وسط مشاعر الحزن والألم التي عاشتها محافظة جنين وهي تستقبل شهر رمضان المبارك، بوداع 35 شهيدًا وعشرات الجرحي وأضعافهم من المعتقلين، لا زالت تحاول المكلومة بشكل حثيث استعادة أجواء الحياة الطبيعية خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتدهور الأوضاع المعيشية لغالبية شرائح المجتمع.
منذ بداية شهر الصيام، تبدو الصورة مؤلمة وصعبة في منازل أسر الشهداء الذين ارتقوا مؤخرًا، وبحزن وألم، قالت والدة الشهيد جميل العموري من مخيم جنين “كيف نفرح في رمضان، وأغلى الأحبة حرمنا الاحتلال منهم، في اليوم الأول بكينا جميعًا ولم نتمكن من تناول مائدة الافطار، لم ولن استوعب حياتي دون حبيب قلبي وعمري جميل الذي قتلوه بدم بارد”.
أما الشاعرة إسراء عبوشي، فقالت لـ “القدس” دوت كوم: “للأسف أصبحت تسيطر أجواء مؤلمة وصعبة في رمضان الحالي، وأمام ظلم وغطرسة الاحتلال وجرائمه، أصبح للبيت الجنيني طقوسه الخاصة لاستقبال الشهر الفضيل، حيث هناك كرسي ناقص على سفرة بيوتنا .. هذا الفراغ موحش، فرغم الحالة الاقتصادية الصعبة، ورغم ترقب الاقتحامات المتكررة، حيث لا يمر أسبوع نعيشه بشكل هادئ، ورغم الخراب في المسيرة التعليمية وانعدام الأمن والقانون، إلا أن الطابع الطاغي على شهر رمضان هذا العام رحيل خيرة شبابه”.
ويؤكد الأهالي في أحاديث لـ “القدس” دوت كوم، خلال جولتها في شوارع جنين، اختلاف الظروف والأوضاع، ويقول الباحث التاريخي مفيد جلغوم، “كنا نستقبل شهر رمضان في كل عام، بفرحة وبهجة واستعدادات كثيرة، لكن الوضع مختلف لهذا العام عن السنوات السابقة، لأسباب عدة، أهمها الاحتلال وما يرتكبه جيشه ومستوطنيه وقواته الخاصة من اقتحامات لمناطق الضفة الغربية، وما نتج عن ذلك من ارتفاع كبير في عدد الشهداء والجرحى والاعتداءات على الممتلكات للمواطنين الفلسطينيين، مما جعل بهجة الاحتفال بقدوم رمضان أمراً بعيد المنال”.
وأضاف: ” كذلك الضائقة المالية التي تمر بها السلطة الوطنية، منذ أكثر من عام وما ترتب عن ذلك من عدم المقدرة على صرف راتب كامل للموظفين منذ عدة أشهر، الأمر الذي ألقى ظلاله على القدرة الشرائية للمواطن الفلسطيني العادي الذي اعتاد أن يزين بيته بأنواع متعددة من الزينة وكذلك التجهيزات الأخرى وخاصة المأكولات”.
قبل شهر رمضان، كانت الأسعار طبيعية، لكن سرعان ما تغيرت وارتفعت بشكل خيالي، كما في قطاع اللحوم التي تعتبر من أهم تجهيزات موائد الافطار، لكن التاجر تامر ناجي من مدينة جنين، والذي يعمل مع والده الذي يملك ملحمة الأقصى، أوضح أن سبب الارتفاع من مصادر الاستيراد والتوزيع، بعد أن ارتفعت أسعار العجول والماشية ولا يملك الموزع أي قدرة على السعر، ورغم ذلك، وتقديرًا لأوضاع المواطنين قمنا ببيع كيلو لحم العجل بـ 54 شيكلا، ويجب التخفيف على المواطنين حتى يتسنى للجميع شراء احتياجاتهم الأساسية، فنحن نواجه ضغوطًا اقتصادية وسياسية كبيرة ونتمنى أن تحل جميع المشاكل وأن يحل علينا رمضان بخير”. كما قال.
ويؤكد ذلك صاحب ملحمة المجد كمال زيدان، موضحاً أن الموزعين ليس لهم علاقة بالارتفاع، وقال: “الشركات والجهات المستوردة والموزعين هم الذين يتحكمون بالأسعار التي ارتفعت مع حلول الشهر المبارك”.
وطال الغلاءـ أسعار الدجاج التي قفز سعرها بشكل سريع، إلى جانب مواد أخرى مثل الأرز والطحين والزيت وغيرها، وقال صاحب مزرعة الدجاج باسل مرعي: “استمرينا في البيع بنفس الأسعار العادية حتى نفقت الكميات، وسرعان ما ارتفعت من مصادر التوريد، وهذا اثر على معدلات البيع ودفع المواطنين لشراء لحوم الحبش وغيرها، رغم أنها ارتفعت أيضًا”.
وطال الارتفاع كافة اصناف الخضار والفواكه، وقالت المواطنة لطيفة حسين: “الـسعار غالية جداً، ولا يمكنني شراء سوى القليل القليل من احتياجاتنا، وهذا ظلم كبير علينا، ومن اليوم الأول لا يمكنني سوى شراء الاحتياجات الرئيسية”.
وتضيف المواطنة التي تعيل أسرة مكونة من 7 أفراد، “لم نتجهز لرمضان كباقي الأعوام نحن والكثير من الناس، فلا يوجد سيولة والأيدي العاملة ليس لها عمل، وكل أصناف الخضار غالية”.
أما المواطنة أسماء طاهر، فقالت: “حتى الاشياء الضرورية لرمضان، لا يمكنني شراءها بسبب الغلاء الفاحش الذي يشمل كل شيء، ولدينا أسرة مكونة من 5 أفراد، بينهم طفل مريض، وزوجي عاطل عن العمل منذ شهور، ولا أعرف كيف سأتدبر أمور عائلتي”.