هناك في حارة الحبلة بالبلدة القديمة من نابلس، وفي عملية تشبه كثيرا نظيرتها التي وقعت قبل أكثر من 6 أشهر، أعادت قوات الاحتلال الإسرائيلي الكرة ثانية واغتالت الشهيدين حسام اسليم (24 عاما) ومحمد الجنيدي (23 عاما) أبرز المطلوبين للاحتلال شمال الضفة الغربية.
وتشابه حدث اغتيال اسليم والجنيدي مع عملية اغتيال رفيقهما الراحل إبراهيم النابلسي، في المكان والزمان وآلية الاغتيال، وهول المشهد الذي وصف بأنه الأعنف منذ أن بدأت إسرائيل ملاحقة مجموعة “عرين الأسود”، لا سيما الشهداء محمد العزيزي (أبو صالح) مؤسس العرين، ورفيقاه عبد الرحمن صبح ومحمد حرز الله، ليلحق بهم بعد فترة قصيرة الشهيدان تامر الكيلاني ووديع الحوح.
جاء حادث اليوم الأربعاء بعدما اغتالت وحدات من القوات الخاصة بالجيش الإسرائيلي الشهيدين سليم والجنيدي بعد أن حاصرتهما لساعات وأمطرتهما بوابل من الرصاص والقذائف الصاروخية.
وأسفر الاقتحام الإسرائيلي عن استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة أكثر من 100 آخرين بالرصاص، وإصابة 250 بحالة اختناق، في حين أعلنت سرايا القدس استشهاد قائد كتيبة نابلس.
رفض الاستسلام
منذ اللحظة الأولى لم يبد الشهيدان نية للاستسلام، وأكدا ذلك في رسالة صوتية لهما تناقلتها مواقع التواصل، في صورة تشبه أيضا تلك الرسالة التي بعثها الشهيد إبراهيم النابلسي قبيل استشهاده بلحظات.
وقال الشهيدان في رسالتهما إن قوات الاحتلال تحاصرهما وإنهما لن يستسلما، وأنهما لا يسامحان من خذلهما ونقض عهد المقاومة، وقال سليم: “بحب أمي، ما تتركوا البارودة من بعدي، وما تنسوا الوديع والنابلسي”، ثم أردف الجنيدي “قولوا لأمي إني نلت ما طلبت، الشهادة، ارفعوا رؤوسكم بنا”.
ومرارا أعلن الشهيدان أنهما ينتميان “لعرين الأسود” عبر صفحاتهما على مواقع التواصل، وأكدا خوضهما وغيرهما من المقاومين اشتباكات مسلحة مع جيش الاحتلال، الذي نجحوا في استدراجه في أكثر من مرة واستهدافه بعمليات إطلاق نار.
واتهم الاحتلال الإسرائيلي الشهيد حسام اسليم بالوقوف ومقاومين آخرين -أسامة الطويل وكمال جوري- خلف عملية قتل الجندي الإسرائيلي عيدو باروخ قرب مستوطنة “شافي شمرون” شمال غرب نابلس، بعد إطلاق النار عليه من سيارة مسرعة، وذلك في 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ولد حسام بسام بشير سليم (24 عاما) بمدينة نابلس، ونشأ وتعلم في مدارسها التي غادرها قبل إنهاء الثانوية العامة للعمل في عدة مهن، ليساهم في إعالة أسرته التي يعد أكبر أفرادها.
وبدأ الاحتلال بمطاردته علنا عقب عملية “شافي شمرون”، واقتحم منزله وأجرى تحقيقا ميدانيا مع ذويه وسط حالة من التهديد والوعيد، إذا لم يقم بتسليم نفسه. وزيادة في الضغط اعتقل الاحتلال الإسرائيلي شقيقه الأصغر منذ بضعة أسابيع.
يقول سامي سليم عم الشهيد حسام “إنها (أي فترة مطاردته) لم تكن سهلة بل حملت في ثناياها كل معاني الخوف والترقب لمشهد ينتظره الجميع”.
