بقلم: الاستاذ ميخائيل رشماوي
لا شكّ أنّ الشّرق العربي كان مهدًا لحضاراتٍ سادت ثمّ بادت، ولا يزال المنقبّون حتّى هذه الأيّام يذهلوننا بما يعثرون عليه تحت أراضينا من آثارٍ قديمةٍ تبرز عظمة هذا الشّرق لأقوامٍ شتّى سومريّةٍ ، أكديّةٍ، كنعانيّة ، آراميّةٍ إلخ إلخ ، وامتدادًا لهذه الحضارات نهضت ثورةٌ علميّة ٌ ثقافيّةٌ في شتّى بقاع الوطن العربي في مواضيع كثيرة الكيمياء الفيزياء ، الطّب ،الرّياضيات ، الفلك وعلم النّجوم ، الكون وما يحويه من أسرار ، فهل ننسى الكندي والفارابي ، وابن سينا ؟ وهل ننسى إخوان الصّفا ؟والمعتزلة ؟ وما طرحوا من أفكارٍ نيّرةٍ ؟ وغزا الشّرق الغرب بفتوحاتٍ عسكريّةٍ شملت العديد من دول العالم في أوروبا وآسيا ، وكان هو القوّة الوحيدة المهيمنة في فتراتٍ معيّنة عظمة الشّرق وحضارته كانت باديةً وظاهرةً لكل الأقوام والشّعوب في بقاع الأرض الواسعة ، واستمدّ منها الغرب كل ما يحتاجون إليه ، ولكن لم يكتفِ بما أخذه بل طوّره وزاد عليه ، وانبثقت ثقافةٌ غربيّة زادت تقدّمًا يومًا بعد يوم ، وعلمًا ناطح السّحاب ، وغزا النجوم والفضاء، ونزل إلى قيعان البحار ،وبنى السّفن والطائرات الحديثة والأقمار الاصطناعيّة التي استكشفت الفضاء ؟ ثورةٌ علميّة رائعةٌ بُنيت على حضارتنا وثقافتنا ، وبقي الشّرق مستكفيًا ومقتنعًا بما وصل له من قبل ، لا بل مزهوًّا بمجده وحضارته ، الغرب يسير بسرعةٍ إلى الأمام ، والشّرق يسابق الزّمن لا إلى الأمام بل للوراء .
عجبًا ما يحصل وما أرى ، لماذا بقينا متأخّرين عن غيرنا؟ لماذا لم يكن الإرث الّذي ورثناه حافزًا ودافعًا إلى نهضةٍ شاملةٍ وقفزةٍ رائعة إلى كلِّ جديد وكلِّ ما هو مثير؟ لماذا صرنا نستجدي الغرب وخاصّةً الولايات المتحدة المناصرة لإسرائيل قلبًا وقالبًا لحل قضايانا ؟ لماذا صرنا نلهث وراء سراب؟ لماذا اكتفينا بالشّجب والاستنكار لما يجري من حمّامات دم على أرض فلسطين الطّهور ؟ ولماذا صرنا في تصريحاتنا نقول: نحمّل إسرائيل بما يجري من انتهاكات وقتل وتدمير ؟ لماذا كما قال أحدهم : “لماذا لا نحمّل الدّول العربيّة النّائمة ما يحلُّ بالشّعب الفلسطيني ، وقضيّته العادلة التي لا تحتاج إلّا إلى رص الصّفوف وتجسيد دولة عربيّة قويّة تفرض كلمتها على الغاصبين لحقوقنا وعلى أسيادهم في الغرب ” .
أسئلة تؤرّقني وتثير السّخط في نفسي على كلِّ ما يجري من حولنا ويحضرني قول الشّاعر محمود حسن إسماعيل :
يا سماء الشرق طوفي بالضياء
وانشري شمسَك في كل سماء
ذكّريه واذكري أيامه بهدى الحق ونور الأنبياءِ
كانت الدنيا ظلامًا حوله وهو يهدي بخطاه الحائرينا
أرضُه لم تعرف القيد ولا خفضت إلا لبارئها الجبينا
كيف يمشي في ثراها غاصبٌ يملأ الأفقَ جراحا وأنينا
كيف من جناتها يجني المنى ونُرى في ظلِّها كالغرباءِ
يا سماء الشرق طوفي بالضياءِ
وانشري شمسَك في كل سماءِ
ذكّريه واذكري أيامه بهدى الحق ونورِ الأنبياءِ.
هي دعوة نابعة من القلب : يا سماء الشّرق طوفي بالضياء واجعلي شمسكِ تنتشر في كلِّ سماء ، فأرضُك لم تعرف القيد ولا خفضت إلّا لبارئها الجبين .