فور انتهاء قمة العقبة الأمنية، فقد شهدت الحلبة السياسية والحزبية الإسرائيلية تباينات متصاعدة حول نتائجها، بين من دعا للالتزام بها لحماية أمن المستوطنين وملاحقة المقاومة، ومن رفض النصوص الواردة فيها لتجميد الاستيطان، ما يزيد من حدة الخلافات الإسرائيلية الداخلية، ويفسح المجال لمزيد من تضارب الصلاحيات بين وزراء حكومة الاحتلال.
إيتمار آيخنر المراسل السياسي لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، أكد “أن الوفد الإسرائيلي المشارك في قمة العقبة قوبل بدعوات من قبل أعضاء في الحكومة بالعودة من العقبة إلى تل أبيب عقب وقوع عملية حوارة الفدائية، والمطالبة بعقد اجتماع فوري للحكومة، عقب كشف مسؤول أمريكي أن القمة أكدت على أن إسرائيل لن تتخذ خطوات أحادية الجانب تتعلق بالمستوطنات، مقابل عدم تحرك السلطة الفلسطينية ضدها في الأمم المتحدة، وتعمل على تهدئة الضفة الغربية”.
وأضاف في تقرير أن وزير المالية رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش “دعا رئيس الوزراء لإعادة الوفد من العقبة فورا”، المكون من رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، ورئيس جهاز الأمن العام- الشاباك رونين بار، ومنسق عمليات الحكومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة غسان عليان، ومدير عام وزارة الخارجية رونين ليفي.. وزعمت الوزيرة أوريت ستروك أنه “لا مكان للقمة مع من يدفع أموالا لقتلة اليهود، لأنه بعد ثلاثين عاما من اتفاقية أوسلو يجب أن نفهم أن السلطة الفلسطينية هي المشكلة، وليست الحل، وسنجري الاستعدادات لشهر رمضان بأنفسنا دون مساعدة منها”.
عيناف حلاوي مراسل صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أكد أن “البيان المشترك والمتفق عليه في ختام قمة العقبة الأمنية، الذي أكد بموجبه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي التزامهما بجميع الاتفاقات السابقة، وبالوضع الراهن في القدس المحتلة، وعدم مناقشة المزيد من البناء الاستيطاني لأربعة أشهر، لم يؤكده مسؤول سياسي في إسرائيل، لكنه صرح بأنه تم الاتفاق على دراسة تجديد التنسيق الأمني، ومن المتوقع عقد اجتماع آخر في شهر آذار/ مارس في شرم الشيخ”.
وأضاف في تقرير أن “سموتريتش أكد أنه ليس لديه فكرة عن ما تحدثوا عنه، أو ما لم يتحدثوا عنه في الأردن، وقد سمعت عن هذا المؤتمر غير الضروري من وسائل الإعلام مثل الآخرين، لكن شيئا واحدا أعرفه أنه لن يكون هناك تجميد للبناء في المستوطنات، ولا حتى ليوم واحد، لأن هذا من اختصاصي”، فيما زعم وزير الأمن القومي ورئيس حزب العصبة اليهودية إيتمار بن غفير أن “ما حدث في الأردن، سيبقى في الأردن”.
وأشار إلى أن “البيان الأردني أشار إلى تعهد الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بصياغة إجراءات لبناء الثقة، وحل المشاكل القائمة “بحسن نية”، ومنع التصعيد في المنطقة، ووقف العنف، وأن يعقدا اجتماعاً آخر قبل رمضان برعاية مصرية لبحث تقدم المحور الأمني، وتشكيل لجنة مدنية مشتركة لتعزيز تدابير بناء الثقة الاقتصادية، فيما أكد الوفد الإسرائيلي أنه لن يكون هناك تغيير في قرار شرعنة تسع مستوطنات، وبناء 9500 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، وقال مسؤولون إسرائيليون إن جميع مطالب الفلسطينيين رُفضت، خاصة وقف دخول الجيش لمناطق (أ) الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية”.
وأوضح أن “الطرفين ناقشا الموافقة على إدخال أسلحة ووسائل حربية جديدة لاستخدام الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وإنهاء العقوبات الإسرائيلية على السلطة الفلسطينية”.
