بقلم : حمادة فراعنة
قوات المستعمرة وأجهزتها،تستهدف مدينة فلسطينية بعد أخرى، وفصيل بعد آخر، وخلية بعد خلية، كانت نابلس، ومن ثم جنين، ومؤكد أن اريحا ليس آخرها.
قبلهم كانت غزة، كانت الجهاد الإسلامي، واغتيال أبرز قيادتها، كتيبة نابلس، وعرين الأسود، خلية “حماس” في أريحا، وهكذا تتم تصفية رموز وكوادر المقاومة تدريجياً، والاستفراد بهم فريق بعد فريق، مستغلين قدراتهم التكنولوجية المتقدمة، والعسكرية المكثفة، وأخطاء ضعف الخبرة لدى الشباب المقاوم.
شباب يملكون الاستعداد العالي للتضحية، ولكن هذا لا يكفي لمقارعة العدو وتوجيه الضربات الموجعة له، وجعل مدن وقرى وريف فلسطين وهجاً من الرفض والنار وعدم الإذعان.
يقعون بأخطاء إجرائية، تكشف قدراتهم وأماكن تواجدهم، وتتم تصفيتهم، فيخسر شعبهم، شبابه عالي التضحية، وتمس معنويات العامة، أن هذا العدو متمكن قوي قادر، وأن قدرات شباب المقاومة محدودة أمام تفوقه، مما يتطلب أقصى درجات اليقظة والاختباء، وانتقاء الأهداف، مهما كانت متواضعة، فالبرنامج تدريجي تراكمي طويل الأجل، ولن تتوفر الضربة أو الضربات القاضية التي تجعله يرحل مرغماً، بل يتم ذلك ويتسع مع الوقت.
سياسة الاستفراد الإسرائيلية بالمواقع والمدن والفصائل والخلايا الفلسطينية واضحة جلية، مما يتطلب من قادة المقاومة ورجالها إدراك هذه السياسة وقطع الطريق عليها، وعدم الاستجابة للتسرع وردات الفعل، وجعل الفعل الكفاحي مدروس، جماعي، منظم، له أثر على خسائر العدو، وتحقيق إنجازات تراكمية إيجابية لصالح الشعب المظلوم وتعظيم معنوياته التدريجية، وصولاً إلى ما يسعى ويتطلع: هزيمة العدو ورحيله.
المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي ليس قدراً لا يمكن هزيمته، بسبب تفوقه، ودعم الولايات المتحدة له، فقد سبق للشعب الفلسطيني أن هزم المستعمرة عبر تجربتي الانتفاضة الكبرى عام 1987، وانتفاضة الاقصى عام 2000، وحقق إنجازات على الأرض، وفي الميدان، شكلت مقدمات عملية بناءة تم الاعتماد عليها لمواصلة الطريق.
نتائج الانتفاضة الأولى بالإنسحاب التدريجي متعدد المراحل من المدن الفلسطينية أعاد شارون احتلالها في آذار عام 2002 بعد قمة بيروت وحصار “أبو عمار” في المقاطعة، ونتائج الانتفاضة الثانية أرغمت شارون على الرحيل عن قطاع غزة بعد فكفكة المستوطنات وإزالة قواعد جيش الاحتلال، من القطاع، ولكن الحصار وقرار الحسم العسكري الذي بادرت له حركة “حماس” ونفذته واستفرادها بإدارة غزة أحبط المشروع الوطني الديمقراطي، في استكمال مهامه وخطواته، نحو تقديم غزة نموذجاً للحرية والاستقلال الفلسطيني.
ولكن رغم المرض الذاتي الأناني الفصائلي، والجوع والتسرع نحو السلطة، وحالة الاستئثار السائدة، أحبطت الخطوات التراكمية التدريجية، ومع ذلك وجود الاستعداد العالي للتضحية، وتوفر العوامل الكفاحية بسبب بطش الاحتلال ما زالت كامنة دوافعها قوية، ولكنها تحتاج للتنظيم والعمل الوحدوي، والارتقاء بمستوى العلاقات الجبهوية بين التنظيمات والفصائل على أساس: 1- برنامج سياسي مشترك من الجميع وللجميع، 2- مؤسسة تمثيلية موحدة عبر منظمة التحرير ومؤسساتها وأدواتها بما فيها السلطة، 3- اختيار الأدوات الكفاحية المناسبة.
استفراد العدو يحتاج للغة وقيم وسلوك العمل الجماعي لمواجهته وإحباطه، ولم يعد أحد خال من استهداف العدو والتركيز عليه، فهل يدرك قادة العمل السياسي الكفاحي الفلسطيني ما هو مطلوب منهم في سياق المواجهة الجماعية ضد الاحتلال ؟؟.