصحاب الحق الوحيدين فيها.
وأكد أن وكالة بيت مال القدس الشريف بدأت عملها في القدس وفلسطين تتحقق من خطواتها، وتستشرف المستقبل بشروطه ومحدداته ورهاناته، لتضع الحلول العملية الواقعية القابلة للتنفيذ في إطار برنامجها للتنمية المستدامة في القدس، القائم على الجمع بين الفعل ورد الفعل، والاستجابة السريعة الفعالة، والبناء التراكمي للإنجازات على أرض الواقع.
وأضاف أبو كشك: “يأتي هذا المنتدى في إطار تخليدنا جميعاً لليوبيل الفضي لوكالة بيت مال القدس الشريف، واعترافاً وتقديراً منا جميعاً، وخاصة في القدس، لما حققته وما زالت تحققه هذه الوكالة من أجل القدس وأهلها وقضيتها، إذ ساهمت بجد وجلد وصبر في عمليات التنمية في القدس وفي كافة المجالات والقطاعات، وفي الحفاظ على الأرث الحضاري والتاريخي والإنساني فيها، وتراثها الفكري والثقافي والمعماري، وآثارها الممتدة في عبق التاريخ، وكان لها الفضل من خلال ما تقيمه من معارض ونشاطات ومؤتمرات وفعاليات في إبقاء قضية القدس على رأس أولويات العمل العربي المشترك والاهتمام الإسلامي والدولي”.
وشدد على ضرورة بذل المزيد من الجهد، والتكاتف والتعاون من جميع المؤسسات الشعبية والرسمية، الحكومية وغير الحكومية، الوطنية والعربية والدولية، لأهميته في النشر والتعريف بالرواية التاريخية الحقيقية الصحيحة للقدس وفلسطين، وكشف وفضح الروايات الكاذبة والمزورة التي يروج لها الاحتلال.
وذكر رئيس جامعة القدس، أن الواقع على الأرض في المدينة المقدسة يزداد صعوبة وتعقيداً، مع سيطرة اليمين الصهيوني الديني المتطرف على كل ما يدبر ويخطط للقدس وأهلها، والأخطار المتزايدة المحدقه بالمدينة المقدسة وأهلها وجوداً وهوية، فضلاً عن ما تشهده المنطقة والساحة العربية والإقليمية والدولية من تحولات متسارعة، تتطلب العمل الدؤوب والتعاون المثمر لوضع رؤية مستقبلية واقعية قابلة للتطبيق، تساهم في تحديد الآليات المطلوبة والضرورية لإطلاق مسار تنموي واقعي مندمج في القدس، يعبر عن احتياجات أهلها وأولوياتها.
وشدد على إن ذلك لن يتأتى إلا من خلال الشراكة الكاملة مع الأهالي في كل ما يخص مسألة التنمية في القدس، وهذا ما شكل نواة مبادرة التعاون البناءة بين جامعة القدس ووكالة بيت مال القدس الشريف، لمحاولة إستشراف المستقبل بشروطه ورهاناته من خلال إطلاق هذا المنتدى ليكون منصة للتفكير والتأمل، خارج الصندوق بعيداً عن المألوف، بحثاً عن حلول خلاقة وإبداعية على أن تكون عملية واقعية قابلة للتنفيذ ومحل إجماع وتوافق من أصحاب الشأن، وهم أهل القدس وجهاتهم التمثيلية من مؤسسات وفعاليات.
وتابع: “ندرك جميعاً أن رهانات التنمية في القدس يحملها أهلها ومؤسساتها، والمطلوب من وكالة بيت مال القدس، والسلطة الفلسطينية، والمؤسسات العربية والإسلامية، ومن يريدون أن يلعبوا دوراً بناءً في القدس من الأصدقاء في المجتمع الدولي، والأحرار في هذا العالم الراغبين في الوقوف مع الحق والحقيقه، في عملية تقديم الدعم والمساعدة والمساندة العملية والفعلية لجعل تلك الرهانات واقعا معاشا”.
بدوره، تحدث عدنان الحسيني رئيس لجنة القدس في منظمة التحرير الفلسطينية، وعضو لجنتها التنفيذية، عن أهمية مدينة القدس المحتلة والتي تستوجب عدم التفريط فيها والحفاظ على هويتها.