حركة “السلام الآن” الإسرائيلية رحبت بنتائج قمة العقبة، “وطالبت الرئيس بايدن بأن يطالب بإخلاء جميع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لأنها أقيمت في مخالفة للقانون الدولي، وتضطهد الشعب الفلسطيني، وتسلب أراضيه”.
يوفال كارني مراسل صحيفة “يديعوت أحرونوت”، نقل عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه “على عكس التصريحات الصادرة، فسوف يستمر البناء الاستيطاني في الضفة الغربية وفقًا لجدول التخطيط والبناء الأصلي دون تغييرات، لا يوجد، ولن يكون هناك أي تجميد”، أما وزير النقب والجليل يتسحاق فاسرلاف من حزب العصبة اليهودية، فزعم أنه “إذا عقد شخص ما مؤتمرا في الأردن دون إشراك الحكومة، فلا يجب أن يتوقعوا دعم الحكومة لنتائجه”.
وأضاف في تقرير” أن يائير لابيد زعيم المعارضة ورئيس حزب “يوجد مستقبل”، رد على مواقف الائتلاف الرافضة لنتائج قمة العقبة بالقول إنه “من المستحيل لإسرائيل أن ترسل وفدًا رسميًا على أعلى مستوى لمؤتمر برعاية أمريكية، والتوصل لاتفاقات، ثم يغرّد كبار الوزراء ضد أنفسهم، هذه ليست حكومة، هذه فوضى خطيرة”، فيما أعلن عضو الكنيست داني دانون من حزب الليكود أن “الحكومة تكرّم المسلحين الفلسطينيين، وتتفق مع السلطة الفلسطينية على تجميد البناء الاستيطاني، وإلحاق الضرر بالمستوطنات، هذا عار”.
ونقل عن وزير القضاء السابق جدعون ساعر من المعسكر الوطني، أنه “بعد ظهور مواقف الوزراء الرافضين لنتائج قمة العقبة فمن الواضح أننا إما أننا أمام فوضى تامة، أو أن سموتريتش ليس له سلطة”، أما عضو الكنيست عوديد فورير من حزب “إسرائيل بيتنا” فأكد أنه “في اليوم الذي يقتل فيه اثنان من المستوطنين في هجوم مسلح، تتوصل حكومة اليمين لاتفاقات بشأن وقف الاستيطان، والنتيجة أنه لا يوجد أمن، لا يوجد حكم”.
في الوقت الذي يسارع فيه جنود الاحتلال ووزراء حكومة اليمين لحماية المستوطنين من أي عمليات فدائية فلسطينية، فقد أفسحوا المجال لهم لارتكاب المزيد من الجرائم والإرهاب ضد الفلسطينيين من بلدة حوارة بمدينة نابلس، وشمل ذلك إطلاق النار عليهم، وإحراق منازلهم ومركباتهم ومزارعهم، بل إن هذه الانتهاكات حظيت بتأييد واسع في صفوف الائتلاف اليميني الحاكم، فيما يزعم جيش الاحتلال أنه فقد السيطرة على الأوضاع في تبرير غير مقنع لاستمرار إرهاب المستوطنين.صحيفة يديعوت أحرونوت استعرضت جملة من ردود فعل قادة اليمين الفاشي التي عبرت عن مساندة الإرهابيين المستوطنين في عملياتهم الهمجية ضد الفلسطينيين، وأكدت أن “وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي ما زال يلتزم الصمت إزاء هذه الجرائم، رغم أن لديه صلاحيات واسعة من خلال جهاز حرس الحدود العامل في المستوطنات، وكان بإمكانه استخدامها لوقف أعمال الشغب التي يمارسها المستوطنون، ورغم أنه أدان عملية حوارة الفدائية، لكنه رفض إدانة، أو حتى توجيه دعوة لتهدئة الأوضاع بعد جرائم المستوطنين”.
