بقلم: وليد الهودلي
مع بداية تولّيه لمنصبه وفي لحظاته الاولى التي اعتلى فيها عرش وزارته، أعلن ايتمار بن غفير الحرب على اسرانا في سجونه، وهذا يثبت بأن لديه من المخزون ما يكفي من الاحقاد السوداء والخطط والبرامج والقرارات المبيّتة من قبل، فهو على ما يبدو عبوة ناسفة جاهزة للانفجار وبالتالي لتفجير الاوضاع داخل السجون وخارجها. فمن اليوم الاوّل اصدر تعليماته السوداء والتي من شأنها أن تزيد الطين بلّة، وأن تعزّز فكرة معسكرات النازيّة، وأن تتحوّل مصلحة السجون وفرقها القمعية بشكل سريع الى نازيين جدد يمارسون التوحّش والقمع السادي بكل اشكاله المقيته، وبالمناسبة هم جاهزون ومدرّبون للقيام بهذا الدور وسجلّهم حافل بالقمع والتنكيل في أقسى صوره المرعبة، فقط يريد هذا الارعن الان رفع سقف التعذيب والتنكيل وعرض عضلاته أمام شعبه وتصدير الصورة التي تروي ظمأ كل متطرف وعنصري وحاقد.
بدأت الحرب بالانقضاض على سجن هدريم حيث استقرّت به الاوضاع مع نخبة من القادة والمثقفين والمتعلمين، وأصبح مصدر إشعاع معرفيّ ومعهد أكاديميّ يتلقى فيه الاسرى المحاضرات ويقومون بالابحاث ويتخرجون بدرجة الماجستير من جامعة القدس، لذلك اختار بن غفير أن تبدأ المعركة من هذا المعتقل حيث قمة الهرم في حركة الوعي التي تزرعها نخبة السجون فتحيلها الى واحة معرفة وتنوير. وبهذا يظهر أهمية المعرفة والكلمة الحرّة في معركتنا معهم.
بن غفير وعلى حجم أحقاده وجحيم عدوانه وما يمتلك من أدوات قوّة وقمع إلا أنه يرتعب من الكلمة الحرة، يرتعب من الفكرة الفلسطينية، يخاف على بنيته المتطرفة وشخصيته المتهوّرة وكيانه الهشّ أخلاقيا وفكريا وإنسانيا من الروح الفلسطينية الواعية والجميلة، يخشى من هذا النزال في ميادين الاخلاق والمعرفة، إنه حينئذ ينهزم شرّ هزيمة وتنكشف كلّ عوراته القبيحة، لذلك نجده يبدأ معركته من هنا ويصب جام حقده على هذا الميدان.
بن غفير لا يدرك أن ما حقّقه الاسرى لم يكن منحة منهم ولا لطفا من ألطافهم الخفيّة، بل كان “خاوة” رغم أنوفهم، وهم قادرون على إعادة سيرتها الاولى إن سلبت منهم من جديد، هو لا يرى إلا قدراته ولا يفكّر بقدرات اسرانا على قلب الطاولة في وجهه، فهم قاردون على الوصول الى استحقاقاتهم على “داير مليم” كما يقولون.
اسرانا أكثر الناس معرفة بعدوّهم، يتابعون مشهدهم السياسي بكل تفصيلاته، ولهم من الخبرة الطويلة والعميقة في التعامل مع عقلية مصلحة السجون واستخباراتها، يعرفون من أين تؤكل الكتف،… انه بحاجة إلى أن يتعلم منهم وسيتعلّم في ميدان المعركة، هو الان يعلن الحرب لكنه لن يكون قادرا على إعلان نهايتها بل هم الاسرى الذين يحدّدون متى تنتهي وكيف، ومن أوراقهم القويّة: القدرة العالية على حشر مصلحة السجون وضباطها وشرطتها وفرقها في حالة من التوتّر والطوارئ والقلق على مدار الاربع وعشرين ساعة، قادرون مثلا على تحريك الشارع الفلسطيني وانتاج انتفاضة تهزّ كيانه وتعرض مصالحه الامنية للخطر الكبير.
الاسرى هم قادة ومفكّرون وحركيون وتنظيميون وفوق كلّ هذا نفسهم الثوري العالي وقدرتهم العالية على تحريك المياه الراكدة والوصول الى أهدافهم العالية. الان هم يتسلّحون بوحدتهم وجاهزون لبرنامج نضاليّ قويّ متصاعد قد يصل الى الاضراب المفتوح عن الطعام الكفيل بإشعال الشارع الفلسطيني وفتح المعركة والردّ على هذا المعتوه الذي يلعب بنارهم.