جراء سياسات الاحتلال في القدس.. المقدسيات يحاولنَّ التغلب على الضَّنَك بإبداعاتٍ شخصية

– ارتفاع نسبة البطالة في أوساطهن.. وانتشار مؤسسات ومبادرات لتمكينهن

 ندى شحادة- واقعٌ صعبٌ ومريرٌ يواجه النساء الفلسطينيات في سوق العمل في القدس المحتلة، بالرغم من محاولات تطويرها على مدار الأعوام، ليحد ذلك من آفاقهن المأمولة بالمساهمة في سوق العمل والاقتصاد المحليَّين وتحسين معيشتهن في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والمقلقة، وصغر حجم السوق جراء عزل المدينة، إلى جانب غياب الدعم.

وقد انعكس ما سبق سلباً على المقدسيات من كافة النواحي، واستنزف قدراتهن، وقوّض طموحهنّ بشكلٍ كبير، فلم يعدن قادراتٍ على المشاركة في عملية التنمية بشكلٍ جيد، رغم أن الحياة تفرض على المرأة الفلسطينية أن تكون شريكةً مع الرجل في جميع مناحي الحياة.

ووفقاً للاتفاقيات الدولية لحقوق النساء، فقد منحت القوانين المرأة الحق الاقتصادي، وجعلته حقاً أساسياً، إذ أكدت المواثيق حق تقرير الشعوب مصيرها بنفسها، وبمقتضى هذا الحق فإنه يحق للمرأة السعي إلى تحقيق نمائها الاقتصادي والتصرف الحر، ولا يجوز في أيّ حالٍ حرمان أيّ شعبٍ من أسباب عيشه الخاص.

أنظمةٌ معقدةٌ من العنف ونسبة فقر عالية

لكن، للأسف، فإن المرأة المقدسية، بالرغم من ذلك، لا تزال عُرضةً لأنظمة العنف المعقدة التي تستند إلى الاحتلال العسكري المستمر، في انتهاكٍ فاضحٍ لحقوق الإنسان.

ووفقاً لمركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، فإنّ القدس تعيش ظروفاً معيشيةً واقتصاديةً صعبة، خاصةً أن نسبة الفقر تجاوزت 80%، في حين بلغت نسبة الفقر المدقع 3%.

وتُشير أرقامٌ صادرةٌ عن وزارة العمل الفلسطينية إلى أن نسبة البطالة بين المقدسيات وصلت إلى نحو 85%، وبحسب النقابة العمالية “معاً” فإن 13% من النساء الفلسطينيات فقط موجودات في القوة العاملة في القدس المحتلة. وتعمل نساء القدس 36,4 ساعةً أسبوعياً في المتوسط، بمعدل أجرٍ يوميٍّ يبلغ 21 دولاراً أميركياً.

ويبدو أن حصول المرأة المقدسية على عمل يغدو صعباً في ظل الممارسات والضغوطات التي تفرضها إسرائيل، فاللغة العبرية هي اللغة الأساسية في المؤسسات والمعاملات البنكية والمالية والاقتصادية، وغياب اللغة حال دون انخراط النساء المقدسيات في سوق العمل الإسرائيلية.

بادراتُ أملٍ وإبداعاتٌ شخصية

لكن تلك التحديات كانت بادرة أمل لدى عدد من المقدسيات، فلم تستسلم “نجاح محمد” للظروف، بل قاومت وسعت إلى تحسبن دخل عائلتها، خاصةً بعد غياب المعيل عنها، فقد توفاه الله قبل سنواتٍ عدة ليتركها مع أطفالها الثلاثة.

وعلى نطاق الأهل والجيران والأصحاب، بدأت “نجاح” عملها في تحضير أطباق الطعام التقليدية، ومع جودة المواد المستخدمة وإتقان العمل والحرفية العالية انتشر صيتها في المنطقة، حتى أصبحت تعرض منتجاتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحوّلت ذلك العمل إلى مشروعٍ ذي جدوى اقتصادية جيدة، لتثبت للعالم أجمع أنها، بالرغم من ظروف المعيشة الصعبة وقيود الاحتلال، استطاعت أن تواجه حياة الفقر بسلاح العمل والإبداع، فها هم أولادها يُكملون دراستهم، ويعملون إلى جانب والدتهم في إيصال الطلبات إلى زبائن الحي.

أما  “صبا المومني”، فعمدت إلى البدء في صناعة الإكسسوارات في المنزل، خاصةً أنها تقطن وحيدةً مع والديها الطاعنين في السن، فقررت استغلال وقتها وجهدها وحبها للعمل اليدوي في صناعة “الإكسسوارات” وطرحها عبر منصات التواصل الاجتماعي بأسعارٍ معتدلة، ولاقت مشغولات المومني اليدوية إقبالاً واسعاً من الفتيات .