محمد الجنيدي
أما الجنيدي فتتهمه إسرائيل بالانتماء لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وبتنفيذ أكثر من عملية ضد جنودها والمستوطنين، وبدأت مطاردته قبل نحو 8 أشهر.
محمد عمر أبو بكر الجنيدي (23 عاما) فهو من مواليد الأردن، وجاء رفقة أمه وإخوته إلى مدينة نابلس قبل أكثر من 3 سنوات، ولم يكمل تعليمه الثانوي والجامعي، فالتحق بسوق العمل مبكرا.
وهو بين أهله محبوب “وحنون جدا” بحسب خالته أم نعمان، واصفة مشهد اغتياله بالصعب على عائلته وأمه تحديدا التي عاشت معاناة مركبة بسبب مطاردته وإصابته واعتقال شقيقه.
والشهيد الجنيدي هو الابن الثاني من بين شقيقيه الذكور، وهم: جُنيَّد الذي يعتقله الاحتلال منذ 4 أشهر، فضلا عن مهدي و3 شقيقات.
وسبق أن اعتقل الاحتلال الإسرائيلي الجنيدي مرتين، وقضى بموجبهما 6 أشهر في سجونه، قبل أن يطارده مؤخرا، كما أصيب 3 مرات خلال اشتباكات مع جيش الاحتلال وقواته الخاصة، كان أخطرها في سبتمبر/ أيلول الماضي بعد أن تعرض ومقاوم آخر لكمين نصبه جيش الاحتلال بمنطقة شارع التعاون بالجبل الجنوبي بمدينة نابلس.
صلف الاحتلال ووحدة المقاومة
وأثناء تنفيذه عملية استهداف المقاومين، قتل 8 مواطنين آخرين بينهم مسنين وطفل، وكان الحاج عدنان سبع بعارة (72 عاما) من الشهداء الذين ارتقوا.
وبعارة هو أب لـ 4 أبناء (ذكر و3 إناث) وكان بطريقه إلى تفقد ابنه بالقرب من متجره في منطقة السوق الشرقي، حيث كانت تدور الاشتباكات بين المقاومين وجنود الاحتلال.
و يقول أمين بعارة -ابن عم الحاج عدنان- إن الحاج عدنان أصيب بعدة رصاصات وتركه الاحتلال ينزف لفترة طويلة، حيث لم تتمكن الأطقم الطبية من الوصول إليه وإسعافه.
كما عكست جريمة اغتيال المقاومين سليم والجنيدي تعاضد المقاومة ووحدتها، وتصدي المقاومين لاقتحام الاحتلال.
وهو ما يؤكده استشهاد مصعب عويص (26 عاما) أحد أفراد كتيبة مخيم بلاطة التي تشكلت في الآونة الأخيرة وأرَّقت الاحتلال باشتباكاتها المتعددة معه وتصديها لاقتحاماته للمدينة والمخيم، حيث اشتبك عويص مع الجنود المقتحمين قبل أن يتم قنصه.
رسائل الاحتلال
وعبر العملية الأخيرة وتوقيتها، يحاول الاحتلال بعث رسائل عدة للفلسطينيين رسميا وشعبيا، وفقا للباحث بالشأن الإسرائيلي ياسر مناع.
و يضيف مناع أن الاحتلال أراد الاحتلال فرض حالة “كي الوعي” على الأرض، وأنه الأقدر على الوصول إلى أي كان ومتى كان، وأنه هو من يحدد الزمان والمكان، وأن يده تطال كل مطلوب.
واعتبر الباحق أن رسالة الاحتلال للسلطة الوطنية الفلسطينية التي حاولت رفع ملف الاستيطان لمجلس الأمن، هي أن “أمن إسرائيل فوق كل اتفاق”.
وكانت إسرائيل قد اعتقلت في 13 الشهر الجاري المقاومين كمال جوري وأسامة الطويل، اللذين تتهمها بالوقوف خلف عملية “شافي شمرون” بعد اقتحام منزل تخفيا فيه وسط نابلس، ثم اقتحمت بعد عدة أيام من اعتقالهما منزليهما وأخذت قياساتهما تمهيدا لهدمهما.