وأضافت في تقرير أن “الأمر لم يتوقف عند الصمت المعبّر عن الرضا عن جرائم المستوطنين، بل إن وزراء وأعضاء الكنيست من اليمين صعدوا إلى البؤرة الاستيطانية أفيتار غير الشرعية مع مئات المستوطنين، فيما زعم الجنرال تسفيكا فوغل عضو الكنيست من حزب العصبة اليهودية التي يترأسها بن غفير أن إغلاق حوارة وإحراقها، هو بالضبط ما أريد أن أراه، بزعم أنها الطريقة الوحيدة لتحقيق الردع”.
ونقلت عن “ديفيد بن تسيون نائب رئيس مجلس السامرة الاستيطاني أن قرية حوارة يجب أن تُمحى اليوم، لأن الردع الذي فقدناه يحتاج لاستعادة فورية، ولا مجال للرحمة، وإن الاعتقاد بأن اليهودي في الضفة الغربية سيتلقى طعنة في القلب، ثم يقول بأدب شكرا لك، هو سذاجة طفولية، الدم يغلي، والآن ليس الوقت المناسب لمزيد من الكلمات”، فيما وضع وزير المالية بيتسلئيل سموتريتش زعيم حزب الصهيونية الدينية “إعجابا” على هذه التغريدة الدموية على تويتر.
موران أزولاي مراسلة الشؤون الحزبية في صحيفة يديعوت أحرونوت، نقلت عن عضو الكنيست ليمور سون هار-مليخ من حزب بن غفير، أنها تؤيد “صرخة” عادلة لمئات المستوطنين الذين خرجوا للاحتجاج والمطالبة بالأمن، بعد عدة أشهر من التخلي عنهم، زاعمة أنها صرخت وتوسلت وحذرت من تدهور الأوضاع، لكن الأسوأ حدث من خلال عملية حوارة، هذا ليس وقت الشعارات، ولا الوعود الفارغة، المطلوب تغيير السياسة 180 درجة، ووضع حد لسياسة الاحتواء، والقضاء على العمليات المسلحة حتى آخرها”.
وأضافت في تقرير أن “عضو الكنيست نسيم فاتوري من حزب الليكود الذي يقوده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو زعم أنه يتفهم نفاد صبر المستوطنين وألمهم، ويجب على إسرائيل القوية أن تتصرف بقبضة من حديد”، فيما وصف رئيس المعسكر الوطني وزير الحرب السابق بيني غانتس، صمت سموتريتش وبن غفير عن جرائم المستوطنين بـ”المخزي والخطير، هذا الورم الخبيث الذي يمثلونه يهدد الدولة، ويجب أن يتوقف في أسرع وقت قبل أن يقودنا للدمار حتى النخاع”.
صحيفة يديعوت أحرونوت نقلت في تقرير عن دانييلا فايس الناشطة اليمينية ورئيسة حركة نحالا الاستيطانية رفضها “إدانة إحراق المنازل والسيارات في بلدة حوارة، بزعم أننا نحمي أرواح اليهود، ليس لدي ولا كلمة واحدة أقولها للمستوطنين الذين دخلوا البلدة، وأحرقوا المنازل والسيارات، لماذا سأدعوهم للتوقف عما يقومون به، هناك العديد من العائلات اليهودية لديها أسلحة، ولسنا بحاجة للجيش هنا للقبض على المسلحين، يمكننا كمستوطنين الاعتناء بأنفسنا”.
ويكشف إرهاب المستوطنين في بلدة حوارة عن ما تمثله لهم حكومة اليمين الفاشي من غطاء سياسي وأمني، حيث سجّلوا رقمًا قياسيًّا في اعتداءاتهم وجرائمهم ضد الفلسطينيين، بدءًا باستهداف حظائر المواشي وإحراق المزارع، مرورًا بإعلان مزيد من إقامة البؤر الاستيطانية في قلب الأراضي الفلسطينية المحتلة، وانتهاء بإطلاق النار على الفلسطينيين، وبحماية قوات الاحتلال، وعلى مرأى ومسمع منها، ما شكّل تصعيدًا في عنفهم وجرائمهم، محاطًا برعاية رسمية حكومية، ببساطة لأن جزءًا كبيرًا من وزراء الحكومة هم مستوطنون.