بقلم:د.هاني العقاد
استٌقبلت حكومة (نتنياهو -بن غفير- سموترتيش ) العنصرية من قبل الجمهور الإسرائيلي بالاحتجاجات في ساحة (هابيما) وكبري المدن الإسرائيلية للأسبوع الثاني على التوالي ,لم يحدث قبل ذلك ان يلجأ الجمهور الإسرائيلي للنزول للشارع بهذه السرعة محتجا على حكومة جيرت كافة القوانين لصالح بيروقراطية دينية محضة لا تخدم سوي الأحزاب الدينية وجمهور الحريديم وتمكنهم من سلطات الدولة الثلاث , المشهد بات على أبواب حدث دراماتيكي في الدولة العبرية لتتحول من دولة علمانية الى دولة دينية يسيطر فيها المشرعون الدينيون على سلطات قضائية دينية واسعة , لا اعتقد ان تهدأ حالة الشارع الإسرائيلي خلال المرحلة القادمة طالما هذه الحكومة تعطي الصلاحيات الواسعة لوزير الامن الداخلي بالتدخل السافر من خلال جهاز الشرطة في سلطات الدولة الثلاث ما يؤثر على استقلاليتها . يخشى المجتمع الدولي اليوم ان تحدث حالة صدام غير مسبوقة مع هذه الحكومة اليمنية المتطرفة لكونها حكومة تصادر الحريات في دولة الاحتلال وتعتدي على حقوق الانسان والقانون الدولي من خلال ممارسة سياسة تمييز عنصري مبنية على أساس العرق والدين والقومية والانتماء السياسي, كما ويخشى الجميع من حالة صدام شعبي بين مكونات المجتمع الصهيوني السياسية ما يعني بداية حرب أهلية مخيفة .
ساحة (هابيما) في تل ابيب أصبحت مركز الاحتجاجات بالإضافة لمدينة حيفا وامام مقر إقامة رئيس دولة الاحتلال (يتسحاق هرتصوغ) ,ولعلنا نتوقع اتساع رقعة الاحتجاجات خلال الأسابيع القادمة ونزول الإسرائيليين الى الشوارع بمئات الالاف دفاعا عن حريات مجتمعهم وحالة التعايش السلمي بين اطياف اليهود , واليهود والعرب في دولة تحترم فيها كافة حقوق الأقليات الأخرى ,ودفاعا عن الديموقراطية التي باتت على المقصلة الدينية المتطرفة . هتف المتظاهرون بهتافات تدلل على قوة غضب الشارع الإسرائيلي وتخوفه من هكذا حكومة قد تأخذ المجتمع الإسرائيلي الى مديات متفجرة تحدث صدامات داخلية وخارجية مع الفلسطينيين ودول العالم التي تكافح من اجل ممارس الشعوب الديموقراطية الحقيقية يتم من خلالها احترام كافة الشرائع الدولية وقواعد حقوق الانسان.
مع استمرار هذه الاحتجاجات وتركيز برنامجها الأسبوعي والهدف الكبير وهو اسقاط هذه الحكومة المتطرفة او اجبار نتنياهو اجراء إصلاحات ائتلافية تبعد المتطرفين عن الحكم وتحفظ استقلالية سلطات الدولة من القرصنة والبيروقراطية الحزبية وهذا في وجهة نظري صعب بعد الاتفاقيات الائتلافية التي أعطت الفصائل الدينية كل شيء لدرجة ان نتنياهو بات “كالطرطور” لا يمتلك صلاحيات كبيرة مقابل ان تحميه هذه الاتفاقيات من الملاحقة القضائية بسبب تهم الفساد في الملفات الثلاثة المعروفة وتبقيه رئيسا للوزراء ، في هذا الخضم نتوقع ان يدفع الائتلاف الحاكم بمناصريه في المقابل بالنزول الى الشوارع في أيام غير السبت تطالب فيها ببقاء هذه الحكومة والحقيقة ان هذا غير مستبعد في ظل وجود انقسام حقيقي في المجتمع السياسي الإسرائيلي لم تظهر اثاره واضحة كما هو اليوم , هذا الانقسام يمكن ان يفكك الدولة العبرية التي يسعى قادتها الدينيين لتحويلها لدولة دينية اقوي من الدولة العلمانية تحسم العديد من الملفات من ضمنها المشروع الصهيوني في دولة صهيونية خالصة القومية في فلسطين وعزل الفلسطينيين في كانتونات لا تختلط بالمجتمع اليهودي يبقون تحت الوصاية الأمنية الإسرائيلية , وعندما نتحدث عن الفلسطينيين فان هذا ينطبق على كل الفلسطينيين في الداخل أيضا الذين هم هدف كبير لعنصرية (بن غفير- سموتريتش – ارية درعي )لانهم يخططون لتهجريهم وتفكيك تجمعاتهم القومية ومن يريد ان يبقى يلتزم بالقومية اليهودية ويتخلى عن هويته العربية الفلسطينية.
