الكاتب: أكرم عطالله
تمعن إسرائيل أكثر في مسار الجنون الذي تسير به بلا كوابح، ومع كل خطوة تتقدم بها تزيل قناعا جديدا كان يغطي ويخفي الوجه الاحتلالي. كانت مؤسساتها تدير هذا التستر بكفاءة شديدة، الجهاز الحكومي والجهاز الدبلوماسي والجهاز القضائي الذي عمل لعقود طويلة منذ إقامة الدولة كماكنة غسيل للجرائم يتم ضربه على رأسه، وها هي الآن تتعرى أكثر فلا يمكن لها أن تدعي أنها دولة ديمقراطية أو دولة قانون.
أعضاء الائتلاف الذين يساهمون بجدارة في إزالة القناع يضغطون بشدة على دواسة الوقود، ويقدمون كل يوم في الكنيست اقتراحا أو مشروع قانون يسابقون الزمن غير آبهين بالعالم ولا تستوقفهم اندهاشاته مما يفعلونه، بل وأيضا ينظرون للعالم باحتقار شديد مندهشين من رأيه الذي يعتبرون تعليقاته تدخلا فجا في شؤونهم ويحاول منعهم من إعادة تركيب دولتهم وفقا للشريعة، وبعد قليل سيقولون إنه «يستهدف ديننا ويتآمر عليه» .. وهذا جيد.
وبعد قانون سحب المواطنة والإبعاد ها هي تمرر القراءة التمهيدية لقانون الإعدام للأسرى والذي كان زعيم حزب القوة اليهودية إيتمار بن غفير قد تعهد به في حملته الانتخابية.
ومن يراقب مشهد الائتلاف يعرف أن بن غفير نفذ كل ما وعد في الحملة، وتلك سابقة لم يحققها حتى الأحزاب المركزية التي تراجعت عن شعاراتها من أجل الشراكة لكن بن غفير لا يفهم ذلك مثل شريكه سموتريتش فكل ما يعرفه هذا الثنائي أن نتنياهو وقع أسيرا بين أيديهم ولا خيار له سوى الاستسلام لرغباتهم.
لن يغير قانون إعدام الأسرى كثيرا من سلوك الفلسطينيين في كفاحهم المستمر ضد الاحتلال، فإسرائيل لم تكن رحيمة معهم ولم تكن متواضعة في الإعدامات ولكن الفرق أنها تتم خارج القانون وآخرها إعدام أحد عشر فلسطينيا في نابلس قبل أسبوع، ومنها يمكن أن نتوقف أمام تاريخ طويل من الإعدامات في الحروب وغير الحروب، وذات مرة أعدمت إياد الحلاق المريض بالتوحد والمثير في الأمر أن القضاء الذي يستهدفه الائتلاف كان يعمل غطاء لتلك الإعدامات الميدانية والتي لم تتوقف بلا محاكمات.
ألغت إسرائيل قانون الإعدام منذ تأسيسها راغبة بأن تكون ضمن الديمقراطيات التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ولتظهر بمشهد حضاري كدولة حقوق إنسان، ولكن السبب الرئيس للإلغاء هو سيادة الرأي الذي يعتبر أن بقاء القانون قد يزيد من عناد الفلسطيني الذي يعرف أن مصيره سيكون الإعدام سيكون انتحاريا في سلوكه تجاه أعدائه طالما يعرف النهاية لكن الأمل بالنجاة هو ما يدفع بالمقاتلين لإبقاء خط رجعة، فإسرائيل القديمة كانت تخضع كل شيء للدراسة والعقل.
لم تكن هذه أول مرة يناقش فيها قانون إعدام الأسرى، فقد سبق لليبرمان الذي يجلس الآن في مقاعد المعارضة أن أعلن قبل أكثر من خمس سنوات رغبته بسن قانون الإعدام بل ودفع بأحد أعضائه للتقدم بالمشروع للكنيست، لكن المشروع سقط فلم يصوت حزب الليكود الذي كان حينها يقود الائتلاف على المشروع لكن الليكود ورئيسه ينجران الآن من عنقيهما إلى حيث التوقيع على تتويج مصداقية بن غفير أمام ناخبيه.
لم يأخذ الحزب الصغير الذي تقدم بالمشروع بالاعتبار أن القانون يحمل كل هذا القدر من العنصرية الفاضحة أمام العالم حيث يقرر فقط إعدام الفلسطينيين الذين يقومون بقتل اليهودي، فلماذا يأبه بن غفير أصلا بكل هذا وهو يعرف أن كل المنظومة الغربية ومع الزمن لم تكن تساوي أكثر من جناح بعوضة أمام سلوك إسرائيل على امتداد أكثر من نصف قرن تواجدت فيها في مناطق 76 وقبلها بمذابح النكبة ، تمارس فيه كل ما هو منافٍ للقوانين الدولية، الإنسانية منها وغير الإنسانية المتعلقة بالحرب أو بالسلم، التجربة التاريخية تقنع متطرفي الحكومة بالتعاطي باستخفاف ومن حقهم أن يسخروا ممن يحذرهم من هذا العالم.
من قال إن إسرائيل لا تعدم الأسرى ؟ ذات مرة قام أحد الجنود بإعدام ليس فقط أسير بل أسير وجريح أيضا هو عبد الفتاح الشريف فيما تنص القوانين الإنسانية على ضرورة إسعافه لكن الجندي قتله.
ممكن أن يقال إن هذا كان سلوكا فرديا لكن المسألة ليست هنا بل كان الأخطر عندما تم إيقاف الجندي هو قيام رئيس الوزراء نتنياهو بمهاتفة أهل الجندي لإبداء التضامن أما المحكمة والقانون فقد أصيبا بالعمى فجأة، تلك أمثلة فقط على فعل يومي وثقافة، إسرائيل تسخر من نفسها عندما تشرعن ما كانت تمارسه يوميا.
الجديد في إسرائيل كانت تحسب جيدا قبل كل قرار وقبل كل إجراء وقبل كل قانون، كان يتم فحص الأمر من قبل الخبراء قبل أي خطوة أصبحت تدير سياستها ارتباطا بالشعارات الغوغائية الانتخابية وبشعبوية متخلفة تحطم كل تقاليدها التي قادتها لعقود طويلة، أما الآن فهي تغادر العقل بل تستهدفه كما يحدث في الدول العربية.
صحيح أن الأمر يمس الفلسطينيين الذين لن يكون الفرق كثيراً بالنسبة لهم احتلال مغطى أو مكشوف إعدام بالقانون أو خارج القانون، لكن الصدع الداخلي هو مشهد إسرائيل الجديد الذي سيعتاد عليه الإسرائيليون وهذا سيأتي في مقال لاحق.