واعتبرت أن مشروعها من المشاريع التي تدر دخلاً جيداً وبرأس مالٍ صغير، فهو لا يحتاج إلى مواد مكلفة، ويمكن الترويج له بسهولة، خاصة مع التطور التكنولوجي الذي نشهده.

مؤسساتٌ ومبادراتٌ لتمكين المقدسيات

وانتشرت مؤسساتٌ عدة لتمكين النساء والفتيات المقدسيات من تطوير أنفسهن، وخلق فرص عمل لهن حتى يستطعن الاعتماد على أنفسهن وتحسين مدخولهن المادي، عبر تقديم الدورات التثقيفية العامة والحرفية، ويُذكر في هذا الشأن أنه تم تنظيم عديد المبادرات للنهوض بالمقدسيات في شتى المجالات، فكان مشروع “مبادرات أهلية من أجل برنامج مستدام للتنمية البشرية في القدس” مثالاً يُحتذى به في تمويل المشروعات في مجالات المهن والتدريب وتمكين المرأة والمشروعات المدرة للدخل ودعم القدرات والإدماج المجتمعي.

وفي محاولةٍ جادةٍ لتمكين المرأة، ساهم برنامج “ابدأ” لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة بتقديم قروضٍ إنتاجيةٍ تساهم في تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لتوفير فرص العمل للشباب والنساء وخلق فرص عملٍ في كافة المحافظات الفلسطينية، بما فيها القدس المحتلة وقطاع غزة.

وتركز تلك المؤسسات على ضرورة دمج النوع الاحتماعي؛ من خلال تدعيم وسائل التمكين الاقتصادي، وضرورة تخصيص جزءٍ من الموازنات لدعم الأنشطة التعاونية النسوية، واعتماد حصةٍ تشغيليةٍ أساسيةٍ للنساء المقدسيات، وإنشاء مراكز للتدريب المهني تستهدفهن ودعمها وتطويرها.

ومؤخراً، أطلق أحد البنوك مبادرة “نجاح” بهدف دعم الرياديات من النساء الفلسطينيات مالياً لتطوير مشاريعهن في سبيل تمكينهن اقتصادياً، وذلك بالشراكة مع وزارة شؤون المرأة كنوعٍ من المسؤولية المجتمعية لدفع عجلة التنمية الاقتصادية إلى الأمام.

كما انطلقت مبادرة “تنهض بالهمم” لدعم المرأة وتمكينها في قطاع السياحة عن طريق زيادة القوى العاملة النسائية في هذا القطاع ودعم منتجاتهن.

انعكاسات للمشاريع الصغيرة 

ويرى خبراء واقتصاديون أن لجوء النساء داخل القدس إلى تنفيذ المشاريع الصغيرة سبيلٌ للخروج من ضنك المعيشة والحال، فهناك عدد من السيدات اللواتي بدأن تنفيذ مشاريع داخل منازلهن برأس مالٍ متواضع استطعن أن يحصلن على استقلالٍ ماديٍّ وتحسين ظروف معيشتهن، خاصةً أن المنفعة العامة للأُسرة هي الهدف الأول للنساء العاملات.

وأشاروا إلى أن عمل المرأة له انعكاس واضح ومهم على الوضع الاقتصادي للأُسر، وتحسين القدرة الشرائية والمعيشية للعائلات المقدسية، إضافةً إلى تعزيز القطاع النسائي ودمج المقدسيات في مجتمعهن المحتل من خلال زيادة مشاركتهن في قوة العمل، وهو الأمر الذي يفرض مكانةً للنساء الفلسطينيات في القدس.

وأكدوا أن رفع معدل المشاركة لتشغيل النساء المقدسيات ستكون له تبعات كبيرة في تحسين الاقتصاد داخل مدينة القدس، الأمر الذي يستلزم مساندة السلطة الوطنية الفلسطينية التي تتولى قضايا التشغيل دمج المقدسيات في سوق العمل والتصدي لسياسيات التمييز العنصري ووقف خطة بلدية الاحتلال في القدس 2020، التي تهدف إلى تقليص نسبة الفلسطينيين في القدس إلى 20% فقط، وإجراء التعديلات التشريعية اللازمة لتمكين المرأة الفلسطينية في القدس.

يُذكر أن عدد التاجرات المسجلات في الغرفة التجارية الصناعية في القدس للعام 2020/2021 بلغ نحو 90 امرأة فقط من أصل 1220 تاجراً.

وأمام كل المصاعب التي فرضها الاحتلال أمام حركة النساء الفلسطينيات في القدس، خاصةً في حال غياب المعيل، فإنهنّ يقفن عاجزاتٍ عن تقرير مصيرهن، وما بين المصاعب والمعيقات يغدو “الصمت المطبق والصمود” سبيلهنّ في مواجهة الأحداث الجارية.

Exit mobile version