لعل هناك صراع خفي بين المؤسستين العسكرية والأمنية من طرف والمؤسسة السياسية من كطرف اخر لان المؤسستين العسكرية والأمنية تشعران بان القادة اليمينيين المتطرفين يريدون ان يجيروا قوانين الدولة لصالح السيطرة على هاتين المؤسستين واستخدامهما اسوأ استخدام واستكمال مشروع السيطرة على كافة مفاصل الدولة العبرية. لعل المعارضة الإسرائيلية اليوم موحدة لكنها تحشد الشارع الإسرائيلي في مواجهة الحكومة المتطرفة لكونها وجدت الحالة الحكومية تتطلب تحريك الشارع والجماهير ونزولها الى الشارع الذي يشكل ضغطا على الكنيست لحجب الثقة عن هذه الحكومة وتفكيك الائتلاف الحاكم ,واعتقد ان بعض أعضاء الليكود الذين يعتبرون نتنياهو اضر بهم ولم يمنحهم أي حقائب يمكن ان ينشقوا عن الليكود وينضموا لصفوف المعارضة ما يشكل خطوة اولى لأضعاف الائتلاف وبعد ذلك تفكيكه وهذا سيناريوا اخر غير سيناريو استمرار التظاهرات واتساع رقعتها لتشكل حالة ضغط تفكك الائتلاف الحاكم.
كفلسطينيين لا يعنينا من يحكم إسرائيل ويتولى إدارة مؤسسات الدولة وكل ما يعنينا البرنامج السياسي لحكومة تل ابيب مهما كان توجهها وخاصة اعتراف هذه الحكومة او تلك بالاتفاقيات الموقعة مع (م ت ف ) وقبولها بمبادئ السلام المشترك القائم على أساس قرارات الشرعية الدولية ،لكن يمكننا القول ان حكومة (لابيد بيني غانتس ) وبعدها حكومة المتشددين (نتنياهو -بن غفير -سموتريتش)هم على ذات البرنامج فيما يخص الفلسطينيين بل يكاد يكون التميز بينهم صعب , كراهية ,استيطان ,تهويد ,سياسة ممنهجة لتقويض حل الدولتين ,وإصرار على رفض الجلوس على طاولة المفاوضات. المهم هنا ان نستفيد كفلسطينيين مما يحدث في الشارع الإسرائيلي ونتعلم كيف يحرص الجمهور اليهودي في دولة الاحتلال على دولتهم ويوظفوا ضغط الشارع لحماية كيانهم من التفكيك والبيروقراطية الدينية وإصلاح البرنامج السياسي الداخلي والدفاع عن استقلال القضاء والامن واطلاق الحريات العامة والعديد من البرامج التي من شأنها ان تعمل على وحدة وتماسك الدولة, في نهاية هذا المقال لابد من سؤال كبير بحجم الكارثة التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ سنوات ,لماذا لم ينزل الشعب الفلسطيني الى الشارع ليطالب الفصائل الفلسطينية بإقصاء برامجها الحزبية التي أسست لانقسام اسود واستعادة الوحدة الوطنية على قاعدة الشراكة السياسية الكاملة والسيادة للبرنامج الوطني واعتبار( م ت ف ) الممثل الشرعي والوحيد لكل الفلسطينيين يعملون من خلال مؤسساتها لتمتين الجبهة الفلسطينية الواحدة في مواجهة برامج تصفية القضية الفلسطينية وتفكيك قضاياها الكبرى.