اعتبر “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، في تقريره الإستراتيجي السنوي لعام 2023، أن أكبر تهديد إستراتيجي وأمني تواجهه إسرائيل في الوقت الحالي، يتمثل بإمكانية تدهور علاقاتها مع الدول الغربية والإدارة الأميركية، بسبب مخطط إضعاف الجهاز القضائي إلى جانب تغيير نمط العلاقات مع السلطة الفلسطينية.
وحذّر التقرير الذي قُدم للرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، اليوم، الإثنين، من أن الخطوات التي قد تتخذها الحكومة الإسرائيلية ويترجمها الغرب على أنها “إضرار بالديمقراطية”، يمكن أن تعرض علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة للخطر، الأمر الذي قد يؤدي إلى الإضرار بالأمن الإسرائيلي على المدى القريب.
وأفاد التقرير بأن الخطر الذي يتهدد إسرائيل من حيث مكانتها الدولية “ينبع من زيادة وتسارع المنافسة بين القوى والتكتلات الدولية، الأمر الذي سيلزم إسرائيل بمعايير عالية من الديمقراطية الليبرالية ، فضلا عن السلوك المسؤول تجاه الصين وروسيا”. وحذر الباحثون من أن “كل ذلك من المتوقع أن يقود الإدارة الأميركية إلى تبني نهج أقل تسامحًا تجاه الدول التي تتحدى النظام العالمي، وخاصة فكرة الديمقراطية الليبرالية”.
وعلى الصعيد الجيوسياسي، شدد التقرير على أن العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة هي التحدي الأكبر للحكومة الإسرائيلية الحالية؛ وشدد مدير المعهد ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (“أمان”) السابق، تَمير هايمان، على أن العلاقات مع الولايات المتحدة “تثبت (ترسي) التصور بشأن الأمن الإسرائيلي، وأي إضرار بها سيؤثر بشكل مباشر أيضًا على تعامل إسرائيل على المجالات الأخرى”.
وأشار الباحثون إلى أن ذلك ينبع أيضًا من التغيرات الداخلية في الولايات المتحدة، وجاء في التقرير أن “اشتداد حدة الاستقطاب والتطرف على جانبي الحاجز السياسي داخل الولايات المتحدة يؤدي إلى تآكل التكوين السياسي الداعم لإسرائيل”.
وبالتالي، حذر التقرير من أن “الخطوات التي سيتم تصويرها على أنها تماثُل غير كاف مع الولايات المتحدة والغرب، في سياق المنافسة مع الصين وروسيا، قد تعزز من هذا الضرر، ليس فقط بين الجمهور (الأميركي) ولكن أيضًا في أوساط المسؤولين في المناصب الحكومية”.
كما لفت التقرير إلى تصاعد قوة التيار التقدمي في الولايات المتحدة، مشيرا إلى أنه “ينكر شرعية إسرائيل والصهيونية التي يعتبرها تجسيدا للتفوق العرقي للبيض والكولونيالية”، مشددا على أن انتشار التقدمية في أوساط الشباب الأميركي، “إلى جانب تعزيز معاداة السامية والعنصرية، تشكل تحديا للشرعية والمكانة التي تتمتع بها اسرائيل في الولايات المتحدة منذ سنوات عديدة”.
انهيار السلطة الفلسطينية… التهديد الأكثر إلحاحا
وبحسب التقرير، فإن انهيار السلطة الفلسطينية، الذي يمكن أن يؤدي إلى تصعيد أمني في الضفة الغربية المحتلة، هو التهديد الأكثر إلحاحا لإسرائيل، ويشدد المعهد على أن هذا ليس “أخطر تهديد” (الذي ينسبونه لإيران)، لكنه هو الأكثر عرضة للتفجر خلال هذه المرحلة.
وجاء في التقرير أن “استمرار وجود السلطة الفلسطينية، رغم مشاكلها وعيوبها، هو مصلحة إسرائيلية واضحة”؛ ويحذّر هايمان من أنه “في ظل غياب حل واضح مع اقتراب نهاية فترة رئاسة محمود عباس للسلطة الفلسطينية، وعلى خلفية الاضطرابات المتزايدة بين شريحة واسعة من الشباب المحبطين (على حد تعبيره)، هناك خطر متزايد من تأجج العنف الذي قد يندلع ردًا على تحركات إسرائيل”.
وأضاف أن ذلك يأتي فيما “يتفاقم التهديد الإستراتيجي الخطير الكامن في الانزلاق إلى واقع الدولة الواحدة، والذي سيعرض للخطر هوية إسرائيل اليهودية – الديمقراطية”. واعتبر هايمان أن “إسرائيل قوية من حيث قوتها العسكرية ومن حيث مكانتها الدولية” في مواجهة أعدائها الخارجيين؛ فيما أشار إلى أن “عام 2023 يضع سلسلة من التحديات التي قد تقوض هذا التوازن”.
واعتبر أن في مقدمة هذه التحديات الخطر الذي يتهدد “التحصين المجتمعي” ومنظومة “الضوابط (المكابح) والتوازنات في الديمقراطية الإسرائيلية”، مشددا على أن حالة الاستقطاب “التي تضعف التحصين المجتمعي – عنصر حاسم في قدرة إسرائيل على التعامل مع التهديدات الخارجية”.
وذكر التقرير أن “التوترات المتصاعدة بين العرب واليهود والتطرف القومي تشكل أيضًا تحديات كبيرة” بالنسبة لإسرائيل، وقال إن “الشعور بفقدان قدرة السلطات على الحوكمة وانعدام الأمن الشخصي يمكن أن يؤدي إلى مظاهر خطيرة قد تتراوح بين ‘التنفيذ الفردي للقانون‘ وحتى تشكيل ميليشيات مسلحة”.
في المقابل، شدد التقرير على أنه من جهة أخرى “يمكن أن تؤدي ‘الاستجابة‘ المبالغ فيها على هذه المشكلة إلى إضعاف الديمقراطية الإسرائيلية في كل ما يتعلق بالحفاظ على حقوق الفرد والأقليات”.
النووي الإيراني… التهديد الأخطر
والتهديد الإستراتيجي الأخطر الذي تواجهه إسرائيل يتمثل بالبرنامج النووي الإيراني، وفقا لتقرير “معهد الأمن القومي”، وجاء في التقرير أن “هذا هو أخطر تهديد خارجي محتمل لإسرائيل. البرنامج النووي الإيراني في أخطر مراحله على الإطلاق، وهو قريب جدًا من أن يحول إيران إلى دولة على عتبة نووية. ذلك إلى جانب مواصلة المساعي الإيرانية للتموضع وبسط نفوذها إقليميا”.
وادعى هايمان أنه في السنوات الأخيرة، وخاصة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، انخفض اهتمام الدول الغربية بما يحدث في الشرق الأوسط لصالح التهديدات من الصين وروسيا. وأضاف أن التوقعات تشير إلى تقلص الاهتمام الدولي بالقضية النووية الإيرانية، وتراجع هذه القضية في ترتيب أولويات الدول الغربية.
وقال إن “هناك نية أميركية واضحة للحد من مدى انشغالها بالتهديد النووي الإيراني (ويفضل أن يكون ذلك من خلال العودة إلى الاتفاق، الأمر المشكوك في إمكانية تحققه) وكذلك الحد من الانشغال بمكافحة خطر الإرهاب في الشرق الأوسط “، وأضاف أنه “في هذا الوضع، تُترك دول المنطقة عمليًا للتعامل بمفردها مع تهديد نووي إيراني ناشئ وعدوانية إيرانية”.