وقال:”القدس ليست كبقية المدن، فهذه المدينة مختلفة بتاريخها وثقافتها وبكل ما فيها، ولكن وبكل أسف ابتليت بالاحتلال الجائر الذي يريد أن يغير كل شيء بدءاً بالمصطلحات، وانتهاء بتهجير الفلسطينيين”.
وشدد الحسيني على أن مدينة القدس بحاجة للكثير من العمل الجاد للحفاظ عليها وهذا واجب يقع على عاتق الأمة العربية والإسلامية بأجمعها، بما يتيح تسخير الإمكانيات التي تمكن من مقارعة العدو.
وأضاف: “القدس تحتاج كل الأيادي البيضاء من أجل السعي للحفاظ عليها وعلى شباب المدينة وتلبية احتياجاتهم وتطلعاتهم حتى يبقوا الحصن المنيع لحماية المدينة والوقوف في وجه المحتل وإجراءاته وسياسته”.
وأشار الحسيني إلى أن هذا المنتدى على أهميته، إلا أنه يبقى بحاجة إلى ترجمة مخرجاته بكل جدية، مشيراً إلى أن الرغبة بتغيير الواقع تتطلب وضع آليات تنفيذ تبدأ بالأولويات ومن ثم تطلق نحو الاحتياجات والتطلعات.
وفي كلمته، عبّر سفير المملكة المغربية لدى دولة فلسطين عبد الرحيم مزيان، عن سعادته بحضور الدورة الأولى من منتدى الايام الحرة حول موضوع يتعلق بدعم القدس إلى جانب نخبة من الشخصيات السياسية والاقتصادية والدينية والحقوقية والإعلامية.
وقال إن الحضور يعطي الانطباع بالاهمية التي تحظى بها القدس لدى أتباع الديانات السماوية، والرغبة المشتركة في دعم صمود المدينة المقدسة، لتبقى منارة للسلام والازدهار والتعايش، إلى جانب الإدراك المسبق أن دعم صمود المقدسيين اقتصادياً واجتماعياً يجسد القناعة الراسخة بأن استقرار وأمن مدينة القدس هو استقرار لمنطقة الشرق الاوسط والعالم.
وبيّن السفير المغربي أن بلاده وفي إطار هذه المبادرة ومساندتها لتنظيم هذا المنتدى، تعكس الالتزام المتجدد والثابت في دعم القضية الفلسطينية عموماً وقضية القدس على وجه الخصوص، التي يوليها الملك محمد السادس أهمية قصوى من منطلق الامانة التي يتقلدها بصفته رئيساً للجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي.
وأكد أن المملكة المغربية، ومن خلال بيت مال القدس الشريف، وبإشراف شخصي ومباشر من الملك محمد السادس، تعمل طيلة 25 عاماً على دعم صمود المقدسيين وللتخفيف من وطأة الاحتلال من خلال برامجها ومبادراتها التي تستهدف بالخصوص دعم الحقوق العربية والإسلامية في المدينة المقدسة، ودعم تمويل عدة مشاريع في قطاعات الصحة والتعليم والإسكان، والحفاظ على الوجه الديني والحضاري للمدينة المقدسة.
وذكر السفير عبد الرحيم مزيان، أن الكل يجمع على أن عقد هذه المبادرة يأتي في ظروف صعبة وغير مسبوقة تمر بها القضية الفلسطينية وقضية القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك.
وأشار إلى أن الواقع الصعب للقدس لا يمكن قراءته بمعزل عن سياقه العام المرتبط بمسار القضية الفلسطينية، فتوقف المفاوضات واستمرار حالة التعنت والجمود في العملية السلمية يمنح الفرصة للجهات المتطرفة لتأجيج الصراع وزيادة الاحتقان والتوتر في مدينة القدس، بما ينذر بتحول النزاع من صراع سياسي إلى صراع عقائدي قد تكون له عواقب وخيمة.
وشهد منتدى الأيام الحرة، توقيع اتفاقية شراكة بين بيت مال القدس الشريف وجامعة القدس، لتطوير منظومة بيت المال للتعليم والتدريب، والتي تعنى في مرحلتها الأولى بالحرف المرتبطة بالأخصائيين النفسانيين، للتكفل بالحالات الأولية لأشخاص في وضعية اضطراب نفسي، والبيئة والتوازن الطبيعي وتدوير النفايات، والتسويق الرقمي لمنتجات التجار والجمعيات.